الحزب يرفض رسميّاً “دوحة 2”: فمن يريدها ويطرح تعديل الطائف؟
منذ حوالي أسبوع حضر لبنان في كلمة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن “ضرورة إيجاد آليات لعدم تكرار الفراغ السياسي في لبنان”، وهو اليوم يتمثّل بفراغ رئاسة الجمهورية. جاء هذا الكلام مفاجئاً للوسط السياسي، ولا سيما أنّ العالمين به يعرفون حساسية الكلام عن تعديل دستوري مهما كان نوعه. غير أنّ ما بدأ يتسرّب في الإعلام اليوم عن إمكانية مطالبة الحزب بـ”دوحة 2” يحمل مزيداً من المكاسب السياسية مقابل التخلّي عن مرشّح “الضمانة” سليمان فرنجية، يعيد طرح قضية “تعديلات دستورية تتيح دخول الطائفة الشيعية إلى النظام لتترجم المتغيّرات السياسية والطائفية المستجدّة منذ اتفاق الطائف حتى اليوم”.
كيف يستقيم هذا الكلام ربطاً بمواقف الدول الكبرى المعنيّة بالشأن اللبناني؟ وهل يمكن أن ينعكس أزمة جديدة على الاستحقاق تعيده إلى مربّع الصفر؟
طرح آليّات دستوريّة وضمانة الطائف
تحدّثت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” عن احتمالين رافقا قراءة كلام أمير قطر الذي قال: “في لبنان الشقيق حيث أصبح الخطر محدقاً بمؤسّسات الدولة، نؤكّد ضرورة إيجاد حلّ مستدام للفراغ السياسي وإيجاد الآليّات لعدم تكراره، وتشكيل حكومة قادرة على تلبية تطلّعات الشعب اللبناني والنهوض به من أزماته الاقتصادية والتنموية، فمن المؤسف أن يطول أمد معاناة هذا الشعب الشقيق، بسبب الحسابات السياسية والشخصية”.
رجّحت القراءة الأولى أن تكون الدوحة قد قدّمت هذا الطرح من دون التنسيق مع اللجنة الخماسية، وتحديداً مع المملكة العربية السعودية التي تعارض بشراسة أيّ إمكانية لتعديل دستوري يمسّ بوثيقة الوفاق الوطني، وأنّ طرح الدوحة ليس إلا تحريكاً للملفّ الرئاسي مع الثنائي الذي يمكن لهذا الطرح أن يدغدغ مشاعره ومصالحه في النظام وينسجم مع طروحات الرئيس برّي.
تحدّثت القراءة الثانية عن أنّ هذا الكلام لا يعني إجراء تعديلات دستورية، بل تأكيد الآليات المنصوص عليها في الدستور، على اعتبار أنّ الممارسة الفعلية في السياسة تناقض الموادّ الدستورية، وتحديداً المادّة 49 منه التي تنصّ على الدعوة إلى جلسة مفتوحة ذات دورات متتالية لا تقفل قبل انتخاب رئيس الجمهورية. وبالتالي دعوات الرئيس برّي السابقة إلى جلسات تقفل في حينها ويعاد فتحها على أنّها جلسة جديدة تناقض روحية المادة 49 من الدستور.
يندرج الكلام اليوم في سياق إيجاد آليّة تضمن انتخاب الرئيس من خلال الدستور، ولا سيما بعدما سحب الرئيس برّي صلاحية تفسيره من المجلس الدستوري إلى مجلس النواب، فكان جوابه في المرّة الأخيرة التي سئل فيها عن أيّ مادّة تتيح له إقفال الجلسة وعدم تركها مفتوحة: مادّة إجرها من الشباك.
كان سياق الكلام عن “آليّات” تأكيداً على تطبيق الدستور وليس مطالبة بإجراء تعديلات عليه، إلا أنّ ما سبق أن طُرح من تعديلات واجب اتخاذها يرتبط بأزمات سياسية أتاح فيها غياب بعض النصوص الدستورية للقوى السياسية تقديم حساباتها الضيّقة على المصلحة العامّة. وأبرز هذه الأركان يتمثّل بتشكيل الحكومة. ماذا يعني التعاون بين رئيسَي الجمهورية والحكومة؟ ولماذا لا توضع مهل زمنية لرئيس الحكومة المكلّف لتأليف الحكومة كيلا يضع التكليف في جيبه أشهراً عدّة؟ وكيف يمكن ضبط إيقاع رئاسة الجمهورية مع رئاسة الحكومة لعدم حصول أيّ تضارب في مراحل التشكيل؟
في معلومات “أساس” أنّ هذه الإشكاليات حضرت بين القوى الدولية المعنيّة بالملفّ اللبناني، إلا أنّ موقفها واضح لجهة رفض إجراء تعديلات على وثيقة الوفاق الوطني لدرجة عدم ترحيبها بالحوار لخطورة أن يكرّس أعرافاً جديدة تسبق انتخابات الرئاسة. غير أنّ هذا النقاش سيكون مطروحاً في العهد الجديد على طاولة يرأسها رئيس الجمهورية المقبل على اعتبار أنّه سيكون ضمانة لعدم المسّ باتفاق الطائف. غير ذلك، لا قبول بأيّ أفكار أخرى من شأنها أن تمهّد لأيّ مؤتمر قبل إنجاز الاستحقاق، وهناك حرص على التأكيد من واشنطن إلى الرياض على فتح أبواب المجلس وإبقائها مفتوحة.
الحزب يرفض رسميّاً “دوحة 2”
في المقابل، يرى البعض في طروحات المؤتمرات الخاصة بلبنان دغدغة لإرادة الحزب الذي سبق أن كرّس مكاسب سياسية له في مؤتمر الدوحة الأوّل. غير أنّ كلّ المواقف العلنية للحزب تتحدّث عن عدم اقتراحه لأيّ “دوحة 2” ممرّاً لانتخاب رئيس للجمهورية. وفي معلومات “أساس” أنّه خلال تقديم واجب العزاء للرئيس نجيب ميقاتي، قال نائبان من الحزب لمرجع نيابي سنّي ردّاً على سؤال عن مطالبة الحزب بحصول “دوحة 2”: “نحنا لا بدنا دوحة 2 ولا بدنا دوحة 1”.
يأتي هذا الكلام بعد سياق طويل من البحث في عمق الأزمة السياسية والإدارة في البلد، ولا سيّما أنّ المسيحيين لهم فيها حصّة الأسد في مواقع الفئة الأولى، كقائد الجيش ورئيس مجلس القضاء الأعلى وحاكم مصرف لبنان ورئاسة الجمهورية.
كيف يمكن أن يحافظ المسيحيون على هذه المواقع في نظام طائفي أصبحوا فيه أقلّية؟ ليس السؤال مستجدّاً، بل هو حصيلة سنوات من الأزمات السياسية المتراكمة.
في التسعينيات قال الرئيس رفيق الحريري للمسيحيين والمجتمع الدولي “وقّفنا العدّ”، فهل يقولها اليوم الأمين العام للحزب السيد نصرالله ويختم بها نقاشاً يتجدّد عند كلّ منعطف سياسي؟
لا يعيد التلويح بها في هذا التوقيت بالذات الملفّ الرئاسي إلى المربّع الأوّل وحسب، بل يعيد البلاد إلى مواجهة لا قدرة لها على احتمالها، ولا سيما أنّ المملكة العربية السعودية “ضامنة اتفاق الطائف” لا تعارض “دوحة 2” فقط، بل لا تمانع إسقاط مفاعيل “دوحة 1” الذي كرّس الثلث المعطّل للحزب، الذي يعارض روحية الدستور ووثيقة الوفاق الوطني.
ملاك عقيل- اساس