توقيت تغيير اللعبة ومصير التسويات: الحرب لن تكون عابرة!
تغيّرت اللعبة بعد الاقتحام الذي نفّذته «حماس» لمستوطنات إسرائيلية، ليس فقط على مستوى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل على الصعيد الإقليمي أيضاً. أدخلت حالة الحرب الحقيقية كما وصفها بنيامين نتانياهو عاملاً جديداً يستحيل محوه من المعادلة الفلسطينية الداخلية والخارجية، ومن المعادلة الإسرائيلية في الداخل وفي الإقليم وعلى الصعيد الدولي. كيفما انتهت هذه الحرب الدائرة الآن، فإنّها ستحفر عميقاً في الذاكرتين الفلسطينية والإسرائيلية ولن تكون عابرة.
ومن دون التقليل من فداحة المجازر التي ترتكبها وسترتكبها إسرائيل في الرد على الاقتحام الفلسطيني للأراضي المحتلة، فإنّ الانعكاسات الداخلية عليها تبدأ بتوالد النتائج الوخيمة على اليمين الإسرائيلي الديني والعنصري المتطرف الذي يتحكم منذ الانتخابات الأخيرة بالقرار الداخلي ومنذ تشكيل بنيامين نتانياهو حكومته الجديدة في 22 كانون الأول 2022. فالفريق الحاكم الحالي لا يترك مناسبة تتيح له ممارسة أبشع صنوف الفصل العنصري وخطط «الترانسفير» كما فعل وزير الأمن الداخلي إيتامار بن غفير (حزب «القوة اليهودية» القومي المتطرف) ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، من حزب «الصهيونية الدينية» اليميني المتطرف، الذي أُعطي صلاحية التخطيط في الضفة الغربية، في وقت يعتبر أن لا وجود للشعب الفلسطيني.
لا يجانب المرء الحقيقة إذا قال إن العملية وأهدافها العملانية والميدانية وأغراضها السياسية، إيرانية الهوية بالتعريف السياسي للكلمة في إطار الصراع الجيو سياسي الدائر في الإقليم، نظراً إلى الهوية الإقليمية لحركة «حماس» وولائها لإيران خصوصاً في العقدين الأخيرين ونيف، وإنّ طهران هي الطرف الأقدر على استثمار نتائجها وأبعادها العسكرية والسياسية بين كافة اللاعبين الإقليميين على الساحة الفلسطينية، إلا أن توقيت اقتحام «حماس» الأراضي المحتلة والمستوطنات وثكنات عسكرية في منطقة غلاف غزة جاء بعد سلسلة من الممارسات الإسرائيلية المذلة للشعب الفلسطيني، ما يعطيها المبررات للقيام بها. وهذه المبررات تتلخص بالوقائع الآتية:
أولاً: الاقتحامات المتتالية للمستوطنين الصهاينة المتطرفين للمسجد الأقصى تحت أعين الشرطة والجيش الإسرائيليين اللذين أبعدا المصلين الفلسطينيين عن أماكن الصلاة في عملية إذلال ممنهجة يقوم بها بن غفير بحضوره الشخصي إلى باحة المسجد.
ثانيا: افتعل المستوطنون بحماية الحكومة استفزاز مشاعر المصلين المسلمين بالتزامن مع مناسبة مقدسة لديهم هي ذكرى المولد النبوي الشريف.
ثالثاً: ترافقت عمليات الإذلال على طريق الإمعان في تهويد القدس، التي يرفضها حتى يهود متدينون داخل إسرائيل وفي العالم الغربي لاعترافهم بأن ما من نص ديني في التورات أو غيره يعتبر القدس عاصمة يهودية، مع استمرار طرد عائلات فلسطينية من قراها في الضفة الغربية إمعاناً في إحلال مستوطنين جدد مكانهم، وسط اكتفاء المسؤولين الغربيين بانتقاد توسع مشاريع الاستيطان بعبارات إنشائية صارت مملة، أقواها «رفض تغيير الوضع القائم بإجراءات أحادية»، لأنّه يعيق عملية السلام، المجمدة أصلاً منذ عقدين من الزمن، والتي تؤجل الولايات المتحدة الأميركية تنفيذ وعودها بإعادة إطلاقها، بالادعاء بالانشغال بأزمات دولية أو إقليمية أخرى وبالحذر من الانخراط في أي ضغوط على إسرائيل لأسباب انتخابية.
رابعاً: إنّ العملية تصادف بعد ساعات من الذكرى الخمسين لحرب 6 تشرين عام 1973 التي أدت إلى اقتحام الجيش المصري قناة السويس نحو المنطقة التي احتلتها إسرائيل في سيناء، والتي استعادت فيها السيطرة على أجزاء كبيرة منها…
هناك الكثير غيرها من الوقائع التي تبرر العملية فلسطينياً، يكون من الظلم تجاهلها. وهذا ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى القول بحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، مع أنّه من مدرسة لا ترى في الكفاح المسلح وسيلة للحصول على الحقوق.
وفي الوقت نفسه يكون من الإنكار تجاهل وقوف إيران خلف هذا التطور الميداني والعسكري الكبير. فالتحضير لعملية بهذا المستوى استغرق أشهراً إلى حين التوقيت السياسي المناسب. تحقق ما كان محور الممانعة يمهّد له ويعلن نيّته تنفيذه، أي الرد على الضغوط التي يتعرّض لها بدخول المناطق المحتلة عسكرياً. ولهذا العمل انعكاسات سياسية لا بد من أن تظهر في الملفات الساخنة، من اليمن إلى العراق، وسوريا ولبنان، وإن كانت المكاسب الممكنة تحت ظل صراع طهران مع واشنطن وسائر العواصم التي ترفض توسعها الإقليمي تختلف إمكانياتها بين ميدان وآخر. وطهران بدعمها العلني للاقتحام دفعت دولاً غربية كانت بلغت حداً ضاق معه ذرعها بالقيادة الإسرائيلية الممعنة في سياسة الأبارتايد… إلى التضامن مع إسرائيل مجدداً…
عدم تجاهل الوقائع ، يضيء الطريق إلى الأجوبة على الأسئلة الكثيرة التي تطرحها المفاجأة المدويّة. هل يسدل الستار على التسويات والتطبيع في المنطقة؟ أم تكرّس دور إيران فيها فتسرّعها؟ هل تأتي على حساب الفلسطينيين؟ أم انها توجب تعديلاً في المشهد الفلسطيني لمصلحة «حماس» في انتظار تعديلات داخل إسرائيل؟
وليد شقير