“لماذا تروج إسرائيل “مقترحاً” لإنهاء الحرب على لبنان… وماذا عن توسيع “المناورة البرية”؟

لا شك أن ترويج صحف وتلفزيونات عبرية، عبر صحافيين مقربين من الأمن والساسة، في هذا التوقيت، عن حصول تقدم “مزعوم” في مفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان، يستدعي التوقف ملياً عند سياق نشره ودوافعه، أكثر من البحث في “دقة” مضمون الترويج من عدمه. إذ أن المعلومة الكاملة غالباً ما تكون مستترة في ما وراء نشر إسرائيل أمراً معيناً، وعندها فقط يمكن استنتاج مآرب تل أبيب بشأن “التقدم” الذي تروجه، بالبعد الدعائي والأمني والسياسي.

ماهية “المقترح”…وسياقه
وبتلخيص ما نشره الإعلام العبري أخيراً، يتمثل “التقدم” في بلورة مقترح لوقف إطلاق النار في لبنان. وبحسب مراسل الشؤون السياسية في القناة “12” العبرية، عميت سيجال، فإن ملامح المقترح تشير إلى “اتفاق عالمي” تشارك فيه إسرائيل وروسيا وأميركا وإيران ولبنان. وينص المقترح على جدول زمني متناسب مع استبدال الحكم في البيت الأبيض، أي 60 يوماً لوقف إطلاق النار، يتواجد خلالها الجيش الإسرائيلي بأعداد قليلة في مناطق قريبة من الحدود الشمالية، حتى ينتشر الجيش اللبناني في المنطقة ويقوم بمهمته بإنهاء قدرات حزب الله العسكرية، بينما ستشرف روسيا على ضمان عدم نقل أسلحة من سوريا إلى حزب الله في لبنان، مقابل إخراج الشركات الروسية من العقوبات المفروضة على سوريا. أما إيران “فستضمن حماية حليفها وما تبقى من حزب الله”، على حد تعبير الصحافي الإسرائيلي عميت سيجال.

والملاحظ أيضاً أن المقترح لم يذكر غزة، أي أنه يفصل بين جبهتي القطاع ولبنان.

وجاء الترويج للمقترح بعد الكشف عن زيارة “سرية” لوزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، إلى موسكو لبحث المقترح، قبل توجهه إلى واشنطن لمتابعة المستجدات مع المسؤولين الأميركيين. وديرمر، المعروف بقربه من نتنياهو، يُعد “حلقة الوصل” بين تل أبيب وإدارة بايدن التي تستعد لمغادرة البيت الأبيض في غضون أسابيع قليلة.

والحال أنّ الإعلام الإسرائيلي لم يحدد هوية المقترح المزعوم، ولا المقصود بـ”تقدم مفاوضات لبنان”، مكتفياً بالترويج لبعض بنوده، ودور موسكو فيه. لكنه يبدو مقترحاً إسرائيلياً-أميركياً، ولا يُعرف إن تدخلت روسيا في بلورته أيضاً. وربما قُصد بالتقدم كذلك أنه تم تذليل تباين الآراء بين واشنطن وتل أبيب بخصوص تفاصيل المقترح، تحت عنوان “1701+”، وهو ما ترفضه بيروت، وتصر على تطبيق القرار الأممي كما هو، من دون زيادة.

“لا شيء محسوماً”
مع ذلك، أجمعت تحليلات إسرائيلية على أنه لا شيء ملموساً أو محسوماً، إذ لم تعلن إسرائيل موافقتها على المقترح، “رغم قبولها به تقريباً”؛ حيث ترفض “قليلاً” من بنوده، وسط ترجيحات بعدم تلقي لبنان الصيغة النهائية للمقترح، رغم إثارة بعض بنوده في اتصالات مع المسؤولين في بيروت خلال الفترة الماضية.

وزعمت قراءات عبرية أن ذهاب المسؤول الإسرائيلي، ديرمر، إلى موسكو، جاء بعد رسالة تهديد إسرائيلية باغتيال رئيس النظام السوري بشار الأسد شخصياً، إذا استمر “تهريب الأسلحة” إلى حزب الله اللبناني عبر الأراضي السورية، موضحة أن التهديد استنفر روسيا، ودفعها إلى التعاطي جدياً مع المطالب الإسرائيلية، خشية تضرر المصالح الروسية في سوريا، إذا تحولت الأخيرة إلى ساحة حرب واسعة.

ولاقى ذهاب ديرمر إلى روسيا تحذيرات أمنية وسياسية في إسرائيل، خشية منحها دوراً في لبنان، بينما علق رئيس منتدى “خط المواجهة” الإسرائيلي، موشيه دافيدوفيتش، غاضباً: “الهدوء في الشمال تحت رعاية روسيا؟!”. ويُقابل هذا الغضب موقف إسرائيلي آخر، ومفاده أن تل أبيب بحاجة إلى ضمانة روسية بمنع “تهريب” السلاح إلى حزب الله؛ لأنها موجودة في سوريا.

ويُستشف من المعالجات العبرية أنّ تل أبيب تريد غطاء روسياً وأميركياً للمقترح، رغم أن المعالجات ذاتها أقرت باستحالة موافقة حزب الله عليه؛ لأنه يلزمه بالانسحاب إلى شمال الليطاني، عدا منحه إسرائيل “الحق” بانتهاك سيادة لبنان، بغطاء دولي، بحجة درء “مخاطر أمنية”.

ماذا وراء التوقيت؟
وبغض النظر عن مضمون المقترح وحقيقته، لا يُعرف هدف حكومة نتنياهو من ورائه، فهل هو مجرد مناورة سياسية لإطالة أمد الحرب على لبنان، عبر رمي الكرة في ملعب حزب الله وبيروت؟ وهل هو استباق إسرائيلي لما سيخرج في مجلس الأمن الدولي، وقطع الطريق على إدارة بايدن التي قد تدفع بقرار في المجلس يدعو إسرائيل إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان؟ أم تهيئة للرأي العام الإسرائيلي بقرب انتهاء الحرب على لبنان؟

في كل الأحوال، قرأ خبراء في الشأن الإسرائيلي، استخدام وزير الجيش الجديد، يسرائيل كاتس، تعبير “انتصرنا على حزب الله”، وكأنه بداية لتهيئة الإسرائيليين لقرب انتهاء الحرب. هذا إن علمنا أن الترويج للمقترح أعقب أيضاً حديث صحف عبرية عن إبلاغ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، لنتنياهو، بمحاولة إنهاء الحرب في المنطقة قبل 20 يناير 2025، وهو تاريخ دخوله مكتبه البيضاوي.

ماذا وراء توسيع “المناورة البرية”؟
وضمن سياسة الضبابية والتناقض في إسرائيل، أقر رئيس الأركان هرتسي هليفي، خطة لتوسيع العملية البرية في لبنان، بمشاركة آلاف القوات فيها، رغم تصريحه سابقاً بمشارفة العملية على الانتهاء، و”تحقيق” أهدافها. وفسر مراسلون عسكريون إسرائيليون هذا التناقض، بأن إقرار هليفي للخطة يحتاج إلى مصادقة المستوى السياسي، ما يعني أن هليفي أراد إلقاء الكرة في ملعب المستوى السياسي؛ لأن القوات المتوغلة الآن في لبنان، لا يمكنها التمركز في مكان ثابت، وإلا ستكون هدفاً سهلاً لضربات مقاتلي حزب الله، وهو ما يجبرها عملياتياً على مواصلة التقدم أو الانسحاب إلى الوراء.

إلى جانب هذا، تلوح إسرائيل بتوسيع العملية البرية، كأداة ضغط على حزب الله والدولة اللبنانية، لقبول مقترح وقف إطلاق النار.

وقف أحادي للنار؟!
وفي غمرة تقاطع العوامل والظروف وتعقيداتها، سأل مذيع تلفزيون “مكان” العبري، خبراء استراتيجيين، عن دقة ما يتم تداوله بشأن احتمالية لجوء إسرائيل إلى وقف إطلاق النار في لبنان، من جانب واحد، أي من دون اتفاق، ومدى واقعية ذلك.

ولو افترضنا سيناريو الإعلان الأحادي بوقف حرب لبنان، فإنه سيكون أيضاً مناورة إسرائيلية، لأن وقفها بهذه الطريقة يعني عدم إلزام الدولة العبرية بنصوص، وعندها لن يقبل الحزب هذا الشكل من وقف إطلاق النار، وسيواصل عملياته، ثم تتذرع تل أبيب بأن الحزب لم يوقف هجماته، رغم وقف عملياتها، وبالتالي ستواصل عدوانها تحت عنوان “الدفاع عن نفسها”، وتتملص من أي قرار محتمل في مجلس الأمن، يدعوها إلى وقف الحرب!

كانون الأول…”فرصة نادرة”!
مهما كانت مآرب حكومة نتنياهو، رأى محللون إسرائيليون في حديثهم لتلفزيون “مكان” العبري، أن الفترة من الآن وحتى أواخر كانون الأول/ديسمبر المقبل، هي الفرصة المتبقية للتوصل إلى اتفاق مع لبنان، واذا امتدّت إلى 20 كانون الثاني/يناير بلا حل، فإن التوصل إلى الاتفاق سيستغرق وقتاً أطول، على حد تعبيرهم.

وليس مستبعداً أن إثارة إسرائيل، الآن، المقترح بشأن وقف إطلاق النار في لبنان، في سياق الضغط على حزب الله وإيران، وابتزازهما، عبر دعوتهما إلى تلقف ما تبقى من فترة إدارة بايدن الديموقراطية، أي قبل دخول الرئيس الجمهوري دونالد ترامب للبيت الأبيض، لإبرام اتفاق بالخطوط المرسومة، وإلا فإن وضعهما سيتعقد أكثر في عهد ترامب.

في حين، ادعت هيئة البث الإسرائيلية أن الحراك الجاري إقليمياً ودولياً يؤشر إلى “تغييرات آتية في المنطقة”، من دون أن توضح شكل هذه التغييرات.

وبالطبع، لم تنسَ الماكينة الدعائية الإسرائيلية أن تضغط أيضاً من زاوية التركيز على حجم الدمار الحاصل في لبنان جراء الحرب، عبر وصف بلد الأرز “بالمصاب الكبير”، وأن هناك أعداداً كبيرة من النازحين اللبنانيين. وعقدت هذه الدعاية مقارنة بالنسبة لأضرار الحرب، بقولها إن “النعمة أن صفارات الإنذار تدوي فقط عندنا في إسرائيل…أما لبنان فهو مصاب بشكل كبير، ولديه عدد ضخم من النازحين”. كما قال صحافيون إسرائيليون إن “حزب الله يريد التسوية ووقف الحرب في النهاية، خصوصاً بعدما حصل له وللبنان”.

بدورها، نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن رؤساء السلطات المحلية الإسرائيلية في المناطق المحاذية لحدود لبنان، مطالبتهم للجهات الرسمية، بأن “التسوية مع لبنان يجب أن تجلب السلام المطلق، حتى لا نعود إلى حرب لبنان الرابعة والخامسة”.

ادهم مناصرة- المدن

مقالات ذات صلة