شبلي لموقعنا: الإصبع على الزناد … والخطأ ممنوع!
مؤكداً أن الأمور تتجه إلى حصر المعركة في غزة وعدم تمددها إلى لبنان
لا أحد يجزم بدور إيران في “طوفان” الأقصى.. والأنظمة العربية اختارت التطبيع على “حماس”
الفلسطيني يقاتل ليبقى، بينما العدو الصهيوني يقاتل لينتصر
حاورته رئيسة التحرير: إيمان أبو نكد
عندما تعجز الأقلام عن استنباط الواقع واستقراء المستقبل يكون اللجوء دوماً إلى ذوي العلم بما بين السطور، وتحليل الشفاه وماورائيات الأمور، ومن هذا المنطلق واستشرافاً لصورة الغد العربي والإقليمي معاً، لما بعد عملية “طوفان الأقصى” كان لموقع Checklebanon حوار عميق مع الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ ياسين شبلي.
بنظرته الثاقبة وتحليلة البنّاء، حسم بأن أحداً لا يمكنه الجزم بمدى تورّط إيران في عملية “طوفان الأقصى”، سواءً تخطيطاً أم توقيتاً، وإن كان هذا لا يمنع ولا ينفي دعمها وعلمها المسبق بالعملية.
وإذ رأى أن الأمور العسكرية متجهة إلى حصر المعركة داخل غزّة مع استمرار الوضع على ما هو عليه اليوم في الجنوب، ضمن “قواعد الاشتباك”، اعتبر أن إيران تحتفظ بحزب الله كإحتياط استراتيجي لها في حال فكّرت إسرائيل بالاعتداء عليها، ولن تجازف بإضعافه من أجل “حماس” أو غيرها.
شبلي شدّد على أن “حماس” مُعرّضة للاستئصال الجدي عن الساحة، ولن تنجو من هذا المصير إلا بمعجزة الصمود لأطول فترة ممكنة، والأقرب هو سيناريو الخروج الفلسطيني من بيروت بعد اجتياحها، لأن زمن المعجزات، خاصة السياسية منها، قد ولّى.
وفيما اعتبر أن الشعوب العربية فرحت وصنّفت “طوفان الأقصى” انتصاراً إلا أن الأنظمة العربية التي نحت نحو التطبيع مع إسرائيل، لا تغرب بانتصار “حماس”، بل يناسبها القضاء عليها، خاصة في ظل الدعم العالمي لإسرائيل وتصنيف “حماس” في خانة “القاعدة” و”داعش”.
وفي ما يلي نص الحوار…
*هل كانت إيران العنصر المُقرِّر لعملية “طوفان الأقصى” أم إنها تفاجأت كسواها بحجم ونوعية العملية؟!
– ما من شك بأن لإيران علاقاتها مع “حماس” ضمن “محور الممانعة”، ولكن للأمانة لا يمكن لأحد الجزم بمدى تورّط إيران في عملية “طوفان الأقصى”، سواءً تخطيطاً أم توقيتاً، وإن كان هذا لا يمنع ولا ينفي دعمها وعلمها ربما بالعملية – وليس بالضرورة بتوقيتها بالضبط – وإن لم تكن بأمر مباشر منها.
في المحصلة تقديري أنّ “نجاح” العملية غير المسبوق عسكرياً ودقّة تنفيذها وانهيار الدفاعات الصهيونية أمامها هو ما فاجأ الجميع، الصديق قبل العدو، وحتى ربما قيادة “حماس” نفسها، ما جعل ردود الفعل تتسم بالارتباك بداية من جانب كل الأطراف، وكان لافتاً “اتفاق” كل من أميركا وإيران على تبرئة ساحة الأخيرة من العملية حتى قبل أي اتهام أو تحقيق، ما يوحي بأنّ الجميع قد وجدوا أنفسهم أمام واقع لم يكونوا مستعدين له، وأن شيئاً ما كبيراً قد حصل جعل الأمور تخرج عن سياقها المعهود في المنطقة، ما أدخل الجميع في حالة هستيريا تمثلت باستدعاء أميركا لحاملات الطائرات إلى المنطقة لطمأنة إسرائيل، والحد من تهوّرها ربما تجاه الإقليم، وكذلك لردع إيران وحزب الله عن التدخّل في الصراع وتوسعته، وهي المهمة التي نجحت بها – حتى الآن على الأقل – كما يبدو، سيما أنّ أميركا بدت وكأنها باتت الطرف المقرِّر في إسرائيل في أعقاب العملية التي أصابت نتنياهو وهيبة جيشه في مقتل، واقتضت منه تشكيل حكومة طوارئ نزولاً عند رغبة أميركا، وهو الذي كان متمرداً قبلها على الإدارة الأميركية ما جعل منه شخصاً غير مرحب به في واشنطن .
*متى سيكون الرد الصريح لحزب الله؟.. ولماذا التهديد دوماً باستهداف المطار؟ فما السر؟!
– بالنسبة إلى حزب الله أعتقد بأنّ السؤال اليوم لم يعد هل يردُّ حزب الله ومتى، لأنّ الحزب والجماعات المرتبطة به قد دخلت المعركة فعلاً، لكن ضمن “قواعد الإشتباك المتفق عليها”، وإنْ كانت الأمور أحياناً تتطوّر بشكل سلبي يتخطّى هذه القواعد، ليبقى السؤال اليوم الذي يقض مضاجع اللبنانيين عامة وبيئة حزب الله خاصة: هل ستتطور الأمور إلى الأسوأ؟ ومتى؟.
بتقديري الأمور بعد كل الذي حصل ذاهبة إلى حصر المعركة داخل غزّة مع استمرار الوضع على ما هو عليه اليوم في الجنوب، ضمن “قواعد الاشتباك”، إذ ليس من مصلحة إسرائيل – حتى ولو رغبت بذلك – فتح جبهة ثانية قد تكون أخطر عليها من جبهة غزّة، وأكثر كلفة بطبيعة الحال، كما أنه ليس من مصلحة إيران اليوم، وبعد رفع العقوبات عنها في مجلس الأمن مؤخّراً، وفي عز المعركة بين “حماس” وإسرائيل – يا للمفارقة – أنْ توسّع دائرة الحرب بحيث تضع ذراعها الأقوى حزب الله في “فم الأسد” الأميركي والذئب الإسرائيلي الجريح، مع ما يحمله هذا الأمر من خطر خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها لبنان وشعبه اليوم.
أغلب الظن أنّ إيران تحتفظ بحزب الله كإحتياط استراتيجي لها في حال فكّرت إسرائيل بالاعتداء عليها، ولن تجازف بإضعافه من أجل “حماس” أو غيرها، لكن كل هذا لا يلغي التخوّف من انزلاق الأمور إلى الأسوأ، نتيجة خطأ ما سواءً عن قصد أو غير قصد، فالإصبع على الزناد والتوتر الحاصل لا يحتمل أي خطأ.
أما بالنسبة إلى المطار، فمن البديهي خاصة بعد تدمير المرفأ، أنْ يكون الهدف الأوّل لأي عدوان بصفته الشريان الرئيسي والوحيد المتبقي للبنان وحزب الله على الخارج، مع ما قد يحمله هذا الشريان من جرعات دعم بالتموين للحزب، خاصة مع الأنباء التي أثيرت في الماضي عن وصول شحنات أسلحة عبر طائرات إيرانية، الأمر الذي نفاه لبنان عدّة مرّات ..
*بعدما تضع هذه الحرب أوزارها.. مَن سيلغي الآخر؟!.. وهل سيعود الوضع إلى ما قبل 7 تشرين في القطاع؟، أم سنكون أم تغيير كبير في المنطقة أجمع؟!
– أعلنت إسرائيل أن هدفها من عملية “السيوف الحديدية”، هو القضاء على “حماس”، وأن ما بعد “7 تشرين الأول” لن يكون كما قبله، وهي بذلك وضعت سقفاً عالياً لمعركتها، في حين أن “حماس” لم تضع هدفاً سياسياً واضحاً لعملية “طوفان الأقصى”، سوى تحرير الأسرى، ربما ووقف التعديات على المسجد الأقصى، والأرجح أنّ إسرائيل سوف تستغل هذا التعاطف الدولي معها الذي وضع “حماس” في موضع “القاعدة” و”داعش” لمحاولة استئصالها إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وهذا يعتمد بالدرجة الأولى على المدّة التي تستطيع “حماس” أن تصمد في وجه الهجمة الصهيونية التي تعتمد وتتعمّد ضرب المدنيين للضغط على “حماس” في سيناريو يذكّرنا بغزو بيروت عندما اضطرت منظمة التحرير الفلسطينية للخروج منها تحت ضغط الظروف الصعبة التي فُرِضَتْ على المدنيين يومها، وهو السيناريو الأقرب من وجهة نظري الذي يمكن أن يتكرّر اليوم في غزّة، مع اعتماد إسرائيل لاحقاً أيضاً سياسة الملاحقة والاغتيالات لقادة الحركة، كما جرى بعد عملية ميونيخ العام 1972 التي نفّذتها منظمة “أيلول الأسود”.
كما هناك أنباء بدأت تتسرّب من إسرائيل عن تشكيل وحدة للاغتيالات لملاحقة قادة “حماس” سواء في الداخل أو الخارج، من هنا يمكن القول بأن “حماس” مُعرّضة للاستئصال الجدي عن الساحة، ولن تنجو من هذا المصير إلا بمعجزة الصمود لأطول فترة ممكنة، تتجاوز الثلاثة أشهر على أقل تقدير، فهل تستطيع؟.. هذا ما ستثبته الأيام، وإنْ كُنتُ أعتقد بأنّ زمن المعجزات، خاصة السياسية منها، قد ولّى، في ظل الظروف الإقليمية والدولية الضاغطة وفي ظل فقدان أي غطاء عربي رسمي جدي لـ”حماس”، لا بل يمكن القول العداء العربي لها، فلننتظر ونرَ!
*لمَنْ ستُهدي “حماس” انتصارها إنْ حصل؟َ
– برأيي من السابق لأوانه الحديث عن أي انتصارات، حتى ولو كانت هناك لسبب من الأسباب هزيمة إسرائيلية، إذا لم تستطع إنهاء “حماس” كما وضعت سقف لعمليتها، لكن هذا لا يمكن أنْ يُعتبر نصراً لـ”حماس” إلا بما هو انتصار معنوي لا أكثر، خاصة إذا تم تبادل الأسرى، فـ”حماس” إن بقيت في غزّة ستبقى مُحاصرة، وربما أكثر من السابق، ولن تستطيع استثمار “الانتصار” سياسياً إنْ حدث في أي إنجاز سواء لها أو لإيران حتى، فإسرائيل لن تسمح لها بالتمدّد والسيطرة على الضفة الغربية مثلاً، بعد الذي حصل، بل بالعكس ستعمل جاهدة على استئصالها من هناك أيضاً، فالوضع هنا مختلف عن حرب 2006 في لبنان، عندما استثمر حزب الله وإيران الانتصار في الداخل اللبناني حيث وضع يده على البلد بعد أحداث 7 أيار 2008، والانقلاب على حكومة سعد الحريري بداية العام 2011، الأمر الذي وفَّر له الغطاء للتدخّل في سوريا وبعدها في العراق بدعوى محاربة “داعش”، ومن ثم في اليمن، وكلها “استثمارات” إيرانية نجح فيها الحزب، ما جعل إيران تتباهى بوضع يدها على أربع عواصم عربية.
ثم إنّ “حماس” لا تقتصر علاقاتها على إيران فقط، فهناك تركيا وقطر وهما الدولتان الأقرب إليها، وكذلك مصر بحكم الجوار الجغرافي وأهميته، بحيث إنّها المتنفس الوحيد لها، وقد تحاول استثمار علاقتها مع هذه الأطراف الثلاثة لمحاولة حماية رأسها ربما، إذا قيِّض لها الصمود كما سبق وذكرنا .
* هل “انتصار” حماس – إنْ حصل – هو نصر للعرب؟!
– هنا الحديث ينقسم إلى شقين، الشق الرسمي والشق الشعبي، فعلى المستوى الشعبي العاطفي، الانتصار حصل بمجرد حصول عملية “طوفان الأقصى”، وما تخلّلها من اجتياز لخطوط دفاع العدو واقتحام للمستوطنات وأسر جنود، وهو مشهد لم يتكرّر منذ حرب تشرين 1973، ما أعاد بعض الثقة للمواطن العربي بأنّه قادر على فعل المعجزات، إذا تأمّنت له الإمكانيات اللازمة، وتوفرت العزيمة والإرادة، وبأنه لا يقل شأناً عن غيره من الشعوب.
أما على المستوى الرسمي العربي، فالواقع للأسف حتى ولو حصل ما يشبه الانتصار، فإن هذا النظام غير مؤهّل له، ولا حتى يُريده لأنّه يعتبره نصراً للتيار الإسلامي ومن ورائه إيران، ولا هو قادر أو الأصح ربما غير راغب في استثماره، بعدما حسم أمره واختار التطبيع مع إسرائيل، وهنا نتحدث عن الدول المؤثرة في هذا النظام العربي المسؤول مسؤولية مباشرة في الحقيقة عما وصلت إليه الأمور في فلسطين، وذلك عندما تخلّى عن الفلسطينيين ولم يدعمهم في سعيهم للسلام عبر إتفاقية أوسلو، وكذلك عبر إهمال مبادرته للسلام التي أقرّت في قمة بيروت عام 2002، حيث بقيت حبراً على ورق، ولم يبذل أي جهد لتسويقها والضغط في سبيل تطبيقها، الأمر الذي استغلته إيران لصالحها ودخلت المنطقة العربية من أشرف قضاياها و”استثمرت” بها، وهذا في لغة السياسة والمصالح أمر مشروع، ولا تُلام عليه إيران، إلا من ناحية سوء نيّتها تجاه العرب وقضاياهم، كما لا تلام عليها الضحية التي هي هنا الشعب الفلسطيني بكل فئاته ومن ضمنهم “حماس”، التي لنا عليها وعلى سياستها ألف علامة استفهام.
من هنا يمكن القول بأن انتصار “حماس” – إن حصل – لن ينزل برداً وسلاماً على النظام الرسمي العربي، وهو على أي حال لن يكون انتصاراً إلا بمعنى تراكم النضال وروح المقاومة والتضحيات لدى الشعب الفلسطيني في سبيل قضيته العادلة، والانتصار الحقيقي للفلسطيني الذي يقاتل حتى الآن للأسف ليبقى، بينما يقاتل العدو الصهيوني لينتصر، ولن ينتصر ما دام الفلسطيني صامدا في أرضه، ويقاوم حتى يستجيب له القدر، وتتحقق الحتمية التاريخية التي تؤكد أنّ الانتصار من نصيب صاحب الجذور الأقوى في وطنه وأرضه، وليس من نصيب عابر السبيل، الذي استولى على الأرض في غفلة من الزمن، حين أعطى “مَنْ لا يملك إلى مَنْ لا يستحق” تكفيراً لذنب اقترفه بحقه، وليكفّر عن خطيئته وجريمته بجريمة أكبر طالت الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، ولا تزال منذ 75 عاماً في مظلمة لا مثيل لها في التاريخ الحديث .