لا رئيس للجمهوريّة بالأفق ولا تسوية سياسية شاملة: الملفّ اليمنيّ يتقدّم!
كثرت التعليقات والتحليلات اللبنانية للقاءات حصلت واجتماعات عُقدت في الفترة الأخيرة. استعجل كُثر الذهاب إلى ربط ما يجري بالتطوّرات الإقليمية والدولية وانعكاسها على لبنان. بعضهم ذهب إلى الاعتقاد بأنّ ما يجري سيقود سريعاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وإبرام تسوية سياسية شاملة. فيما آخرون ظنّوا أنّ طريق المرشّح الثالث قد أصبح سالكاً، وبالتالي أصبحت المعادلة تستثني فعلاً ترشيح سليمان فرنجية وجهاد أزعور من أجل شخصيّة ثالثة. ولا ينسى البعض أن يغالي في تحليله بالذهاب باتجاه إعلان حسم المعركة لأجل قائد الجيش جوزف عون.
بدايةً لا بدّ من تعداد المحطّات التي توقّفت عندها تحليلات اللبنانيين التي تنقسم إلى قسمين داخلي وخارج:
– في القسم الداخلي نقاط عديدة:
1- الحوار المفتوح بين التيار الوطني الحرّ والحزب، الذي يسعى فيه كلّ طرف إلى تقديم سلّة مطالب للاتفاق على رئيس.
2- زيارة وفد من الحزب برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد لقائد الجيش جوزف عون، وهي زيارة حصلت في منزل أحد المقرّبين من قائد الجيش، فأخذت طابعاً عائلياً وودّياً، وتمّ فيها نقاشُ ملفّات عديدة بدون الدخول في تفاصيل الاستحقاق الرئاسي بشكل مباشر.
3- زيارة وفد من الحزب برئاسة رعد أيضاً لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وهنا كثرت التحليلات معتبرةً أنّ رعد أراد مفاتحة فرنجية بتعثّر مسار ترشيحه ووضعه في صورة التطوّرات الحاصلة في الداخل والخارج والبقاء على تنسيق معه حيال ما يمكن اتّخاذه في المرحلة المقبلة في حال اقتضت الضرورة انسحابه.
4- إصرار رئيس مجلس النواب نبيه برّي على الحوار بالتكامل مع الفرنسيين، وتأكيده أنّه بعد الحوار الذي يُفترض أن يجري لمدّة أقصاها 7 أيام، بدون تحديد وضبط الجلسات الحوارية من حيث عقدها بشكل يومي أو سبعة أيام مقسّمة على أسابيع. وبعدها يتمّ اللجوء إلى عقد جلسة انتخابية مفتوحة بدورات متتالية. وهنا أغدق كثر بتحليلات عن موافقة بعض القوى على الحوار لإرضاء برّي والثنائي، وبعدها الأخذ منهما بالرئاسة من خلال استثناء فرنجية من الترشيح.
في الخلاصة، يعلّق مصدر مسؤول ومواكب وفاعل في كلّ هذه التحرّكات، أنّ السياق التحليلي الذي ينطلق منه بعض السياسيين والمسؤولين لا يبدو واقعياً لأنّ علاقة الحزب بقائد الجيش مستمرّة، وهناك لقاءات دورية تُعقد بين رعد وقائد الجيش، واللقاء بينهما أخيراً ليس الأوّل، إلا أنّ التسريب أحدث ضجة وأعطى معاني سياسية للّقاء، ولذلك جرى الربط بين زيارة الحزب لقائد الجيش، وزيارته لرئيس تيار المردة، علماً أنّ الحزب جدّد تأكيده التمسّك بترشيح سليمان فرنجية.
العين على اليمن
في القسم الخارجي، حصلت تطوّرات متعدّدة أيضاً:
1- تجدّد المفاوضات السعودية مع الحوثيين في اليمن للبحث عن أفق للسلام الشامل.
2- تجدّد التواصل الإيراني السعودي برعاية صينية في سبيل بحث مضامين الاتفاق وانعكاساته الإقليمية.
3- انتزاع موقف من المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان يتجاوز فيه مسألة سليمان فرنجية وجهاد أزعور، وتأكيد لودريان التكامل مع اللجنة الخماسية المهتمّة بالملفّ اللبناني.
4- نجاح دولة قطر في قيادة المفاوضات الأميركية الإيرانية لإطلاق سراح رهائن أميركيين مقابل الإفراج عن أموال إيرانية، لا سيما أنّ وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي هو الذي قاد المفاوضات وهو نفسه الذي يتابع الملفّ اللبناني.
5- اجتماع ممثّلين عن الدول الخمس في نيويورك لبحث الملفّ اللبناني، الذي تتضارب القراءات بشأنه، فالبعض في لبنان يرى أنّ هذا المسار سيكون ضاغطاً بهدف الانتقال إلى البحث عن مرشّح جديد توافقي، فيما آخرون يعتبرون أنّ هذا الاجتماع سيعطي دفعاً للحوار الداخلي.
الملفّ اللبنانيّ يحتاج إلى وقت
في الخلاصة أيضاً، ووفق ما يؤكّد المسؤول عينه، أنّ كلّ هذه التحرّكات الإقليمية والدولية لا بدّ لها أن تنعكس على الواقع اللبناني، لكنّها تحتاج إلى وقت، وعلى اللبنانيين التقاط اللحظة والفرصة. ويرى أنّه لا بدّ لأيّ تسوية لبنانية أن تكون على خطوط التقاطع بين إيران والسعودية والولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من وجود قناعة داخلية بأنّ أيّ مفاوضات إيرانية أميركية ربطاً بملفّ ترسيم الحدود البرّية لا بدّ له أن ينتج تفاهماً أو تقاطعاً في لبنان، سياسياً ورئاسياً، لكنّ هناك تشديداً على مسألة عدم استثناء السعودية وعدم الذهاب إلى تسوية بدونها، لأنّ طهران لا تريد استفزازها، وتحرص على العلاقة معها، ولأنّ واشنطن تريد أيضاً الاستمرار في تعزيز العلاقة مع الرياض.
بالنظر إلى كلّ هذه الوقائع، يشير المصدر المسؤول إلى أنّ الأمور ما تزال بحاجة إلى مزيد من الوقت، بدون الوصول إلى استنتاجات سريعة، ويعدّدها بمجموعة نقاط:
1- الثنائي الشيعي لم يتخلَّ عن ترشيح سليمان ولم يصل إلى المرحلة التي سيبحث فيها ذلك.
2- غير صحيح أنّ الفرنسيين قد تخلّوا عن مبادرتهم، فعلى الرغم من التصريحات التي نُقلت عن لودريان في بيروت، فإنّ التواصل بين الثنائي وباريس كان قائماً، وتحديداً مع خليّة الإليزيه التي تعتبر أنّ الخيار الواقعي في لبنان ينطلق من مبادرتها التي طرحتها سابقاً.
3- لا يمكن للحزب أن يتخلّى عن رئاسة الجمهورية في هذه المرحلة، وفي ظلّ هذه الأجواء، لأنّه سيتحوّل مجلس الوزراء حينها إلى ساحة اجتذاب وملاكمة في حال لم يكن الرئيس حليفاً له، وهذا سيؤسّس لمشاكل كثيرة.
4- التحرّك القطري، الذي يحصل بتنسيق مع الأميركيين والسعوديين والإيرانيين، لا يبدو أنّه سيصل بسهولة إلى توفير ظروف ومقوّمات انتخاب قائد الجيش جوزف عون، لأنّ أكثر ما يتوافق عليه الحزب والتيار الوطني الحرّ هو رفض انتخاب عون، وهو ما يتقاطع عليه معهما رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي لا يريد تعديل الدستور، ولأنّ البلد يحتاج إلى لملمة سياسية وإعادة اعتبار للتوازن السياسي، وهذا ما سيتمكّن فرنجية من القيام به انطلاقاً من علاقته مع غالبية القوى.
5- هناك رهان لدى الثنائي الشيعي على أنّ السعودية وإيران لا تريد إحداهما استفزاز الأخرى، والرهان الآخر هو أنّ التركيز ينصبّ على اليمن وإنجاح المفاوضات، وبالتالي يمكن أن ينعكس نجاحها إيجاباً على الواقع اللبناني بقبول أو غضّ نظر عن إيصال فرنجية مقابل التركيز على رئيس الحكومة وكيفية تشكيلها وآليّة عملها.
6- ما يزال الثنائي الشيعي غير جاهز لبحث فكرة التخلّي عن سليمان فرنجية، وعلى الجميع أن يفكّر في أنّ الوصول إلى مثل هذه المرحلة لن يكون سهلاً، وقد يكون المسار مشابهاً لمسار ترشيح ميشال عون. وعلى الآخرين الأخذ بالاعتبار حجم الأثمان السياسية وغير السياسية التي سيتقاضاها الحزب في حال تخلّيه عن فرنجية من أجل مرشّح آخر.
خالد البواب- اساس