“عمليّة” عوكر والرصاص على السفارة: هكذا “انتقم” “حمّودي” الغاضب!
غابت كلّ السيناريوهات التي تحدّثت عن “مؤامرة” أحاطت بحادث إطلاق النار على مبنى السفارة الأميركية في عوكر.
وفق معلومات “أساس” تعاطت السفارة الأميركية بانفتاح كامل مع التحقيق الذي كلّف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي باستنابة قضائية الجيش القيام به ودخلت “شعبة المعلومات” على الخط بعدما سلّم أمن السفارة الأميركية الجهازين الأمنيّين كاميرات المراقبة الموزّعة ضمن “شريط” سياج السفارة الأميركية. وقد حصل تعاون بين “المخابرات” و”المعلومات” عبر تبادل “الداتا”.
في واقع الأمر كادت التحليلات أن تُدخِل الرصاصات التي أُطلقت على بوّابة السفارة الأكثر تحصيناً في لبنان والمنطقة على خطّ مشروع الممرّ الاقتصادي بين الهند وأوروبا بعدما وضع البعض الحادثة في خانة توجيه الرسائل العابرة للمفاوضات الأميركية-الإيرانية أو الداخلة على خطّ الملفّ الرئاسي.
لكن ردّة فعل الجانب الأميركي كانت بالغة الواقعية والحيادية على الرغم من تزامن الحادث مع إحياء الذكرى التاسعة والثلاثين لتفجير السفارة في عوكر في 20 أيلول 1984.
أكّدت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا أنّ “الحادث لن يُرهبنا والسلطات اللبنانية تحقّق، وإجراءات السفارة الأمنيّة متينة للغاية، وأنشطتنا العاديّة مستمرّة”، فيما أكّد المتحدّث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية سامويل ويربيرغ لمحطة “الجديد” أن “لا تخوّف من الأمن في بيروت، ونتواصل عن كثب مع الجهات الأمنية منعاً لتكرار مثل هذه الحادثة”.
“عمليّة” عوكر
تشير معطيات “أساس” إلى أنّ كاميرات المراقبة أظهرت منذ الساعات الأولى أنّ مطلق النار على بوّابة السفارة الحديدية قَدِم بنفسه على متن درّاجة نارية رَكَنها على بُعد مسافة قريبة من السفارة ثمّ ترجّل واقترب من المبنى مطلقاً 15 رصاصة من بندقية كلاشنيكوف وانسحب بهدوء وأكمَلَ حياته “عادي عادي”، والدليل أنّ عناصر “شعبة المعلومات” أطبقوا عليه في عملية خاطفة خلال ممارسته الرياضة في نادٍ بمنطقة الكفاءات.
تمكّنت “المعلومات” من ضبط الدرّاجة المُستخدَمة في عمليات إطلاق النار جميعها، وضبط السلاح المُستعمَل، وهو نفسه أيضاً في كلّ العمليات ومن نوع كلاشنيكوف مع مشط “مموّن”، وضبطت سلّة الطعام الخاصّة بشركة “توترز”.
التحقيق مع محمد مهدي حسين خليل (مواليد 1997 – لبناني الجنسية) الذي ما يزال يجري بإشراف القضاء العسكري أماطَ اللثام عن الغموض الذي غلّف الحادثة.
عمل تافه في بلد غارق بالفوضى
يقول مصدر موثوق ومُتابِع لـ “أساس”: “ما حَدَث هو عملٌ بأبعادٍ شخصية تافهة في بلد غارق في شبه فوضى، لكنّ أهميّته أنّه استهدف منطقة يُفترض أنّها محصّنة أمنيّاً بالكامل، وطال أكبر وأهمّ سفارة في لبنان وأكثرها تحصيناً، وعلى مقربة منها يتمّ تشييد أكبر مبنى لسفارة أميركية في منطقة الشرق الأوسط”.
ستّة أيام فَصَلت بين وقوع الحادثة في 20 أيلول الجاري وإلقاء القبض على مُطلق النار من قبل “شعبة المعلومات” يوم الإثنين.
استبعاد العمل الأمنيّ
وفق المعلومات، تمكّنت “الشعبة” بعد أيام قليلة من رصد مسار الدرّاجة النارية إلى حيث يسكن محمد من استبعاد العامل السياسي أو الأمني للحادثة. فكان التركيز على أمرين أساسيّين: تحديد التوقيت الملائم لتوقيفه بعد تحديد Location وجوده، ثمّ معرفة الخلفيّات الحقيقية لما قام به بعد إجراء التحقيق معه.
تشير المعطيات في هذا السياق إلى أنّ محمداً (من منطقة برج البراجنة ويقيم فيها) تلاسَن في تموز الفائت مع أحد عناصر أمن السفارة خلال قيامه بتوصيل طلبية “دليفري” له. التلاسن حَدث عبر انترفون السفارة حيث لم يتعرّف محمد على محدّثه لكن المكالمة انتهت بعبارة: “روح انقبر انطر تحت”. وردّاً على ما اعتبره “إهانة لم يَبلعها” خطّط منذ ذلك الوقت لـ “الانتقام” على طريقته، قاصداً عدم إلحاق الأذى الجسدي بأي أحد.
لكن خلال هذه الفترة وبينما كان يعمل في منطقة المتن ضمن شركة “Toters” لتوصيل طلبيات الطعام ثمّ عَمِل في المناطق by zones قامت الشركة بنقله إلى منطقة الحازمية، لكنّه ما لبث أن خرج من application الشركة الخاصة بالديليفري وسُجّلت آخر عملية “ديليفري” قام بها لحساب الشركة في 25 آب الماضي، ولذلك لم يتمّ رصد اسمه من قبل المحقّقين ضمن لائحة الموظّفين الذين كانوا على لائحة المُداومين عند حصول الحادثة. وقد تفرّغ لاحقاً للعمل مع شقيقته التي تبيع منتجات عبر “أونلاين”، فكان يتولّى التوصيل إلى الزبائن.
رصاص على “الباسبور”
يُذكَر أنّ محمداً كان ما يزال يحتفظ بشنطة نقل الطعام التي تدلّ على عمله في الشركة المذكورة، ولذلك “مَسَحَت” الأجهزة أسماء كلّ موظفي الديليفري فتبيّن لاحقاً أنّه ليس من فريق العمل، وتبيّن أنّ عمله السابق في منطقة المتن التي يعرف زواريبها جيّداً سهّل عليه تنفيذ “عمليّته الانتحارية” بخفّة وسهولة.
في سجلّات الشركة لا حوادث أو شكاوى تذكر بحقّ محمد مهدي حسين خليل، لكنّ التحقيق الذي أجرته “المعلومات” كشف أنّه الشخص نفسه الذي قام سابقاً أربع مرّات متتالية نهاية العام الماضي بإطلاق النار على مبنى مركز الأمن العامّ من دون التمكّن آنذاك من توقيفه. وهذا الواقع أدّى إلى اتخاذ المديرية العامة للأمن العام (فرع العلاقات العامة) احتياطات أمنية منعاً لتكرار هذه الحوادث.
اعترف محمد في إفادته أنّه “غَضِب يومها بسبب عدم تمكّنه من الحصول على جواز سفر والتعامل معه بشكل فظّ”.
أمّا في ما يتعلّق بـ “عمليته” في عوكر فتقصّد توجيه رسالة ردّ اعتبار فقط، “ولو كان بدّي صيب عنصر الحراسة التابع للسفارة لكان بإمكاني القيام بذلك، لكنّني لم أفعل”، مقرّاً أنّه أطلق “تسع طلقات فقط من بندقية كلاشنيكوف ترك غلافها في مسرح العملية قبل مغادرته”.
ملاك عقيل- اساس