ما بعد بعد شارل جبور: استيقظوا؛ «تعاقدوا مع من يطرشكم بسطل مياه باردة علّكم تستيقظون »
نجح مسؤول التواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور حيث فشل خصوم القوات. وها هو الحزب المسيحي القوي الذي تحالف مع خالد ضاهر وطلال المرعبي في عكار في الانتخابات النيابية الأخيرة، وحصل على مقعد نيابيّ في مدينة طرابلس، يخرج اليوم ليقول لأهالي عكار وطرابلس وشبابهما الذين وفدوا إلى ساحل المتن الشماليّ: «طلع ديننا منكم وما بقى تفوتوا ع مناطقنا». تقول القوات، عبر مسؤول جهاز التواصل فيها وليس أي نائب أو مسؤول، لنسبة كبيرة من أهالي صيدا وجزين الذين منحوها نائبين في الانتخابات النيابية الأخيرة «طلع ديننا منكم وما بقى تفوتوا ع مناطقنا». تقول لأهالي البقاع الأوسط الذين مثّلوا الرافد الرئيسي بعد طرابلس وعكار للتظاهرات أمام السفارة الأميركية: «صورتكم بشعة مزعجة، أشكالكم مقرفة».
تقول لليساريين الذين فرّغ حزب القوات فريقاً كبيراً لتعزيز التواصل والتنسيق معهم إنهم مقرفون، ولو أسعف جبور الوقت لنصحهم بالاستحمام على عادة اليمين في تعليقاته الفارغة. تقول القوات اللبنانية لأهالي بعبدا التي شارك أبناء «الحارة» و«البرج» وغيرهما من بلداتها في بعض التظاهرات إنه «لا يمكن العيش معهم في البلد نفسه».
شارل جبور لا يمثّل نفسه، إنما يمثّل الحزب الذي رأى فيه شخصية قادرة على «التواصل» مع الآخرين، فكلّفه برئاسة جهاز التواصل. لكنّ المعضلة أبعد من شارل نفسه بكثير. هي معضلة تشمل كثيرين لا يلتفتون إلى ما يحصل في العالم؛ تجرّدوا من كل إنسانية مفترضة أولاً، وأغمضوا أعينهم عن كل ما تراه شعوب العالم، ليتبيّن أن مشكلة هؤلاء لا تكمن في أن أبناء عكار والمنية والضنية وطرابلس والضاحية وعاليه والشوف وقضاء جزين وكل الجنوب والبقاع الغربي وراشيا وحاصبيا وقضاء زحلة وبعلبك والهرمل والغالبية العظمى من بيروت لا يشبهونهم، إنما جماهير ليون ومرسيليا وباريس وبرشلونة ومدريد ولندن وواشنطن وتكساس ونيويورك وبوسطن وبرلين وميونيخ ووارسو لم تعد تشبههم أيضاً، فهم يذهبون إلى التقوقع والتخلّف والرجعية والانعزال وانعدام الإنسانية وعدم احترام الآخر فيما العالم ينتقل إلى مكان آخر، دون ذكر الجزائر وتونس وروسيا والصين وماليزيا وإيران والعراق وتركيا وغيرها الكثير… وهذا سلوك لأفراد، لا بد من الإسراع إلى تصيّدهم وتحنيطهم باعتبارهم كائنات نادرة في طور الانقراض لم يعد يوجد في العالم ما يشبهها، إلا بعض السياسيين الأميركيين والأوروبيين الذين ستسحقهم شعوبهم عاجلاً أو آجلاً.
وفي السياق نفسه، الأبعد من جبور، لا بد من إضافتين أساسيتين:
أولاً، في اليومين الأول والثاني لأعمال الشغب، كان يمكن فهم الإدانات وملاقاتها في منتصف الطريق والتعامل معها بتفهّم كبير، أما أن تكون ثمّة حرب طويلة عريضة تشغل العالم وتهدد المنطقة برمّتها، وتعدّ لها العدة كل الدول العظمى والإقليمية، ويسقط شهداء لبنانيون على مذبحها، بينما من هم على «شاكلة جبور» لا يزالون يبكون على طابق أرضي احتمت به القوى الأمنية حين بدأت بإطلاق القنابل المُسيّلة للدموع.
في كل تظاهرة في العالم (خصوصاً باريس) يحصل شغب، ولا علاقة للتظاهرة والمتظاهرين ومطالبهم بهذا الشغب الذي تتحمّل المسؤولية عن منعه القوى الأمنية، وتحاسب في حال التقصير. وفي حالة الشغب الذي حصل: كان ضرره صغيراً وقليلاً، ولا يقارن بقطرة دم واحدة من دماء الشهداء اللبنانيين الذين يسقطون في الجنوب دون أن يأتي أحد على ذكرهم من قبل هؤلاء الوقحين الذين يتباكون على الحجر. علماً أن المتظاهرين أمام السفارة الأميركية كانوا يساريين وشيوعيين بغالبيتهم، ممن شكّلوا الحجرَ الأساسَ في تظاهرات 17 تشرين، حين كانت القوات تقفل الطرقات وتبني الجدران في الأنفاق وتهدّد مصالح اللبنانيين وتمنع سيارات الإسعاف من إيصال المرضى إلى المستشفيات. وعلى شارل جبور، ومن هم خلفه من مناصري الأحزاب الأخرى التي يخاصم بعضها القوات اللبنانية، أن يتوقّفوا عن «طق الحنك»، وأن يفكروا جيداً في أن المنطقة على شفير حرب شاملة حقيقية.
لا بد من القول لجبور ومن هم خلفه من جميع الأحزاب أيضاً، إن اعتقادهم بوجود مجموعة في لبنان أكثر ثقافة أو علماً أو فهماً أو جمالاً أو غنى أو عبقرية أو معرفة، ما هو إلا الحماقة بعينها. ومن يودّ الشفاء من مرضه هذا فبوسعه التوجّه فوراً إلى الجامعات الخاصة الكبيرة لمعرفة نسب الخرّيجين في الاختصاصات العلمية الأساسية، كما أن نقابات الأطباء والمحامين والمهندسين مفتوحة هي الأخرى أمام من يرغب بالاطّلاع على النسب الطائفية للمسجّلين في السنوات القليلة الماضية، ولا يوجد أحد في البلد لا يعرف مصرفياً أو اقتصادياً يمكن أن يعالج له عقده عبر تحديد التوزّع الحالي للثروة في البلد. أما من يتمسّك بجهله وغبائه ولا يريد معالجة مرضه فلا يمكن مواصلة التعامل معه بهدوء ولا مبالاة وتجاهل كما يحصل دائماً: لا بدّ من وضع حد جدّيّ لهؤلاء والرد عليهم بالأرقام الواضحة أياً كانت تداعيات ذلك.
هناك من يريد لبنان وطناً ذا رسالة، لكنه لا يريد احترام معتقدات الآخر التي تمثّل القدس والمسجد الأقصى إحدى ركائزها الأساسية؛ يريدون أن يُحترم وجودهم وحضورهم في رميش وعين إبل وشرق صيدا وجزين والشوف وعاليه، لكنهم يريدون لأبناء طرابلس وبيروت وصيدا والنبطية وعكار أن يبنوا مجسّماً للسفارة الأميركية «في مناطقهم» حتى لا يأتوا «إلى مناطقنا». لا بد من مصارحة هؤلاء بحجمهم النيابي والسياسي، لا الديموغرافي أو الطائفي، والطلب منهم التصرّف على أساسه. لا بد من مصارحة جبور ومن هو بعد … بعد جبور بأن الوطن يمكن أن يتّسع لهم لكنه ليس لهم، وعليهم إذا ما أرادوا البقاء هنا، أن يخرجوا من أوهامهم وأحلامهم الخرفة إلى بعض الواقعية.
ما بعد بعد شارل جبور: استيقظوا؛ تعاقدوا مع من يطرشكم بسطل مياه باردة علّ وعسى تستيقظون قبل فوات الأوان.
غسان سعود- الاخبار