الرسالة الوحيدة التي سمعها رعد من قائد الجيش.. وفرنجية كان على علم مسبق باللقاء!
مع انه لم يعد في واجهة الحدث بعد تقدم النزاعات المسلحة في مخيم عين الحلوة ما عداها، الا ان اللقاء الذي جمع رئيس كتلة نواب حزب الله محمد رعد بقائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يحتمل، بلا مبالغات، بعض التأويلات والظنون..
في الغالب تفصح التفاصيل الصغيرة – وان بعيدة الى حد من مشهد ما – عن أجزاء ذات اهمية لكن في رواية مكملة للحدث. لكنها ايضاً تميط اللثام عن جوانب في ما يدور بين الابطال واللاعبين على الهامش.
ليس اللقاء بين رئيس كتلة نواب حزب الله محمد رعد وقائد الجيش العماد جوزف عون مصادفة ومناسبة اجتماعية فحسب، بل مدبّراً من جانب واحد. ليس ابن ساعته حتى. المعلوم ان شقيق زوجة قائد الجيش العميد المتقاعد اندره رحال وراء ترتيب الاجتماع. عندما ابدى له رعد رغبة في عيادته في منزله بعد الجراحة الدقيقة التي اجريت له في الظهر، استأذنه رحال حضور قائد الجيش. راجع رعد قيادته من باب اخذ العلم فلم تمانع نظراً الى ما سيترتب من تفسيرات وتحليلات على حدوثه.
لم تكمن الاهمية في اجتماع القائد بمسؤول كبير في حزب الله بينما هو يجتمع اسبوعياً، كل ثلثاء تقريباً، برئيس وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا ويتغديان معاً، بل في دلالة حصوله بمغزى سياسي غير أمني على النحو المنوط بصفا مقاربته مع قائد الجيش، وفي عز الحوار الدائر بين صفا ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. صفا اقرب مسؤولي الحزب الى باسيل ومحاوره الرئيسي، وفي الوقت نفسه محاور قائد الجيش. يجمع بذلك، من دون أن يلتقيا معاً الا انه واسطة العقد المستحيل بينهما، نقيضين شاع منذ ما قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون انهما يتبادلان الكراهية. عند باسيل جوزف عون «اسوأ» من الوزير السابق سليمان فرنجيه، وعند القائد انه نجح في منعه من التدخّل في الجيش.
يصغي صفا الى كل منهما بأُذُنٍ لا تسمع الاخرى ما وصل الى الاولى. مهمته لدى الاول ابقاؤه حليفاً لحزبه، ولدى الثاني ابقاؤه ظهير المقاومة. ذلك ما سيضفي معنى مهماً لحصول لقاء الحازمية الذي لم يعدُ كونه في الاصل ان مسؤولاً حزبياً كبيراً يعود مريضاً.
قد لا تقتصر التفاصيل على هذا الجانب. العميد المتقاعد من رجال الرئيس السابق عندما كان قائداً للجيش، ورافقه في السنوات الطويلة اللاحقة، واوقفه الجيش مطلع التسعينات وهو ضابط فيه ايام العماد اميل لحود بسبب ولائه لسلفه. بعد تفاهم مار مخايل ارسى علاقات مع مسؤولين امنيين في حزب الله كالحاج ساجد المسؤول عن العلاقة مع الاحزاب الحليفة، ومن بينها التيار الوطني الحر. حصل لاحقاً خلاف ابعد رحال عن الشبكة تلك، الى ان اعاد تصويب العلاقة مع الحاج قاسم خَلَف ساجد. لم تجمعه مرة صلة بصفا وبمعاون الامين العام للحزب حسين خليل. في السنوات الاخيرة اختلف مع عون وانفصل عنه، وصادَق رعد وراح يتردد عليه. اضحى ذا مكانة مختلفة عام 2017 بتعيين صهره قائداً للجيش، فبات احد المداخل الرئيسية الى بابه. في وقت لاحق في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ناط به القائد دور ضابط ارتباط بين ميقاتي وصهره. ثابر على علاقة مع رعد وقطيعة مع الرئيس السابق للجمهورية. في ما يردده باسيل من اتهامات عن ارتكابات في قيادة الجيش يتهم عون مباشرة بها، يُشاع ان اصابع الاتهام موجهة الى دور ما الى شقيق زوجته.
تبعاً لذلك ليس اجتماع الحازمية اخيراً مصادفة، لكنه ايضاً ليس مدروساً. لأن رعد رغب في عيادة صديقه المريض، سعى الاخير مستأذناً الى ان يحضر القائد اللقاء كي يوجه رسالة مباشرة الى الزائر. لم يطلب حزب الله الاجتماع، ولم يطلبه عون مباشرة ايضاً لئلا يُفسَّر انه يطرح نفسه على حزب الله مرشحاً لرئاسة الجمهورية. ذلك ما يتيح الظن بأن للطرفين مصلحة في تسريب النبأ.
في ما كشف عن اللقاء جانب واحد مهم – ان لم يكن الاكثر اهمية – هو ما قاله عون لرعد ان ما يصل الى حزب الله عنه غير دقيق ويتعمّد الاساءة الى صورته. لم يُفصح عن المقصود الذي ينقل رسائل سلبية بين الحزب والقيادة، لكنه كاشف محدّثه ان ما ينقل عن لسانه او عن دوره، وخصوصاً الى الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، «غير صحيح»، تارة بالقول انه رجل الاميركيين، وطوراً بالقول انه غير موثوق به ذو اجندات خارجية، والقول انه سيتخلى عن المقاومة. في حوار مقتضب رغب القائد في تأكيد صواب خياراته ودور الجيش «لمصلحة لبنان» وطمأنه الحزب اليه.
استأذن رحال حضور صهره، فراجع رعد قيادته فالتقيا وسرّبا الخبر
لم تُثر انتخابات رئاسة الجمهورية كون رعد غير مكلف نقل رسالة حيالها الى عون الذي لم يقدّم نفسه على انه مرشح لرئاسة الجمهورية ويطلب تأييداً. تحدّثا في احداث مخيم عين الحلوة والتخوف من تداعياتها. اما الحصيلة المكملة لذاك الاجتماع، فمفادها الآتي:
– كان فرنجية على علم مسبق بحصوله في سياق التنسيق الدائم والمفتوح بينه وبين حزب الله.
– المحسوب ان اجتماعاً كهذا ليس من شأنه زعزعة تمسك حزب الله، كما الثنائي الشيعي، بفرنجية مرشحاً نهائياً له.
– المتفق عليه بين حزب الله وفرنجية هو ما ابلغه اليه الزعيم الزغرتاوي قبل اشهر طويلة، في خضم الاستحقاق الرئاسي، انه لن يكون عقبة في طريق انتخاب الرئيس عندما يحين اوان مقاربة انتخابات الرئاسة على انها مصلحة مباشرة للمقاومة. بالتأكيد لن يتراخى امام خصومه متمسكاً بترشحه، على ان الخيارات ليست موصدة الابواب.
– ليس خافياً لدى الحزب، دونما ان يتزحزح عن اقتناعاته وترشيحه حليفه، ان الدول الخمس المعنية بلبنان لا تبصر حلاً للمأزق الدستوري في الداخل الا بانتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية. على ان موقفاً كهذا لم يحظَ بعد بأوسع توافق وطني عليه خصوصاً من الفريق المحلي الاكثر تأثيراً في مسار الاستحقاق، وهو الثنائي الشيعي. من دونه لا انتخاب لرئيس اياً يكن، بيد ان كلفة جرّه الى سوى فرنجية ليست محلية، ان لم تكن ثقيلة الوطأة وباهظة الثمن على مَن يُفترض انه المقايض.
نقولا ناصيف- الاخبار