اشتعال الجبهة الشمالية: قلق أميركي وتخوف إسرائيلي

بعد ساعات من مغادرة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إسرائيل دخل “الكابينت الحربي” لحكومة بنيامين نتنياهو إلى اجتماعات ماراثونية استمرت حتى منتصف ليل الأربعاء الخميس، وكان البحث المركزي فيها الجبهة الشمالية على الحدود مع لبنان، التي كانت نقطة بحث مهمة بين بايدن ومتخذي القرار في إسرائيل، إذ وجه طلباً واضحاً “نعم لحرب على غزة ولا حرب على لبنان”.

ويكمن القلق الأميركي في أن اندلاع حرب تجاه لبنان لن تكون خطرة وقوية فحسب، بل انطلاقة لحرب إقليمية لا تريدها الولايات المتحدة.

من جهة إسرائيل، ووفق ما صرح وزير الدفاع يوآف غالانت، فهي متخوفة من حرب تجاه لبنان إذ قوة “حزب الله” أكبر بعشرة أضعاف في الأقل من “حماس” لما يملكه الحزب من صواريخ دقيقة وطويلة المدى تصل إلى كل مكان في إسرائيل. وأصدر غالانت تعليماته لقادة الأجهزة الأمنية بالشروع بشكل فوري بتنفيذ خطة إخلاء لقرابة 50 ألف إسرائيلي من البلدات التي تبعد 5 كم عن الحدود الشمالية وضمان استعداد وجهوزية الجيش لخوض “حرب صعبة وخطرة”.

كما أوصى غالانت الجبهة الداخلية بالاستعداد على مختلف الصعد لضمان أمن وحماية السكان وتوفير متطلباتهم الضرورية خلال الحرب. لكن المشكلة التي واجهتها الجبهة الداخلية، صباح الخميس، عدم توفر أماكن شاغرة في الفنادق أو أخرى آمنة لنقل سكان الشمال إليها بعد وصول سكان الجنوب منذ اليوم الأول من الحرب على غزة. وتقرر نقل سكان الشمال إلى مؤسسات تعليمية، وهو أمر أثار نقاشاً واحتجاجات بين السكان فيما اعتبر رؤساء بلدات الشمال نقل السكان إلى مؤسسات تعليمية مخاطرة بحياتهم.

وإزاء التقديرات الإسرائيلية فالحرب مع لبنان ستؤدي إلى جانب الدمار الكبير في إسرائيل، إلى سقوط أعداد كبيرة بين قتلى ومصابين مما استدعى إلى المباشرة في بناء مستشفى ميداني في المنطقة الشمالية.

بايدن يحذر من الحرب لكن الجيش مستعد

مما تمخض عن جلسات نتنياهو وبايدن بأن الأخير حذر رئيس الحكومة الإسرائيلية من “خطوة متهورة نتيجة سوء تقدير” تؤدي إلى تصعيد شامل. وفيما عبر مسؤولون أميركيون في حديثهم مع الإسرائيليين أن الإدارة الأميركية تريد فعل كل شيء لمنع “حزب الله” من الانضمام إلى الحرب، لكنها في الوقت نفسه تستعد لسيناريو خطر في هذا الشأن.

وعُلم أن الرئيس بايدن أبلغ نتنياهو أنه في حال وجدت إسرائيل نفسها في حرب صعبة وقاسية مع لبنان فُرضت عليها فإن الجيش الأميركي سيدخل لدعم الجيش الإسرائيلي، بالتلميح إلى أنه في حال دخول إيران في الحرب إلى جانب “حزب الله” فستدخل الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، وأشار بايدن إلى أن الأعداد الكبيرة للجيش في المنطقة ليست مجرد إظهار التضامن والدعم لإسرائيل إنما جاؤوا ليكونوا في المعركة إذا اقتضى الأمر. ونقل الإسرائيليون عن مسؤولين عسكريين أميركيين أن حاملات الطائرات الأميركية التي ترسو في المنطقة “ليست للاستعراض فقط”، وسط تصاعد المخاوف من حرب إقليمية شاملة تكبد إسرائيل خسائر فادحة وتمس بالمصالح الأميركية في المنطقة.

قال تقرير إسرائيلي في هذا الشأن إن استخدام “حزب الله” كل قوته العسكرية في حرب مع إسرائيل هو بمثابة تطور دراماتيكي قد يحول المعركة على غزة إلى حرب إقليمية تكون الخسائر فادحة للطرفين، الإسرائيلي واللبناني. وأشار التقرير إلى أن أي تصعيد واسع النطاق لـ”حزب الله” على الحدود الشمالية سيصعب الوضع على الجيش الإسرائيلي، إذ سيجد نفسه أمام ساحتي قتال مع آلاف الصواريخ اليومية من غزة ومن لبنان، التي قد تستهدف بداية قواعد سلاح الجو.

إلى ذلك أجرى وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، محادثة مع نظيره الإسرائيلي، يوآف غالانت، أبلغه فيها أنه تم نقل الموقف الأميركي بشأن الحرب على الحدود الشمالية إلى “حزب الله” والطلب بعدم تسخين الجبهة الشمالية، لكن غالانت عبر عن عدم قناعته بتجاوب الحزب مع المطلب الأميركي، فيما نقل التقرير الإسرائيلي تأكيد مسؤولين أميركيين كبار أن الرد الذي تلقته الأدارة الأميركية من إيران و”حزب الله” عبر وسطاء أنهم غير معنيين بالتصعيد “ولكن إذا استمر سلوك الجيش الإسرائيلي في حربه الانتقامية على قطاع غزة، فقد لا يكون أمامهم خيارات سوى التدخل”، وفق التقرير الإسرائيلي.

خلافات داخلية حول جبهتي القتال

أظهرت الاجتماعات الماراثونية لـ”الكابينت الحربي” في إسرائيل خلافات حول طبيعة الحرب التي يستعد لها الجيش على الجبهتين الشمالية والجنوبية. وكشفت عن أن الخلاف الأكبر على الجبهة الشمالية بين قادة الأجهزة الأمنية ونتنياهو، إذ منع الأخير تنفيذ عملية عسكرية كبيرة تجاه لبنان قبيل وصول بايدن إلى تل أبيب، دفعت بها الأجهزة الأمنية ودعمها غالانت، واعتبروا أن رفضها أضاع من إسرائيل فرصة انتصار لن تتكرر، بينما وصفها البعض بـ”الضربة الاستباقية” ضد “حزب الله”.

وعُلم أن الهدف من هذه العملية أو الضربة الاستباقية هو تغيير المعادلة بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وانطلاق الحرب مع “حماس” وتنفيذ عمليات على مختلف القطاعات بهدف تغيير المعادلة وترميم صورة الجيش.

وذكرت “القناة 12” العبرية “أن الأجهزة الأمنية وافقت على هذه العملية، إلى جانب غالانت باستثناء نتنياهو، وبما أنه رئيس السلطة التنفيذية فقد أوقف العملية في اللحظة الأخيرة”.

لا ساعة رملية للمعركة البرية في غزة

وخلافاً لتوافق الرأي الإسرائيلي حول تجنب الدخول إلى حرب واسعة مع لبنان قد تتحول إلى إقليمية، هناك خلافات حول طبيعة الحرب البرية على غزة.

وصرح أكثر من مسؤول عسكري ومن بينهم، الناطق بلسان الجيش دانيال هاغري، بأن الجيش “يترقب نضوج الظروف وضمان استكمال استعداد الجنوب لخوض معركة في منطقة شاسعة من الردم والدمار، وهو وضع لم يسبق وأن تدرب عليه الجيش، وليس هذا فحسب، بل إن معظم الجنود هم من الاحتياط الذين لم يتدربوا منذ أن بدأت تظاهرات الاحتجاج في إسرائيل ضد خطة التعديل القضائي إذ أعلنوا تمردهم وعدم الامتثال لأوامر التدريب العسكري”.

ووفق الخطة وبنك أهدافها، حذر أمنيون وعسكريون من ارتكاب جرائم حرب بدعم من القيادتين السياسية والعسكرية. وبحسب الجيش فإن العملية في غزة واسعة وصعبة وقد تمتد لأسابيع طويلة ولا ساعة رملية لها تحدد وقت انتهائها.

وصرح مسؤولون كبار في الجيش بعد مغادرة بايدن إسرائيل أن الحرب الحالية ليست جولة قصيرة أخرى على نمط “درع ورمح”، التي استغرقت خمسة أيام أو “بزوغ الفجر” التي استغرقت ثلاثة أيام ولا “حارس الأسوار” التي استغرقت 12 يوماً ولا حتى “الجرف الصامد” التي استمرت لمدة 51 يوماً وشملت مناورة برية دخل خلالها الجيش إلى عمق ثلاثة كيلومترات في محاولة للقضاء على تهديد الأنفاق. الضربة الحالية، وبحسب ما نُقل عن مسؤول عسكري “ستكون شديدة جداً في مستوى يصدح في الشرق الأوسط ويعيد شيئاً من الردع الذي ضاع في السابع من أكتوبر، فيما أعرب ضباط كبار عن مخاوفهم من المعركة من جهة سيرها ونتائجها وتداعياتها”.

اندبندنت

مقالات ذات صلة