غداً الراعي في الجبل !!”
لا شك في انّ الزيارة التي يقوم بها البطريرك الماروني بشارة الراعي كل عام الى منطقة الجبل، من شأنها التأكيد على المصالحة التاريخية، التي أرساها سلفه الراحل البطريرك نصرالله صفير في شهر آب من العام ٢٠٠١ مع النائب السابق وليد جنبلاط، والتي ساهمت في طيّ الماضي الاليم والجراح، بعد معارك طاحنة في صيف العام 1983، والتي انتجت صفحات سوداء وقاتمة إستمرت عقوداً من الزمن حتى ازيلت من النفوس، بعدما كانت مناطق الجبل امثولة في التوافق المسيحي – الدرزي، خلال حقبة الراحلين الرئيس كميل شمعون والوزير كمال جنبلاط، اللذين حافظا على إستقرار الجبل ضمن عنوان: “ممنوع المسّ بوحدته ووحدة ابنائه من الطائفتين”. وهكذا كان الى ان طلّ شبح حرب الآخرين على ارض لبنان، والتي قضت على اسس العيش المشترك لسنوات عدة، الى ان حصلت المصالحة التي أثمرت طمأنينة في الجبل، وعودة غالبية اهلها الى قراهم، فصمد التوافق واُسقطت كل الحسابات الفئوية الضيقة، وعادت التقاليد الثنائية لتجتمع في القرى والبلدات المختلطة، وتعزّز أواصر الوحدة بين الاهالي، وتزيل الانقسامات العميقة التي كانت تطوقهم، وتمنع عنهم التلاقي الذي لطالما عايشوه.
الى ذلك، وانطلاقاً من هذه الصورة الجامعة المسيحية – الدرزية، تتجه الانظار الى يوم غد الجمعة لإنطلاق زيارة البطريرك الراعي الى الشوف، لتجديد اسس تلك المصالحة وركائزها.
وفي هذا الاطار، أشار راعي ابرشية صيدا ودير القمر للموارنة ومنسق جولة البطريرك الراعي الى الشوف المطران مارون العمّار خلال حديث لـ”الديار” الى انّ الهدف الاساسي للزيارة هو تثبيت جسور التواصل في الجبل، وهذا هو هدفنا في كل أرجاء الوطن”، وقال: “المهم اليوم الاضاءة على ثمار المصالحة بعد مضيّ 22 عاماً عليها، لنأخذ العبر ونستمر على نهجها ونتطلع الى الامام”، معتبراً انها “اعطت ثماراً مهمة، على أمل ان تعطي المزيد، لتشكل شهادة في العيش المشترك امام أبنائنا في منطقة الجبل”، واصفاً المصالحة “بالحياة الدائمة التي تسير نحو المستقبل”.
ورداً على سؤال حول مدى وجود خوف لدى بعض المسيحيين من العودة النهائية الى الجبل، أجاب المطران العمّار:” من أراد العودة لا شك انه عاد، ومَن لا يريد وإتخذ قراره لن يرجع، بل يتخذ العديد من الحجج، لكني اؤكد بأن لا اسباب سياسية تحول دون ذلك، قد تكون الاسباب اقتصادية لعدم عودة البعض، ولذا نعمل انطلاقاً من هنا على تسهيل رجوع أبناء الجبل الى ديارهم”.
وعن وجود اسباب امنية تحدّ من العودة، قال: “لا ارى اسباباً امنية، ولم اعلم بأنّ مواطناً “إدامي” حُرم من العودة الى بلدته، فالجبل منطقة سلام ومَن يريد الحرب بالتأكيد لن يرجع، وهذا الكلام موجّه الى الطرفين”، لافتاً الى “انّ الوضع مطمئن، والدليل انّ السلام يعّم الجبل منذ 22 عاماً، اي منذ تاريخ تكريس المصالحة المسيحية – الدرزية”.
وحول علاقته مع النائب السابق وليد جنبلاط، وصف العلاقة بالجيدة، ولفت الى “وجود توافق مع الجميع، مع الامل بأن يستمر كل هذا مع خطوات اكثر ايجابية في المستقبل القريب”.
وعن برنامج الزيارة، اشار العمّار الى “انّ جولة سيّدنا الراعي ستبدأ صباحاً في منطقة شانيه، للقاء شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سامي ابي المنى، وبعدها سيترافقان سوياً الى مطرانية بيت الدين، ومن ثم الى المكتبة الوطنية في بعقلين، حيث ستقام ندوة تشارك فيها فعاليات منطقة الجبل، حيث يلقي البطريرك الراعي والشيخ ابي المنى كلمتين في المناسبة، يتحدثان خلالهما عن النتيجة التي إنبثقت عن المصالحة، وكيفية تعزيزها اكثر من قبل المسيحيين والدروز، والعمل على الحدّ من هجرة الشباب من الطائفتين، وتجذيرهم في ارضهم، ومدى قيام الاوقاف بتسهيل عملية إبقائهم في المنطقة كجيل واعد، وبعدها يقام غداء في المختارة بدعوة من النائب السابق وليد جنبلاط . وعند السادسة مساءً يحتفل بقداس في كنيسة سيدة الخلاص في بيت الدين، لمناسبة ميلاد السيدة العذراء، حيث سيلقي عظة في حضور حشد كبير من المؤمنين واهالي المنطقة”.
ولفت الى “ان عدداً من المطارنة سيرافقون الراعي، من ضمنهم راعي ابرشية صيدا ودير القمر لطائفة الروم الكاثوليك المطران ايلي حداد، ومتروبوليت صور وصيدا ومرجعيون لطائفة الروم الأرثوذكس المطران الياس كفوري، على ان يكون راعي أبرشيّة بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر في شانيه، والمطران بولس مطر في بيت الدين”.
وفي السياق، يقول منسّق الزيارة من الجهة الدرزية، المستشــار الاعلامي لمشــيخة العقل الشــيخ عامر زين الدين لـ”الديار”: “يأتي هذا اللقاء ضمن إطار تكريس روحية المصالحة الوطنية، التي طوت صفحة الجراح، بعدما شكلّت غيمة سوداء في سماء الجبل، واليوم ستكون تحت عنوان “ثمار المصالحة وآفاق المستقبل” من اجل تعزيز تلك الروحية، والوجود المسيحي- الدرزي في آن”.
واشار الى “وجود أفكار ستساهم في خلق المناخات الايجابية، ومن ضمنها المناخ الاقتصادي تكريساً لهذا الوجود، ولتثبيت أبناء الجبل في قراهم، في ظل الواقع المعيشي الصعب الذي يمّر به لبنان، وبالتالي كي لا يفرغ الجبل من شبابه كما يحصل في كل لبنان، وخصوصاً من الادمغة التي تترك الوطن وتهاجر”.
صونيا رزق- الديار