أجور أطباء الأسنان تفتك بالمواطن بأسعارها الخيالية… والتعرفة حبر على ورق!
تعاني الأغلبية الساحقة من اللبنانيين من الضعف والعجز على مواجهة كلفة الاستشفاء الباهظة، ويؤجل الكثير من المرضى اجراء العمليات الجراحية الدقيقة او الدخول الى المستشفى، حتى وان كانت الحالة طارئة. كما ان زيارة الطبيب لم تعد كل 6 أشهر مرّة، بل باتت كل 5 سنوات، وعند اللزوم والضرورة الملحّة. اما العلاج فصار للمقتدرين ماديا ولأصحاب المعالي والسيادة، ولأولئك الارستقراطيين الذين يملكون “البطاقة الأممية” ويدفعون التعرفة بالفريش دولار امام اعين المواطنين، الذين يتلوون وجعا إما من ارتفاع التعرفة او بسبب الاستنسابية المتبعة في معظم المستشفيات ، وحتى في العيادات الطبية الخاصة.
تعرفة الحد الأدنى “شكليّة”
فقد ارتفعت تعرفة زيارة الطبيب (عام او اختصاصي) وأصبحت تتراوح بين 650 ألف ليرة لبنانية ومليون ليرة. وفي هذا السياق، كان أصدر مدير عام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي قرارا بتاريخ 6/9/2023 حمل الرقم 422 قضى بموجبه بتعديل تعرفة معاينات الأطباء خارج المستشفى، لتصبح على الشكل الاتي: طبيب اختصاصي مليون ل. ل.، طبيب عام 650 ألف ل. ل. وفي هذا الخصوص كان وجه مديرعام الصندوق دعوة الى الأطباء المتعاقدين مع الصندوق للتجاوب مع هذه المبادرة التي قام بها الضمان، حيث تمت مضاعفة بدل اتعابهم 20 مرة، مطالبا إياهم بالتعاون والتقيد والالتزام بهذه التعرفات.
والسؤال الموجّه الى المعنيين: ماذا عن المواطنين غير المضمونين؟ او العائلات التي ترزح تحت خط الفقر؟ ماذا عن الإجراءات الرادعة حيال الأطباء في الاختصاصات الطبية الأخرى مثل طب الاسنان تحديدا، حيث ان التكاليف باتت تفوق أجر موظف عادي سنة كاملة؟
التعرفة حبر على ورق!
فعليا، القطاع الطبي لا يلتزم بالحد الأدنى لبدل المعاينات الطبية للطب الاختصاصي، فالمشهد على الأرض يختلف تماما، وبعيد عن الحد الأدنى المحدد نقابيا. فالتعرفة على سبيل المثال عند طبيب مختص في امراض الدم تبدأ من 100 دولار، اما الطبيب ع. اللهيب المختص في امراض القلب والشرايين في محلة شتورا، فرفض ان يجيب عن سؤالنا عن بدل المعاينة الذي يتقاضاه.
تعرفة الأسعار لطبيب الاسنان في مستوصفات الرعاية الطبية مرتفعة ومتفاوتة وقريبة من تلك المتداولة في العيادات الخاصة، فمثلا في منطقة كرم الزيتون، أحد المراكز يتقاضى على “برد” الضرس حوالى 15 دولارا، اما سعر “التلبيس” للسن الواحدة فيبدأ من 50 دولارا، وإذا كان المريض يريد الإسراع في انجاز العمل الطبي الذي يخضع له، فالتكاليف تصبح مضاعفة، اما في حال انتقل الى عيادة الطبيب الخاصة فالتكلفة تصبح اشد وطأة، وسعر “التلبيسة” يرتفع الى حوالى 100 دولار للسن الواحدة.
الأسعار خيالية!
على خطٍ موازٍ، فإن ثمن زرع “الفينير” المتحرك يبدأ من 500 الى 1000 دولار للسن الواحدة، ابتسامة هوليود من 100 الى 250 دولارا، اما زراعة الاسنان فتبدأ من 900 الى 1500 دولار أميركي للسن او الضرس الواحد، وذلك طبقا لنوع برغي التيتانيوم الذي يختلف سعره بين مصدر وآخر. اما تكلفة “سحب” العصب ووضع “رصّة” للمريض فالتكلفة في بعض المراكز الصحية تخطت الـ 100 دولار، هذا في حال استخدم “رصة” عادية، اما “الزيركون” فتكلفته تتراوح ما بين 300 و350 دولارا، ويتضاعف السعر في العيادة الخاصة، وأيضا تتفاوت التسعيرة بحسب المختبرات التي يتعامل معها الطبيب، وطبعا وفق تسعيرة السوق الموازية.
اما في مستوصف للرعاية الطبية في منطقة طريق الجديدة فسعر “التلبيسة” للسن الواحدة يبلغ حوالى الـ 50 دولارا، وعندما حاولنا السؤال عن تكلفة الزرع كان التهرب من الإجابة سيد الموقف، بحيث رفضوا اخبارنا عن السعر المتداول داخل المستوصف. وامام فوضى الأسعار هذه، يبقى “خلع الضرس” الخيار الأنسب للمواطن.
الطب أصبح “سوقاً وبازارات”
لم يعد مستهجنا ان يصبح لكل شيء سوقه وبازاراته هذه الأيام، فحتى المهن الطبية النبيلة تحولت الى مهن “جز” وسرقة وتجارة مفتوحة، ومهنة طب الاسنان احداها، حيث تضاعفت التعرفة بشكل غير معقول او مقبول. فلا تسعيرة موحدة يلتزم بها هؤلاء، وكل طبيب يتقاضى حسب مزاجه وتصنيف منطقة عيادته واسمه ونوع زبائنه. كل ذلك يحدث في غياب أي دور رقابي من قبل الجهات المعنية، وتحديدا نقابة الاسنان كونها المعنية بشكل مباشر بكل هذه التفاصيل.
وفي هذا الصدد، قالت ماري وهي ممرضة تعمل لدى طبيب اسنان في منطقة فرن الشباك، “ان المواطنين ترهقهم التكاليف، ويعمد البعض الى اجراء المعالجات البسيطة لتسكين الألم فقط، بينما تعجز الأكثرية عن القيام ببقية المعالجات لعدم القدرة على دفع التكاليف المترتبة، كالحشوات والتلبيس وتصنيع الجسور والبرد والرصرصة او تركيب طقم اسنان كامل وثابت، وهذه الأمور تخضع لتسعيرات متباينة بين الأطباء حسب المواد المستخدمة، ان كانت خزفا او زيركون”. واشارت الى “ان المريض الى جانب ارتفاع التكلفة ، فإنه لا يعرف حقيقة المستلزمات المستخدمة ليميز جودتها وافضليتها عن غيرها”.
الحجّة أسهل طريق للتبرير!
في شأن متصل، قال أحد الأطباء في نقابة طب الاسنان لـ “الديار”: ان “المشكلة تكمن في أسعار المستلزمات والمواد الطبية، الى جانب الأعباء التي تترتب على الأطباء من كهرباء واشتراك مولد واجور المخبريين، لكن لا يمكن انكار ان بعض أطباء هذه المهنة باتوا مثل الجزارين، بحيث انهم يتقاضون أرباحا طائلة ومضاعفة عن بعض التصليحات البسيطة”.
في الخلاصة، ان تقاذف المسؤوليات لن يحل المشكلة او يضع حدا للفلتان الحاصل الذي حول المهن الطبية الى دجاجات تبيض لهؤلاء بيضا من ذهب خالص، ولكن من جنى وتعب المواطن البسيط. لذلك كفى تخاذلا وتهاونا وتمحيصا واعذارا ثقيلة وغير مقنعة من قبل الجهات المعنية، لان صحة المواطن امانة، واستغلال الظروف الاقتصادية لتحقيق المكاسب المادية دليل على عدم احترام الأطباء لقسمهم الطبي الذي هو واجبات واخلاقيات.
ندى عبد الرزاق- الديار