بانتظار البازار الكبير: السيّد يضع اللبنانيين أمام خيارين!!

في خلاصات الكلام الأخير للأمين العامّ للحزب، يمكن تسجيل مجموعة نقاط، لا بدّ لها أن تترابط بعضها ببعض، لا سيما إذا ما قورنت مع تطوّرات وأحداث شهدتها المنطقة في الأيام الماضية ومعلومات تسرّبت بشأنها.

صحيح أنّ نصر الله أراد وضع الاستحقاق الرئاسي في سياقه الداخلي، وحاول فصله عن ملفّات أخرى، إلّا أنّه في المضمون لا مجال للفصل بين الملفّات، وخصوصاً بالنسبة إلى الحزب الذي يتقن فنون توحيد الجبهات على قاعدة وحدة الساحات.

ثلاث نقاط
– النقطة الأولى الواجب تسجيلها تتّصل بفتح الباب أمام مسار الترسيم البرّي، أو إظهار الحدود كما يُصطلَح على تسميته في لبنان انطلاقاً من أنّ الحدود مرسّمة. أعلن نصر الله بوضوح الوقوف خلف الدولة وما تقرّره، مجدِّداً رفع معادلة الجيش والشعب والمقاومة، ودعم المقاومة للدولة عندما تحتاج إلى ذلك.

– النقطة الثانية تتّصل بالحدود الشمالية الشرقية، التي تشهد تدفّقاً كبيراً للاجئين سوريين جدد إلى لبنان. وقد وضع نصر الله ذلك في إطار التهديد الوجودي والديمغرافي للبنان، داعياً إلى ضرورة وضع خطة وطنية لمواجهة هذه المشكلة. خلاصة الخطّة هي الضغط على المجتمع الدولي، ولا سيما الدول الأوروبية، عبر إرسال اللاجئين إلى أوروبا بالبحر، وهو ما سيدفعها إلى المسارعة إلى لبنان والبحث عن حلول. وطالب بالضغط لإسقاط قانون قيصر ومفاعيله.

– النقطة الثالثة تتعلّق بالانتخابات الرئاسية، وضرورة فصل هذا المسار عن الاستحقاقات الخارجية واعتباره شأناً داخلياً صرفاً. في هذا الإطار عبّر نصر الله عن انتظار ما ستؤول إليه المبادرة الفرنسية والجهود القطرية. وخلف إرادة الفصل هذه بحثٌ عن فصل بين المكاسب ليس إلّا. بمعنى أنّ ثمن الرئاسة لا بدّ أن يكون داخلياً، وأن تدفعه القوى السياسية اللبنانية والقوى الإقليمية والدولية، إمّا بانتخاب سليمان فرنجية، أو في حال الذهاب إلى المرشّح البديل فلا بدّ من إعادة النظر بالضمانات السياسية والاقتصادية وربّما الدستورية.

نقطة التقاطع
في نهاية المطاف لا بدّ لكلّ هذه النقاط أن تتلاقى عند نقطة تقاطع أساسية، انطلاقاً من مبدأ أساسي جغرافي وسياسي بالنسبة إلى الحزب. فهو الممسك والمسيطر على كلّ الحدود الجنوبية، مع إسرائيل، وعلى الحدود الشرقية مع سوريا. وبالتالي أيّ تفاوض بشأن الملفّين لا بدّ له أن يكون اللاعب الأساسي فيه. وقد وزّع كلّ مسار على مراحل. فجنوباً اعتبر نصر الله أنّ هناك 3 مسائل تتّصل بإظهار الحدود: الأولى تتعلّق بمعالجة النقاط الـ 13 العالقة. والثانية ترتبط بحلّ الجانب الشمالي من بلدة الغجر في مقابل إزالة الحزب للخيمتين اللتين شيّدهما خارج الخطّ الأزرق. فيما الثالثة هي مرحلة الوصول إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

عملياً، يمكن للحزب في المسار السياسي أن يوافق على الذهاب باتجاه حلّ النقطتين الأولى والثانية، على قاعدة تثبيت النقاط الـ 13 التي يطالب بها الجيش، وكانت هناك موافقة بشأنها، بالإضافة إلى تراجع إسرائيل عن ضمّ شمال الغجر، مقابل إزالة الحزب للخيمتين. أمّا مسألة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا فتلك مؤجّلة إلى فترة بعيدة وطويلة تتّصل بالحلول في سوريا والتوافق معها أيضاً، وهي تبقى لزوم بقاء السلاح والمقاومة في سبيل تحريرها، وبالتالي موعد بتّها لم يحِن بعد. على أساس النقطتين 1 و2، يمكن للحزب أن يدخل مسار التفاوض الذي سيكون حتماً مترابطاً من حيث النتائج.

أمّا في مسألة الحدود مع سوريا، فكانت واضحة معادلة نصر الله، حين اعتبر أنّ تدفّق اللاجئين هو نتيجة للعقوبات الأميركية ولوقف مسار التطبيع السياسي والاقتصادي مع دمشق. ولكنّ النتيجة الأخرى والأساسية هي استخدام هذا الملفّ في سياق الضغط على اللبنانيين وعلى المجتمع الدولي، في محاولة للفت النظر بعد إدارة الخارج ظهره واستدراج الاهتمام من خلال التهديد بإغراق أوروبا باللاجئين. بالإضافة إلى تجديد مسلك الضغط في سبيل تطبيع العلاقات الرسمية اللبنانية مع سوريا على قاعدة أنّ الدولة اللبنانية هي التي يجب عليها أن تقوم بالنقاش مع الحكومة السورية في سبيل حلّ هذه المعضلة. ملفّ اللاجئين السوريين يُراد منه أيضاً أن يعيد تعزيز وضعية الحزب داخلياً، وعلى الساحة المسيحية بالتحديد، من خلال تخويف المسيحيين من التدفّق الديمغرافي السنّي وتغيير وجهة لبنان، وبالتالي إعادة اللعب على وتر العصبية المسيحية في مواجهة السُّنّة، وهو ما سيكون له انعكاس في النفوس وفي الوقائع السياسية.

عندما سيفتح البازار
كيف لهذه النقاط أن تتقاطع بعضها مع البعض الآخر؟ عملياً سيكون التفاوض بشأنها متزامناً، فعندما سيطرح آموس هوكستين مسألة إزالة الخيمتين وتثبيت النقاط الـ 13، سيطرح في موازاتهما ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، وهنا سيُفتح البازار بين من يحاول منح لبنان ما يريده مقابل الوصول إلى تسوية سياسية وبين رهان لبناني على أنّ واشنطن مهتمّة بتثبيت الحدود لضمان الاستقرار، وبالتالي يمكن أن يكون الثمن المقابل هو رئيس ثقة للحزب، فيبقى الحزب على معادلة سليمان فرنجية. ومعادلة فرنجية لها هدف يرتبط بسوريا أيضاً، إذ إنّ الحزب يريد رئيساً قادراً على اتخاذ قرار بشأن تطبيع العلاقات مع دمشق، ويثبّت معادلة وحدة الساحات. لذا سيتجدّد الشعار الأساسي بأنّ فرنجية وحده هو القادر على معالجة ملفّ ضبط الحدود الشرقية والشمالية ووضع خطة لمعالجة ملفّ اللاجئين، وهو ما سيكون بأمسّ الحاجة إليه المسيحيون.

هكذا يضع الحزب اللبنانيين أمام خيارين: الأول أن يبقي الاستحقاق الرئاسي في دوّامته الداخلية، على قاعدة التمسّك بسليمان فرنجية، أو الحاجة إلى ضمانات كبرى في سبيل التخلّي عنه، وهذا ستكون أثمانه مدفوعة داخلياً، بتنازلات كثيرة بدءاً من الشروط التي ستكبّل الرئيس الجديد، مروراً بالحكومة وآليّة تشكيلها، وصولاً إلى المعادلة السياسية التي ستحكم مسارها.

الثاني هو أن يعود ربط الملفّ الرئاسي بالاستحقاقات ذات البعد الخارجي، أي ملفّ الحدود الجنوبية والشمالية الشرقية، وهنا سيعود الحزب إلى طرح معادلة فرنجية مقابل الوصول إلى اتفاق جنوباً، والسعي إلى إيجاد حلّ مع سوريا. وبحال لم تستقِم هذه المعادلة، فلا بدّ حينها للحزب أن يطرح الحصول على ضمانات في صلب الدستور وفي صلب آليّة تكوين السلطة وتوزيع مواقعها ومناصبها وفق آليّة تتخطّى ما حصل في الدوحة عام 2008.

خالد البواب- اساس

مقالات ذات صلة