جولة باسيل لاسترضاء “حزب الله” والإطاحة بقائد الجيش اللبناني

على وقع استمرار الاشتباكات بين “حزب الله” وإسرائيل في جنوب لبنان، والمخاوف من خروجها عما بات يعرف بـ “قواعد الاشتباك” لتصبح حرباً شاملة. وفي وقت جمّد البحث بملف انتخاب رئيس للجمهورية، برز الحراك المفاجئ الذي قام به رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي جال على معظم القوى السياسية بما فيها الخصوم والحلفاء تحت عنوان “الوحدة الوطنية”، ما أثار سلسلة تساؤلات حول أهدافها والنتائج المتوقعة منها.

وتراوحت المواقف حولها بين مؤيد اعتبرها محاولة جدية لاستغلال هذه اللحظة السياسية الملتهبة لإحداث خروقات إيجابية بأكثر من ملف “عالق”، إضافة إلى تقريب المواقف السياسية في ظل الانقسام الحاصل في البلاد، بينما اعتبرها آخرون أنها عبارة عن جولة “فولكلورية” هدفها تسجيل مزايدات إعلامية.

خمس نقاط

ومع ختام الجولة التي استمرت على مدى ثلاثة أيام، أعلن باسيل أنه حمل إلى من التقاهم مجموعة أفكار يسعى لبناء تفاهم وطني حولها وتؤمن حماية لبنان ووحدته، لافتاً إلى أنه لمس تفاهماً بنسبة عالية من الجهات السبع التي التقاها، معلناً عن خمس أفكار يتقدّم بها “التيار الوطني الحر” بغية التوصل إلى تفاهم وطني حولها، أولها ما يتعلق بالموقف حول القضية الفلسطينية، المبني على اعتماد حلّ الدولتين كحل سلمي يوفّر شروط السلام العادل والشامل، والثانية “التأكيد على حق لبنان بالدفاع عن نفسه بوجه أي اعتداء تقوم به إسرائيل، وضرورة حماية لبنان ومنع استخدام الأراضي اللبنانية كمنصّة لشن هجمات تجرّ لبنان إلى الحرب، ومنع انزلاقه إليها”، والثالثة تدعو إلى الإسراع في إعادة تكوين السلطة تحت عنوان التوافق الوطني، وذلك عبر انتخاب رئيس اصلاحي جامع بالتفاهم، أما الفكرة الرابعة فهي “اعتبار ملف النزوح السوري أمراً ملحّاً والتعاطي معه كعنصر تفجير للبلد بخاصة في مرحلة التوتر العالي الراهنة”، في حين تضمنت الفكرة الخامسة “ثوابت مواجهة إسرائيل عبر الالتزام بالقرارات الدولية وعلى رأسها الـ1701، وبمبادرة بيروت العربية للسلام، واستعادة الأراضي اللبنانية المحتلة، وتأمين حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وحماية حقوق لبنان وموارده الطبيعية كافة، وخصوصاً ما يتعلّق بالنفط والغاز والمياه”.

اتصال آمن

وكان باسيل قد افتتح جولته باتصال مع الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله، وأعلن المكتب الإعلامي للحزب أن التواصل جرى عبر “طريق آمن” وليس من خلال اللقاء المباشر، ما فتح سلسلة تأويلات حول الأسباب التي حالت دون اللقاء المباشر، علماً أنه، في اليوم نفسه، كان نصرالله قد استقبل الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين زياد نخالة ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الشيخ صالح العاروري.

ومعلوم أن نصرالله كان قد التقى الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون أثناء حرب يوليو (تموز) 2006.

وأثار استخدام إعلام الحزب كلمة “آمن” للإعلان عن الاتصال ومضمونه، موجة انتقادات اعتبرها البعض أنها تعكس غياب الثقة التي كانت سائدة في المرحلة الماضية حيث كانت هناك لقاءات عدة مباشرة بينهما، في حين حرص مقربون من التيار على التأكيد أن لقاءات باسيل كانت تستهدف الكتل النيابية وبالتالي كان يفترض أن يلتقي مع النائب محمد رعد وهذا يمكن أن يحصل في أي وقت، وأن اللقاءات بين الحزبين مستمرة عبر قنوات اتصال عدة، إلا أن الاتصال جاء بنصرالله نتيجة الظروف التي تمر بها البلاد.

حماية “حزب الله”

وشملت الجولة رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي وقيادات سياسية وعدداً من الكتلّ النيابية منها تكتل “الاعتدال الوطني”، وتكتل “التوافق الوطني”، إلا أن القوى المنضوية في تحالف “المعارضة” رفضت أن تنضم إلى تلك الجولة التي برأيها فارغة من مرتكزات واضحة، إذ أشار مصدر من نواب المعارضة إلى أن باسيل يستغل اللحظة السياسية الحرجة في البلاد لحشد تأييد لـ”حزب الله” تحت شعار الوحدة الوطنية، ورأى أن ما يقوم به باسيل عبارة عن استغلال الفراغ الحاصل على مستوى المبادرات الخارجية والداخلية على مستوى انتخابات رئاسة الجمهورية، في محاولة لاستعادة الأولوية لدى نصرالله، لا سيما بعد التباعد الحاصل على خلفية استبعاده عن الترشيح للرئاسة واستبداله بسليمان فرنجية (مرشح لرئاسة الجمهورية)، معتبراً أن باسيل يتطلع حتماً إلى أن يقبض ثمن هذه الجهود التي تبرّع بالقيام بها، للمّ شمل حلفاء الحزب.

علاقات عامة

وكان لافتاً لقاؤه مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بعد قطيعة طويلة، وبرز “حرص” الطرفين على انتقاء الألفاظ والعبارات خلال المؤتمر الصحافي المشترك، فباسيل تحدث عن “تفاهم كبير على مختلف الأفكار”، ولو وضعه في سياق “مواجهة خطر الحرب”، الأمر الذي أعطاه كثيرون منحى إيجابياً، وإن تباينت تفسيراته، كما تفاوتت الاستنتاجات بشأنه، في حين أشار فرنجية إلى “تفاهم بنسبة كبيرة”، حدّدها بـ”99 في المئة من الأمور”، إذ كان لافتاً أنه أدرج باسيل ضمن “الخط الاستراتيجي الواحد”، الحريص على لبنان وأمنه ومواجهة الأزمة بـ “وحدة الموقف”، مضيفاً أن “لا أحد أحرص على لبنان من حسن نصرالله ونبيه بري”، من دون أن يكون هناك تعليق من باسيل.

إلا أن المحلل السياسي نضال السبع، وهو من المقربين من فرنجية، قال إن “حركة الوزير جبران باسيل على الأطراف اللبنانية، هي حركة علاقات عامة وإعلام، وليس لديه أي طرح جديد، في الملف الرئاسي يطرح التوافق على اسم جديد، وهذا موقف قديم وليس جديداً، في ملف الجيش، الوزير باسيل يرفض التمديد لقائد الجيش، ويرفض تعيين رئيس للأركان”، وأضاف أن “باسيل يرفض توفير نصاب جلسة مجلس الوزراء، وتأمين متطلبات اللبنانيين ونحن على أبواب حرب، في حال انزلق لبنان، لا سمح الله، إلى المعركة، وحدث نقص في المواد الأساسية، فإن باسيل ووزراءه يتحملون مسؤولية وطنية أمام الشعب اللبناني، باسيل يرفض تحصين البلد وتأمين عوامل الصمود”.

قيادة الجيش

وذهب معظم تحليلات “الجولة” باتجاه تحريك الركود الحاصل في ملف انتخاب رئيس للجمهورية، إلا أن أحد النواب من الذين التقاهم باسيل خلال جولته (طلب عدم ذكر اسمه)، أكد أن خلاصة الحراك هو الإطاحة بقائد الجيش على مرحلتين “الأولى عبر قطع الطريق على أي إمكانية لتمديد ولايته في قيادة الجيش والتي تنتهي بداية عام 2024، والثانية تهيئة الأجواء لطرح اسم آخر يؤمن له حداً أدنى من التقاطعات الداخلية لإحراج أي مبادرة خارجية تعيد طرح اسم جوزيف عون”، وكشف أن باسيل حاول تغليف حراكه بمظلة وطنية، إلا أن حقيقة الأمر أراد تحقيق سلسلة مكاسب سياسية من خلال المرحلة الحالية والتحديات التي يواجهها لبنان في ظل ارتدادات أحداث غزة على الداخل اللبناني.

وبرأيه، الأولوية الوطنية تقضي تحصين المؤسسة العسكرية التي لا تزال بحدها الأدنى صامدة بوجه الانهيار الذي أطاح بمختلف المؤسسات الرسمية في البلاد، مشيراً إلى ضرورة التمديد، مدة عام، لقائد الجيش لتأمين استقرار البلاد، لا سيما أن قانون الدفاع واضح لعدم قابلية مطلب باسيل بتولي الضابط الأعلى رتبة لقيادة الجيش، لأن النص ينيط هذا الأمر فقط برئيس الأركان وهو منصب شاغر حالياً.

اندبندنت

مقالات ذات صلة