“تهريب” النازحين السوريين بمئات آلاف الدولارات: “على الراس” بين 100 و300 دولار أميركي “طازج”!
ثمّة تجارة جديدة، بالدولار الفريش، على الحدود السورية – اللبنانية في عكّار، تدرّ مئات آلاف الدولارات يومياً. هذه التجارة هي “تهريب” النازحين السوريين من سوريا إلى لبنان. ويراوح المبلغ “على الراس” بين 100 و300 دولار أميركي “طازج”.
الأرض الخصبة لهذه التجارة هي الفقر المدقع، والأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت لبنان كلّه، فكيف بالأطراف البعيدة والمنسيّة؟
الجديد أنّ “التهريب” بات “بلا طائفة” و”بلا مذهب”. فالقرى المسيحية دخلت اللعبة أخيراً، فصار خطّ التهريب من مشتى حسن إلى مشتى حمود، وهما ذواتا أغلبية سنّيّة، وصولاً إلى شدرا والعوينات ذواتَيْ الأكثرية المسيحية. والداخلون أفواجاً ليسوا بالمئات، بل في بعض الأيّام بالآلاف.
القرى الحدودية هناك متداخلة، حتى إنّ منازل لبنانية تقع على أراضٍ سورية، والعكس. ولذا يصعب على الأجهزة الأمنيّة ضبط حدود متعرّجة وصعبة ومعقّدة كهذه. والعائلات السورية تبيع كلّ ما تملك لتجمع مبلغاً ماليّاً يكفي لدخول الأراضي اللبنانية عبر المعابر غير الشرعية، طلباً للعمل وهرباً من الجوع ومن الحصار في سوريا، مع انهيار الليرة والأزمة التي اشتدّت في الأشهر الأخيرة.
أين الجيش والأجهزة؟
يقول العارفون إنّ بعض العناصر والضبّاط في الجيش والأجهزة الأمنيّة ممّن هم على الأرض في المنطقة متورّطة في هذه العمليّات. وقد تمّت محاسبة العديد منهم ومعاقبتهم وسجنهم ونقلهم، لكنّ مئات آلاف الدولارات يومياً قادرة على إفساد جيوش كثيرة، في ظلّ أزمة خانقة في كلّ مكان. والعائلات العاديّة التي لا تعرف شيئاً عن التهريب، انخرطت. بعض أفرادها أُوقفوا، ثمّ خرجوا وأكملوا عملهم كأنّ شيئاً لم يكن بسبب قوّة “الدفق الماليّ”.
أوقف الجيش في شهر آب وحده أكثر من 7 آلاف متسلّل سوري عبر هذه القرى، فكم عدد الذين استطاعوا التسلّل بنجاح؟
تقول مصادر مقرّبة من الجيش في الشمال لـ”أساس” إنّ المؤسّسة العسكرية الجيش تعمل على توقيف المئات من المتسلّلين كلّ يوم لإعادتهم: “الخطر الأكبر أنّ أكثريّتهم من الشباب، وهم من منطقة إدلب أو شمال حلب، الأمر الذي يُعتبر مخيفاً في حال عدم القدرة على الحدّ من هذه الظاهرة”. وتشير هذه المصادر إلى أنّهم “يحاولون دخول لبنان ليس فقط للبقاء فيه بل للهروب مجدّداً عبر البحر إلى أوروبا”.
الجدير ذكره أنّ الحدود الشمالية تختلف عن الحدود على السلسلة الشرقية. في الشرق نجح الجيش في بناء مراكز تتوزّع على مختلف الجبهات، ووضع كاميرات مراقبة لا يستطيع أحد القفز فوقها. لكنّ الأمور مختلفة في القرى الشمالية الحدودية حيث دخلت العائلات العاديّة وبيوتها على الخطّ، ودخل اللعبة عناصر وضبّاط أيضاً، هرباً من الأزمة الاجتماعية.
آليّات قانونيّة شائكة
عام 2019 صدر قرار عن المجلس الأعلى للدفاع بتسليم كلّ السوريين الذين يدخلون لبنان بطرق غير شرعية إلى السلطات السورية. إلّا أنّ هذه الآليّة لم تُعتمد دائماً، وتحوّلت إعادة السوريين الهاربين إلى قضية إشكالية لأكثر من سبب، منها ما هو سياسي مرتبط بالعلاقات اللبنانية-السورية، ومنها ما هو إنساني “دولي” كانت وراءه حملة ممنهجة ضدّ تسليم السوريين إلى السلطات السورية خوفاً من سجنهم أو إيذائهم.
في الخلاصة يقول نائب عكار جيمي جبور لـ”أساس” إنّ “بين الأمن العامّ والجيش اللبناني حلقةً مفقودةً تمنع عودة السوريين. فالجيش يعمل على توقيف من يمكن توقيفه، ثمّ يعيده إلى الحدود من حيث دخل، وهذه الآليّة أثبتت فشلها لأنّها تسمح بعودة السوريين إلى لبنان”. وفي حين طالب جبور بتسليم السوريين إلى السلطات السورية لضمان عدم عودتهم، تبرز إشكالية قانونية في معاقبة “تجّار البشر”. وفي هذا السياق يقول النائب السابق هادي حبيش لـ”أساس” إنّ “القانون بحاجة إلى تحديث، فعقوبة تجارة البشر لا تصل إلى حدود الجناية، ولذا يستسهل البعض القيام بها لأنّ عقوبتها مخفّفة.”
انفجار اجتماعيّ قريب
يُجمع المسؤولون في القضاء على أنّ هذه الحدود يصعب ضبطها حتى من الجيش اللبناني الذي أعلن قائده سابقاً القدرة على مراقبة جزء كبير من الحدود، وأنّ كلّ ما يحصل هناك يُنذر بانفجار اجتماعي مقبل.
إذا كان عدد اللاجئين السوريين قد وصل إلى ما يقارب مليونين، فإنّ دخول المئات منذ أشهر يذكّر بمرحلة عام 2011 يوم نزح السوريون هرباً من الحرب من دون حسيب أو رقيب لبناني.
تبدو اليوم الحكومة غائبة، ومجلس النواب غائباً، ولا مسؤول لبنانياً يسعى فعلياً إلى معالجة هذه الظاهرة التي بدأت منذ أشهر، بعدما اشتدّت أزمة السوريين وخنقتهم حاجتهم إلى رغيف الخبز.
في المنطقة حواجز للقوّة المشتركة التي يرأسها الجيش وتجتمع فيها الأجهزة الأمنيّة كافّة، وفي المنطقة أيضاً فوج الحدود البرّي في الجيش اللبناني، لكنّ كلّ هذه الأجهزة عاجزة عن ضبط الحدود في ظلّ غياب القرار السياسي.
جوزفين ديب- اساس