خطاب محبط : ضرورة مراجعة الحملة الدعائية

حجم الانتقاد لخطاب أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله، لا يعكس الانفعال السياسي لدى الكثير من أنصار القضية الفلسطينية، خصوصاً الفلسطينيون، بقدر ما يظهر أن الحملة الدعائية التي سبقت الخطاب، منذ يوم الاحد الماضي، تحتاج الى مراجعة، إذ لم تقتصر تداعياتها النفسية على العدو فقط، بل رفعت لدى البعض آمالاً وتوقعات بإعلان حرب واسعة يريدونها، ولا يبدو أن الحزب سيخوضها من دون توجه اسرائيلي وأميركي حاسم للقضاء على حركة “حماس” أو لقضم مساحات من قطاع غزة.

وبمعزل عن خصوم الحزب الذين قللوا من حجم الخطاب وتأثيراته وتوقعاته، وهم الذين خاضوا معركة ضد الحرب وضد توسيع رقعتها الى الساحة اللبنانية، وكذلك بمعزل عن عموم اللبنانيين الذي أراحهم الخطاب لجهة عدم إعلان حرب واسعة، فإن بعض حلفائه الفلسطينيين ممن كانوا متحمسين لسماعه يعلن توسيع الحرب الى مستوى إقليمي، أبدوا امتعاضهم من الخطاب، ورأوا أنه أقل من المتوقع، وخرجت السرديات السابقة: “غزة.. ما الها الا الله”.

وحدد نصر الله، في خطابه الأول منذ بدء عملية طوفان الأقصى، حدود توسيع تدخله بعد نجاحه في تثبيت واقع ميداني في المنطقة الحدودية الجنوبية تتمثل في إشغال القوات الاسرائيلية ومنع حشدها على غزة والضغط على الجيش الاسرائيلي، إذ طالب بوقف العملية العسكرية في غزة، وقال إن سياق المعركة هناك سيحدد حجم مضاعفة الضغط، كما ربط التصعيد بالتصعيد الاسرائيلي في الداخل، مذكراً بمعادلة جديدة هي استهداف المدنيين مقابل المدنيين اللبنانيين.

غير أن أنصار الحرب من الفلسطينيين، وبعضهم من “حماس”، لم يكفهم هذا التدخل، ولا تصريحه “اننا لن نكتفي بما يحصل على الحدود وكل الاحتمالات مفتوحة”. كانوا يتوقعون اعلاناً لانخراط أكبر في الحرب، بهدف خفض التصعيد في غزة، وهو ما دفع الى انتقادات وتعبير عن إحباط، وصل الى حد مطالبة أحد أنصار “حماس” لقناة “الجزيرة” بقطع الخطاب وإعادة محللها العسكري الى الاستديو.

والواقع أن هذا الإحباط، ليس ناتجاً عن الحسابات السياسية والتوازنات القائمة، بقدر ما جاء نتيجة للفيديوهات الترويجية التي تكررت خلال الأيام الخمسة الماضية، وأعد “حزب الله” أحدها يوم الأحد، فيما أعد مناصروه فيديوهات أخرى مأخوذة من صور قديمة له. كان الهدف من الفيديوهات توجيه رسائل للعدو ضمن الحرب النفسية، لكن تأثيرها، بطبيعة الحال، كان متصلاً بشحذ الهمم في الداخل العربي، فبنى أنصار الانخراط في الحرب آمالاً مباشرة، من غير النظر في الحسابات السياسية التي قد تصل الى مستوى غير فعال في تغيير طبيعة المعركة في هذه الظروف.

يثبت ذلك أن نشر الفيديوهات بهذا الشكل، والترويج التحليلي لسرديات القوة والتدخل الانفعالي، يحتاج إلى مراجعة، منعاً لأي تأثير للحرب النفسية في الداخل العربي، من غير أن ننفي تأثير تلك الفيديوهات في الداخل اللبناني الذي ارتفع منسوب خوفه بشكل قياسي، تحسّباً لأي تطور دراماتيكي، وهو ما دفع بعض المدارس لإقفال صفوفها الجمعة، ونزوح بعض اللبنانيين من الجنوب خوفاً من اعلان مواجهة واسعة.

المدن

(الصورة من موقع “جنوبية”)

مقالات ذات صلة