اللبناني يحتاط للأسوأ وحكومته تتكل على عدم توسع التصعيد العسكري

دفعت الأوضاع المتوترة إلى نزوح الكثير من العائلات الجنوبية. وتوزع هؤلاء على مدن الجنوب الساحلية ريثما تنجلي حال الحرب أو “اللاحرب”، فيما فضل آخرون مدناً أبعد نسبياً من مركز الاستهداف، نحو أحياء شرق بيروت من الأشرفية إلى رأس بيروت، ومناطق الاصطياف في جبل لبنان.

يصف حيدر (32 سنة) الحال التي تعيشها قرى الجنوب اللبناني في ظل تصاعد “المناوشات”، منطلقاً من أوضاع قريته ميس الجبل التي “تعتبر في قلب المواجهة”، فهي “تتحول إلى منطقة حرب، وتزداد حدة القصف الإسرائيلي يوماً بعد يوم”. ويلفت إلى “توجه الأهالي للسكن في مناطق آمنة لدى الإخوة المسيحيين”، ولا يستبعد “إخلاء القرى” في حال تزايدت حدة المواجهات، التي “تأخذ صيغة النصيحة الحزبية من دون فرض ذلك، وترك الناس لتقدير الموقف لأن بعض الأهالي يفضل البقاء في بيوتهم على التهجير”.

النزوح المكلف

انتقل أهالي الجنوب “غير ميسوري الحال” لبعض مراكز الإيواء، والمدارس التي جهزتها لجان إدارة الكوارث في صور والنبطية على وقع طبول الحرب. فيما فضّل الميسورون استئجار منازل خاصة بهم في “أحياء لم تتعرض للاستهداف في حرب يوليو (تموز) 2006. يؤكد جواد أحد أبناء بنت جبيل، أنه انتقل للسكن في بيروت، واستأجر منزلاً يتسع لثلاث عائلات صغيرة لقاء 2500 دولار أميركي، وهو مبلغ مرتفع نسبياً في ظل الانهيار المالي والاقتصادي، لافتاً إلى البحث عن مسكن مستقر فهو يمتلك شقة في الضاحية الجنوبية لبيروت، إلا أن العائلة فضلت السكن في مكان آخر خارجها، لئلا تضطر لاحقاً إلى الجلاء عنها في حال تطورت الأمور. ويضيف جواد “وجدنا شققاً صغيرة عبارة عن غرفتين ومطبخ وحمام لقاء بدل يتراوح بين 700-1500 دولار أميركي، ولكن فضلنا أن تجتمع العائلة في بيت واحد لمزيد من الطمأنينة”، مستغرباً “رفع بدلات الإيجارات في مناطق جبلية، لا تشهد نشاطاً كبيراً خلال فصل الشتاء، ولكنها قد تكون فرصة لهؤلاء من أجل التربُّح”.

خطة “الإغاثة” جاهزة؟

تسعى الحكومة اللبنانية إلى منع انزلاق لبنان نحو الحرب “على قدر المستطاع”، ولكنها في المقابل تحاول وضع خطة استباقية لإدارة الأزمة ومواجهة احتمالات الحرب. يتحدث اللواء محمد الخير رئيس الهيئة العليا للإغاثة عن “جهود دولية لمنع اتساع دائرة الحرب، وعدم وصولها إلى لبنان”، ويقول لـ “اندبندنت عربية” “نحن في حالة حذر، ولكن لا يجب أن نعيش في ظل الخوف، لأن ذلك سيؤدي إلى إشاعة أجواء سلبية بين المواطنين”، مضيفاً “لدينا شعور بأن المواجهة لن تتجاوز الحدود الحالية في مناطق المواجهة الحدودية”، ومذكراً بأن “خلال حرب تموز، شهدنا انزلاقاً سريعاً وعمليات قصف لمدن صيدا وصور وبيروت وصولاً إلى عكار، وهذا لم نشهده حالياً”. في المقابل، يلفت الخير إلى “الجاهزية الدائمة ضمن الإمكانيات والاعتمادات لأن الهيئة تعمل لسد التقصير في عمل الوزارات”. اللواء خير يتحدث عن وضع خطة وقائية من خلال تعاون بين اتحاد بلديات صور والنبطية لتأمين مراكز تجميع، وإيواء لمن قد ينزح من القرى الحدودية ضمن أربع مدارس. فيما تقوم جهات مانحة بتقديم مساعدات ومواد إغاثية، وتشغيل مطبخ. “كما هناك خطة لتجهيز خط الدفاع الثاني في صيدا، في موازاة التنسيق مع مختلف الوزارات والأجهزة الأمنية المعنية من أجل تأمين أمن المرافق العامة، والخدمات الصحية، وتحقيق مخزون مواد غذائية وتموينية”. ورداً على سؤال حول مصادر التمويل؟ وهل يستجيب مصرف لبنان مع طلبات تأمين الأموال؟، يشير الخير إلى أن “لكل وزارة موازنتها الخاصة حيث تلجأ إليها لتأمين الحاجيات الضرورية ومقومات الصمود”. كما أن هناك تنسيقاً مع مديرية الهندسة في الجيش، وفرق الهندسة المدنية والمقاولين لرفع الجاهزية من أجل تأمين المعدات لمعالجة الأنقاض في حال وجودها.

كما يجيب اللواء خير على سؤال حول “إعلان شركة طيران الشرق الأوسط نقل 5 طائرات من أسطولها إلى تركيا” في خطوة احترازية لتجنب أي عمليات هجومية من الجانب الإسرائيلي، قائلاً “يعود القرار إلى إدارة الشركة، ولكن على أرض الواقع لا يجب التخوف من هذا الأمر، ولكن يجب قراءته من زاوية التدبير الاحتياطي لأنه لا يمكن شراء أسطول جوي جديد”.

في موازاة ذلك، اتخذت وزارة التربية قراراً في استمرار إقفال المدارس في مناطق المواجهة، ولكن فتحت الباب لالتحاق الأساتذة والطلاب القادمين من الجنوب بـمراكز العمل والمناطق القريبة في بيروت أو ضمن أماكن إقامتهم الجديدة.

خطوات ضرورية

يشكو لبنان من ضعف القدرة في مواجهة الأزمات المختلفة. فقد شهدت البلاد تحديات كبيرة خلال الأيام القليلة الماضية، من حريق في طرابلس يلتهم “سوق البالة”، إلى انهيار مبنى سكني في المنصورية في جبل لبنان. ناهيك عن غرق بيروت بسبب غزارة الأمطار، ورمي النفايات في مجرى نهر الغدير.

ويشكو جهاز الدفاع المدني من نقص كبير في الجهاز البشري، والتجهيزات اللوجستية على امتداد 230 مركزاً هي مجموع مراكز الدفاع المدني في مختلف المناطق بسبب الأزمة الاقتصادية، حيث “لا تتوافر العدة والعتاد” لمواجهة الكوارث والخسائر في الأرواح، والأملاك. وتعرض خمسة من عناصر الدفاع المدني للإصابة بسبب قصفهم في منطقة الضهيرة جنوب لبنان بالقنابل الفوسفورية الحارقة من قبل الجيش الإسرائيلي.

من جهته، يتطرق المهندس علي حناوي (اتحاد المهندسين العرب) إلى الخطوات الضرورية لمواجهة أي أخطار ناجمة عن الأعمال الحربية، و”تأمين الخدمات لحفظ كرامة النازحين والصمود”. ويسلط الضوء على مفهوم الأمن الاجتماعي والأمن الغذائي، إذ هناك تساؤلات حول مدى قيام الوزارات بواجباتها لتأمين مخزون غذائي ونفطي، والطاقة لتشغيل محطات ضخ المياه والتكرير.

كما يلفت الحناوي إلى “ضرورة التعلم من تجربة مجازر غزة، لناحية تجهيز مستشفيات ميدانية”. ويطالب بتفعيل “هيئة إدارة الكوارث” التابعة لرئاسة الحكومة، منوهاً بقيام الأحزاب بعمليات مسح للمباني والمساكن الشاغرة ضمن نطاق سلطتها، وحجم المخزون الغذائي، والنفطي، من أجل تفعيل خطط الطوارئ.

يعتقد الحناوي أن “لبنان معتاد على التعامل مع النزوح المتكرر والناجم عن الحروب”، معتبراً أن اللبناني سينجح مجدداً في اختبار التكافل الاجتماعي لتجاوز آلام الحرب وظروف التهجير والنزوح.

اندبندنت

مقالات ذات صلة