في حال اندلاع حرب… هذه هي الخطة الاستباقية للمستشفيات
فيما تستمر الحرب في غزة، ومعها المواجهات على طول الشريط الحدودي بين “حزب الله” وإسرائيل، ترتفع مستويات القلق بين اللبنانيين أمام احتمال توسّع رقعة الحرب في الأراضي اللبنانية. على الصعيد الرسمي، لجأت السلطات اللبنانية إلى العمل على خطة طوارئ وطنية، كما قامت بعض الوزارات بوضع خطط طوارئ لضمان حسن الإستجابة، ومنها وزارة الصحة العامة، لأهمية جهوزية القطاع الصحي في حال اندلاع الحرب، وتعزيز التنسيق بين كافة المعنيين في القطاع الصحي. في هذا الإطار أصدر وزير الصحة العامة الدكتور فراس الأبيض مذكرة لكافة المستشفيات على الأراضي اللبنانية، تذكيراً بالإجراءات التي من المفترض بها اتخاذها في حال توسّعت رقعة الحرب.
لكن تبقى هذه المساعي خجولة، بما انّ الكل يعلم الإمكانات المتواضعة لعدد كبير من المستشفيات، خصوصاً في ظلّ الأزمة. وفيما لا تتوافر هذه القدرات ولا توضع مثل هذه الاستراتيجيات لخطط استباقية في أوقات الأزمات في العديد من المستشفيات، يُعتبر التحضّر مسبقاً لمثل هذه الأوقات من الخطط التي تحرص عليها المستشفيات الكبرى.
بالتزامن مع المحاكاة التي نظّمها المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت-مستشفى رزق، استعداداً لأي طارئ في حال توسّع رقعة الحرب، أكّد المدير الطبي للمستشفى الدكتور جورج غانم، أنّ خطة الطوارئ من المفترض ان تكون جاهزة في كافة المستشفيات، لجهوزية تامة والاستعداد للتدخّل عند حصول أي طارئ. وقال: “كنا قد وضعنا هذه الاستراتيجية منذ حوالى السنة، على أن نقوم بالمحاكاة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري وفق البرنامج الذي كان قد وُضع، على أن تتبعها أخرى لاحقاً بالتعاون مع الجيش اللبناني، ثم تأتي بعدها أخرى تتوجّه إلى باقي المستشفيات في مناطق معينة في لبنان، للمساهمة في إعدادها للحالات الطارئة والأزمات وللتأكّد من جهوزيتها. بدا هذا التوقيت مؤاتياً، وصادف أن تسيطر أجواء القلق وتكون خطة الطوارئ مسألة ملحّة في هذه المرحلة، وإن كانت هذه الخطة وُضعت في الواقع للأزمات أياً كان نوعها كالكوارث الطبيعية أو الحروب أو غيرها. لكن كان التركيز على الحرب بشكل خاص بما أنّ الظروف كانت تستدعي ذلك”.
في المحاكاة، أُطلقت في الصباح الباكر صفارات الإنذار التي تُطلق في حالات الطوارئ، وبالتعاون مع 100 حالة في الطب والصيدلة تمّت الاستعانة بهم ليقوموا بدور المصابين الذين يصلون إلى المستشفى. جرى التدخّل عن طريق تمييز الحالات الطارئة والخطرة التي تتطلّب تدخّلاً سريعاً وتلك الأقل خطورة، للتعامل مع كل منها بحسب معدل الخطورة. وكان هناك تعاون مع الصليب الأحمر وسيارات الإسعاف التي كانت مشاركة أيضاً في المحاكاة. بهذه الطريقة كان من الممكن تقويم مدى جهوزية الجسم الطبي في المستشفى للتدخّل في الأزمات أو الحروب.
وفق غانم، تعلّم الفريق الطبي في المستشفى الكثير من تجربة انفجار 4 آب (أغسطس) التي كانت بمثابة درس كان من الممكن استخلاص دروس عديدة منها. على سبيل المثال، بدا إقفال الأبواب للحدّ من الضغط مع دخول الأهل وباقي الناس، إضافة إلى المصابين، خطأ يجب عدم الوقوع فيه، كما حصل في إنفجار المرفأ. فقد تسبّب ذلك آنذاك بزيادة الضغوط. وكان الشعار الأساسي الذي تمّ التشديد عليه، هو تركيز كل من العاملين في المستشفى على المهمّة الموكلة إليه حصراً، لمزيد من الفعالية والسرعة في إنجازها بأفضل ما يكون.
في ساعة ونصف الساعة كان من الممكن التعامل مع أكثر من 100 حالة مع تقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم وفق كل حالة ومعدل خطورتها. وخلال هذه المحاكاة، تمّ تدوين كافة الملاحظات وتسجيل نقاط الضعف لمعالجتها بالشكل المناسب حتى لا تتكرّر الأخطاء.
من المفترض أن تتكرّر هذه المحاكاة قريباً في مستشفيات حكومية في مناطق معينة. ويشدّد غانم على أهمية أن تحرص كافة المستشفيات على القيام بالمثل ووضع خطة طوارئ لتقويم مدى جهوزيتها في حال اندلاع حرب أو حصول أزمة. لكن تبقى هذه مبادرات فردية، وتُعتبر الاستراتيجية الوطنية وإنشاء هيئة وطنية للتعامل مع حالات الطوارئ بطريقة شاملة ومناسبة، كما حصل في ظل الجائحة عندما أُنشئت اللجنة الوطنية لمواجهة وباء كورونا، بهدف تحقيق الجهوزية التامّة في حال اندلاع حرب على مستوى وطني. مع الإشارة إلى أنّه من الممكن الاستفادة إلى حدّ كبير من فترة الجائحة وبشكل خاص من تجربة انفجار المرفأ، حيث تحمّلت 4 مستشفيات كبرى العبء الأكبر، بعد أن تضرّرت أخرى في المنطقة المحيطة للانفجار. وقد استطاع المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأميركية -مستشفى رزق، مشاركة خبرته هذه مع هيئات علمية ومستشفيات من لبنان والعالم، وفق غانم، للاستفادة من هذه التجربة على صعيد عالمي.
النهار العربي