أفلام من داخل عين الحلوة توثق انتشار “داعش”: هل يتجاوز الاقتتال حدود المخيم؟
اذا كان من شعار لهذه المرحلة، فهو “الحوار” على اكثر من جبهة وصعيد وباكثر من وسيلة. فعلى ايقاع الحركة الديبلوماسية ولقاءاتها السعودية – الفرنسية في باريس، بعد الغاء الاجتماعات على هامش قمة العشرين، يعود لودريان في رحلة مفصلية ثالثة، وفي جعبته “لقاءات العمل” في غضون ساعات، بعدما جمد “ابو مصطفى” مبادرته الحوارية المشروطة، اما في الخيمات فحوار من نوع آخر بالبارود والنار، لن تكون له نهاية او افق، ما دام محصورا في عين الحلوة، عاصمة الشتات.
ففيما اللعب على الوتر الامني، ومشروع النزوح السوري الممنهج، وترسانة الانهيار المالي موصولة بين الداخل والخارج، تزداد هموم اللبنانيين همّا اضافيا، في ضوء توسع الخشية من مخطط لتفجير المخيمات وتمدد الانفجار الى خارجها، في وقت تتضاعف في شكل مخيف اعداد النازحين السوريين، وسط عجز السلطة اللبنانية، ليس فقط عن وضع حد لموجة النزوح الجديدة، بل عن مجرد اجتماعها لبحث خطة تكفل مواجهة خطرهم الداهم،لا لشيء الا لعدم اكتمال النصاب.
وفيما تجددت مواقف الأفرقاء السياسيين والمراجع الدينية وعدد من الجهات الأخرى، محذرة من خطورة النزوح السوري وغير السوري، وأجمعت على استعجال معالجة الأمور بجدية ومسؤولية، وحتى لا تتفرع من مشكلة النزوح، بشكلها الجديد مشاكل إضافية أكثر خطورة، مع تأخر الحلول الامنية والسياسية للاشتباكات المتصاعدة في مخيم عن الحلوة، ومحاولات استغلالها، وفقا لمصادر في محور المقاومة ضد اهل لمخيم ومدينة صيدا والجوار، جاء تباعا وبسرعة القرار بتفكيك الخيم التي نصبت قرب الملعب البلدي في صيدا لإيواء النازحين، بعدما اخذت القضية الى مكان آخر من المتابعة الامنية والسياسية، خاصة مع وجود يد واضحة لوكالات ومفوضيات وجمعيات، ظهرت بكل جهوزيتها الميدانية لنصب المخيم المستحدث وبوقت قياسي، ما هدد أمن واستقرار المناطق المحيطة بالمخيم، لاسيما مدينة صيدا والطريق إلى الجنوب.
ووسط الحديث المتجدد عن سعي جهات إلى إشعال الوضع في المخيم، مستفيدة من فوضى السلاح من جهة، ووجهات النظر المتضاربة داخل فتح حول آلية معالجة الاوضاع داخل المخيم، مضافا اليها الانقسام المتولد عن الخلافات بين المستوويين السياسي والامني في رام الله، واتهامات الطرفين بتذكية النار عبر تصفية حسابات شخصية مع الاسلاميين وفتح، ثمة من يركز على ان ما يجري لا يعدو كونه غطاء “الهائيا” تؤمنه بعض المجموعات الاسلامية بالتواطؤ مع قيادات فتحاوية، يجري تحت ستاره ارساء قواعد تنظيم اسلامي جديد مبايع لفكر “داعش”، بعد كشفت المعلومات الموثقة باشرطة “فيديو” من داخل المخيم لعناصر مسلحة وملثمة، ترفع رايات “النصرة” و”تنظيم الدولة”، خصوصا ان “الشباب المسلم” يسعى للتوسع داخل المخيم، والتحرر من الالتزامات السابقة التي كان قطعها، ومن ابرز تلك المواقع منطقة “جبل الحليب” الاستراتيجية.
سيناريو تنكره قيادات المخيم الاسلامية، التي تؤكد على ان لا وجود لـ “داعش”في عين الحلوة ،بل العكس، ذلك ان عددا من حاملي هذا الفكر يغادرون الى العراق، كما ان الطرف الاسلامي الاقوى هو “جبهة النصرة”، التي يدين “الشباب المسلم” بالولاء لها، واضعة كل ما ينشر في الاطار الاستخباراتي التحريضي الرخيص بهدف التضييق على المخيم، وجره الى الصدام مع الجيش، حيث يكشف اسامة الشهابي في هذا الاطار حسب مصادر فلسطينية، بأن ثمة قرارا لدى تلك الجماعات الاسلامية على تجنيب المخيم خوض الصراع في لبنان، لانه لا يتحمل اي هزة امنية كبيرة، لحساسية الوضع وبناء على الدروس المستقاة من تجربة نهر البارد.
غير ان الاخطر في ظل غياب “المرجعية الموحدة” والقرار الحازم بالحسم مع تقدم معادلة الأمن بالتراضي، هو التساؤلات التي تطرحها الاوساط الفلسطينية، عما اذا كان ما يجري مجرد معركة داخلية لتثبيت نفوذ القوى داخل المخيم؟ أم انها “حرب مصغرة” بالوكالة؟ بعض جوانبها يتصل ويتعلق بموازين القوى بين “فتح” ومعها فصائل “منظمة التحرير الفلسطينية”، وبين “حماس”، اللاعب الخفي، ومعها “تحالف القوى الفلسطيني” وبين “التيار الإصلاحي” الذي يقوده في لبنان العميد محمود عيسى “اللينو”، المدعوم من العقيد محمد دحلان ببعده الاماراتي، العدو اللدود للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ما يعني عمليا عودة القوى الاقليمية الى اللعب على الساحة اللبنانية، وتحريك مجموعاتها في لبنان لتصفية حسابات ترتبط باحد اوجهها في عملية “تحجيم” حزب الله، ومحاولات ضربه تزامنا مع محاولات تطويق ايران.
حتى الساعة نجحت الجهود المترنحة على حبلي الهدوء الهش والانفجار المضبوط والمدوزن، على “ترقيع” الوضع وتمرير المرحلة باقل الخسائر، عملا بقاعدة الامن بالتراضي مع استبعاد الخيار العسكري لكلفته الغالية، في ظل الغطاء السياسي الحامي للارتكابات، ما سمح للاطراف المتقاتلة بالتحكم عمليا ببورصة التهدئة والتوتير، مع دخول عامل النزوح الشعبي على الخط لاول مرة، ما يطرح سلسلة من التساؤلات.
فهل يتجاوز الاقتتال حدود المخيم خدمة للاجندة السياسية الداخلية؟ وهل يكون عين الحلوة خشبة خلاص المتهيبين من الانتخابات البلدية؟ ام ان المخيم دخل ساحة الصراع الاقليمي؟ وهل من علاقة لما يحصل بالحديث عن “التسوية الفدرالية القادمة الى المنطقة؟ وارتباطا ما علاقة كل ذلك بزيارة لودريان وما اذا كانت الاخيرة؟ وذلك في ظل ما يتردد عن عزم قطر على الدخول بقوة على خط الوساطة، ووراثة الدور الفرنسي في المجال الرئاسي؟ كذلك في ملف عين الحلوة التي وجه اكثر من طرف اصابع الاتهام للدوحة بالوقوف خلفها وتمويلها والتحريض عليها.
ميشال نصر- الديار