اتخاذ قرار الحرب يعني دماراً كاملاً للبنان

بعد العملية النوعية التي نفذتها حركة حماس ضد الإسرائيليين في غلاف غزة، دخلت منطقة الشرق الأوسط برمتها دائرة الخطر من نشوب حرب شاملة، بعد تلميحات محور الممانعة إلى أن ساحاته كلها ستكون واحدة موحّدة تجاه أيّ تصعيد إسرائيلي يهدف إلى القضاء على حركة حماس في غزة، لما تشكّله كأداة من أدوات هذا المحور على الحدود المتقدّمة مع إسرائيل.

وحدة الساحات تسري أيضاً على لبنان لكونه واحداً من البلدان الأربعة الخاضعة للقرار الإيراني حرباً وسلماً، ولكونه جغرافياً جبهة متقدّمة على ضفاف إسرائيل. شهدنا مرتين إطلاق صواريخ من قبل حركة حماس نحو إسرائيل، ممّا دفع اللبنانيين إلى الاعتقاد بأنّ إيران و”حزب الله” ينويان توريط لبنان في الصراع المستجدّ، واستعادة ما كان اعتبره اللبنانيون أنه ولّى، وهو تسخير الساحة اللبنانية لخدمة القضية الفلسطينية وتحويلها إلى منصّة إطلاق صواريخ ضد إسرائيل؛ وهو ما أنتج في الماضي اتفاق القاهرة، قبل الذهاب من ثَمّ إلى الحرب الأهلية.

قاطيشا
النائب السابق العميد وهبي قاطيشا اعتبر أن إطلاق حماس صواريخ من لبنان يأتي بإيعاز من “حزب الله” الذي يتحكّم بالوضع اللبناني.
وأكد أنّ قرار الحرب والسلم لا يزال بيد “الحزب”. فهؤلاء، أي حماس، يعملون لدى الحزب. هناك منطقة معيّنة يطلقون منها الصواريخ، وهي مناطق سنية، هي بعض بلدات البقاع الغربي والقطاع الشرقي. لكنّ الصواريخ لا تُرمى من القرى الشيعية. وبالتالي، فإن قرار الحرب والسلم بيد إيران والحزب”.
وعن إمكان عودة العمل الفلسطيني المسلّح من داخل لبنان، قال قاطيشا: “في السبعينيات كان هنا فريق من اللبنانيين يؤيد العمل الفلسطيني المسلّح ويغطّيه، حتى ضد الدولة اللبنانية. اليوم أغلبية اللبنانيين ليسوا مع الحزب لفتح جبهة جديدة من لبنان، لكن الحزب محصّن أكثر من الفلسطينيين سابقاً، وهو فصيل لبناني مدجّج بالسلاح، واتخاذه قرار الحرب يعني دماراً كاملاً للبنان”.

الجنرال هشام جابر
رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة العميد الركن هشام جابر، قال لـ”النهار” إن “الدولة اللبنانية لا ترضى بإطلاق صواريخ من قبل عناصر غريبة، وأن تتواجد هذه العناصر بشكل مسلّح على أرض الجنوب وتطلق الصواريخ، لكن لا حول لها ولا قوة في ظلّ هذه المعمعة”.
ورأى أن “لا وجود عسكرياً كبيراً لكتائب القسام في الجنوب، فهو وجود رمزيّ، وتحديداً في العديد من المخيمات الفلسطينية كالرشيدية وغيرها. وهذه المخيمات تحتوي على صواريخ كاتيوشا وغراد، وهي أسلحة تعود إلى فترة العمل الفلسطيني المسلّح في الماضي، وبقيت في داخل المخيمات، لأن هناك تفاهماً يقضي بعدم دخول الجيش إلى المخيمات الفلسطينية ونزع السلاح الفلسطيني، وبالتالي هذه صواريخ قديمة العهد، وقد رأينا سابقاً عدّة مرات أنه تم إطلاقها من “القليلة” في جنوب لبنان باتّجاه إسرائيل”.
وأكد جابر أن “هذه الصواريخ تُطلق بدراية “حزب الله”، وهو لن يمنع حماس من إطلاقها، لأن له مصلحة بذلك في ظلّ وحدة الموقف والمواجهة مع إسرائيل. لكنه يبقي أيّ فعل من حماس مضبوطاً بشكل لا يصل إلى حدود فتح الجبهة اللبنانية. فـ”حزب الله” حتى الآن يعمل بشكل دقيق على الحدود الجنوبية منعاً لتدحرج الأمور نحو الأسوأ، لأنه لا يريد فتح جبهة الجنوب حالياً، أسوة بالإسرائيليين الذين لا يريدون أيضاً فتح جبهة عليهم، بموازاة التدخّل الغربي الأميركي والاتصالات الديبلوماسية التي أوصلت رسائلها إلى الحزب، وإلى إيران أيضاً، للطلب من الحزب بعدم زجّ لبنان وفتح جبهة الجنوب”.
ورأى أن فتح جبهة الجنوب يكون في حالتين فقط:
“أولاً، أن تبادر إسرائيل من جهتها إلى فتح الجبهة. عندها، حتماً سيتدخل “حزب الله” وسيرمي 5 آلاف صاروخ في دقيقة واحدة على إسرائيل.
وثانياً، إن تعرّضت إيران لاعتداء بريّ، وهذا لن يحصل، لأن إسرائيل لا يمكن أن تتجرّأ على القيام بأيّ عملية ضد إيران اليوم.
وبالتالي، الواقع اليوم أن الجبهة الجنوبية تحت السيطرة، وما يقوم به “الحزب” هو ردّ على الضربات الإسرائيلية بحدود معيّنة. وواضح أن المعارك في الجنوب لا تزال محصورة بحوالَي 3 كلم على جانبي الحدود، فيما الجانب الإسرائيلي مرعوب، وقد أعاد مستوطنيه نحو 15 كلم إلى الداخل”.

وإذ أشار إلى أن ضربات حماس تتم بالتنسيق مع “حزب الله”، لكنها “فشة خلق”، أكد جابر من جديد أنه “لا يحقّ لحماس إطلاق صواريخ من لبنان. لكن المشكلة أنه لا يوجد من سيمنعها؛ فلا الجيش بوارد أن يشتبك معها، ولا الدولة قادرة، و”حزب الله” لا يريد”.

ريشار داغر
العميد الركن المتقاعد، والباحث في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية ريشار داغر، يقول: “بداية، اللبنانيون بجميع مشاربهم وانتماءاتهم يؤكّدون على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وفي تحقيق تطلّعاته المشروعة في إقامة دولة مستقلّة وسيّدة تؤكد على حق الشعب الفلسطيني باتخاذ الموقف الذي يراه مناسباً والخيارات التي يراها مناسبة. في الوقت نفسه، هناك إجماع موازٍ لهذا الإجماع من قبل معظم شرائح المجتمع اللبناني على أنه لا يجوز أن يُجرّ لبنان إلى الصراع القائم حالياً، وأن يُزجّ به في أتون حرب لا رأي له فيها. فأحدٌ لم يأخذ رأي اللبنانيين بهذه الحرب، وهنا الحديث عن السلطة الشرعية. وبالتالي، يرفض اللبنانيون الانجرار إلى هذا الصراع الذي سيجرّ البلاد بأسرها في هذه اللحظة السوداء من تاريخ لبنان إلى مخاطر كيانية واقتصادية وأمنية وإنسانية لا تحمد عقباها”.

ويضيف: “نحن مع القضية الفلسطينية على شرط عدم الانجرار إلى هذا الصراع. والجدل القائم حالياً هو مع الفريق اللبناني، أي “حزب الله”، وهواجس اللبنانيين أن يُقدم “الحزب” على الدخول في هذا الصراع من بابه العريض”.

ويتابع داغر: “يناوش “حزب الله” اليوم عند الحدود الجنوبية ضمن ما يسمّى قواعد الاشتباك. هو ينخرط في مواجهة محدودة، لكن المخاوف أن ينجر إلى المواجهة العسكرية الشاملة؛ فكيف بالأحرى عندما يتدخل تنظيم عسكري غير لبناني في هذا الصراع من أراض لبنانية خلافاً للمنطق الشرعيّ ولكلّ المعايير والمواثيق. وهذا التدخل يُعيد إلى الذاكرة الدور الفلسطيني في لبنان، والممارسات الفلسطينية بدءا من منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى منتصف الثمانينيات، وما جرّته هذه الممارسات من حروب وويلات وتهجير ونزف. لذلك، هذا التدخل مرفوض جملة وتفصيلاً، ويُعيدنا إلى مرحلة الدور الفلسطيني الذي اعتبرنا أنّنا انتهينا منه، بعد أن قامت منظمة التحرير الفلسطينية في ما بعد بمراجعة شاملة، وأبدت الندم على تدخّلها في لبنان. اليوم نحن أمام مشهد تدخّل فريق فلسطينيّ مسلّح في هذا النزاع، ومن الأراضي اللبناني، ممّا يُنذر بجرّ لبنان إلى أتون هذا الصراع وهذا مرفوض. وهذا موقف لبنانيّ جامع وشامل”.

وعن تشبيه ما يحصل اليوم بفترة العمل الفلسطيني المسلّح، يقول داغر: “في الماضي كان هناك نصف تبنٍّ لبنانيّ للعمل المسلّح. كان هناك شارع مناصر للثورة الفلسطينية، ويؤيد عملياتها ضد إسرائيل، وشارع آخر ينظر إلى المسألة بموضوعيّة، بالرغم من التزامه القضية الفلسطينية، ويرفض العمل الفلسطيني المسلّح من لبنان. ومن الحقائق التاريخية أن كلّ ما أصاب لبنان من ويلات كان نتيجة السماح للتنظيمات الفلسطينية المسلّحة بالعمل من الأراضي اللبنانية بموجب اتفاق القاهرة عام 1969. وهو الاتفاق الذي كسر حال الهدنة التي كانت قائمة بين لبنان والعدو الإسرائيلي على مدى أكثر من 20 عاماً”.

فمن العام 1949 ولغاية العام 1969 كان الوضع في جنوب لبنان يتميّز بالهدوء والاستقرار.

ورداً على سؤال، قال داغر: “لا أعتقد أن حركة حماس تستطيع التحرك بحرية في جنوب لبنان لو لم يكن هناك ضوء أخضر أو “قبة باط” من قبل “حزب الله”. وفي هذا السياق أصبحت التنظيمات المسلّحة التابعة لحركة حماس أو القوات المقاتلة التابعة لها بمثابة وكلاء للوكيل الإيراني. وما يتمنّع “حزب الله” عن القيام به جهاراً تقوم به حركة حماس انطلاقاً من كونها حركة مقاومة فلسطينية، ولها دور في الصراع. ولكن هذا لا يخفي حقيقة ثابتة أن هذا الكيان اللبناني، وهذا البلد، أصبح ساحة سائبة ومشرعة لكلّ التنظيمات والقوى التي تريد أن تلعب دوراً في المنطقة، في غياب تام للقوى الشرعية وللدولة اللبنانية والسيادة وكلّ ما يتعلق بالمفهوم الدولتيّ للدول والكيانات السياسية”.

النهار

مقالات ذات صلة