“ضربة” جديدة لمصالح فرنسا.. أسباب انقلاب الغابون والتداعيات المحتملة

بينما كان جيران النيجر يدرسون كيفية التدخل لاستعادة الحكم الديمقراطي في البلاد في أعقاب انقلاب يوليو الماضي، فوجئ العالم، الأربعاء، بانقلاب جديد بعد أسابيع قليلة، وعلى بعد نحو 800 كيلومتر فقط من النيجر.

ويمثل الانقلاب الجديد في الغابون الذي دبره كبار قادة الجيش “ضربة جديدة لمصالح فرنسا”، الدولة الاستعمارية القديمة والحليف الجديد لنظام حكم علي بونغو (64 عاما)، وفق تعبير صحيفة نيويورك تايمز.

كانت فرنسا ورئيسها، إيمانويل ماكرون، في وسط أزمة انقلاب النيجر، التي توفر لها مخزونات ضخمة من اليورانيوم، وقال في تصريحات قبل أيام: “واجهت فرنسا ودبلوماسيوها مواقف صعبة بشكل خاص في بعض البلدان في الأشهر الأخيرة، من السودان… إلى النيجر”.

وبعد نحو شهر من انقلاب النيجر، أعلن ضباط الجيش أنهم استولوا على السلطة في الغابون، الغنية بالنفط وتربطها علاقات وثيقة بفرنسا، بعد ساعات من إعلان نتائج الانتخابات المتنازع عليها والتي مدت فترة حكم الرئيس الحالي بونغو، وسط اتهامات بالتزوير.

وأعلن العسكريون الأربعاء “إنهاء النظام القائم” في البلاد ووضع رئيسها، الذي خلف والده في عام 2009، قيد الإقامة الجبرية وأوقف أحد أبنائه بتهمة “الخيانة العظمى”، وقد كان موضع تكهنات بأن والده ينوي توريثه السلطة.

وسمع دوي إطلاق نار في العاصمة، ليبرفيل، من محيط المقر الرئاسي بعد وقت قصير من الإعلان، ثم أعلن لاحقا أن قائد الحرس الجمهوري، الجنرال بريس أوليغي نغيما، بات قائدا للمجلس العسكري.

وبعد ساعات، ظهر بونغو في مقطع نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يطلب المساعدة الدولية، بينما أظهرت صور بثها التلفزيون الحكومي مئات الجنود يحملون أوليغيعلى على الأكتاف.

وهذا الانقلاب “هو الأحدث في سلسلة غير عادية من الانقلابات العسكرية في غرب ووسط أفريقيا، تسعة على الأقل منها في السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك انقلاب، الشهر الماضي، في النيجر، الذي أطاح الرئيس محمد بازوم”، وفق الصحيفة.

أسباب الانقلاب
وتقول خبيرة الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام للدرسات السياسية والاستراتيجية، أماني الطويل، لموقع الحرة، إن هذا الانقلاب “جاء كرد فعل على نظام حكم سلطوي ممتد اتسم بالفساد وتسبب في احتقان شعبي من رئيس متحالف مع فرنسا ولا يعتمد على الحكم الرشيد ويطبق الديمقراطية شكليا”.

وترى أن تراكم الاحتقان هذا تم التعبير عنه في صورة انقلاب.

ويشير ناصر فرغل، أستاذ الإعلام السياسي، وخبير نظم الحكم، في تصريحات لموقع الحرة، إلى أسباب داخلية وخارجية وراء التحرك الأخير، ويقول إن الغابون ليست بمنعزل على مشكلة غياب الحكم الرشيد والديمقراطية.

وتقول نيويورك تايمز إنه عندما واجه بونغو انتقادات بسبب الدورات الانتخابية التي كان يشوبها التزوير والعنف، حظي بإشادة كبيرة من قبل العلماء والمدافعين عن البيئة لإدارته لغابات الجابون المترامية الأطراف التي تقلل من كميات الكربون.

وما يقرب من 90 في المئة من الغابون مغطاة بالغابات المطيرة. وقدم بونغو، الذي يشارك بانتظام في مؤتمرات المناخ الدولية، تدابير شاملة لحماية تلك الغابات وإنقاذ المناطق البحرية في البلاد من الصيد الجائر.

وانتقد فرغل “الإصرار على مساندة الديكتاتوريات المكروهة شعبيا في أفريقيا”، وفي الغابون “تم تجاهل خطط الرئيس للتوريث ومشاكله الصحية التي جعلته يستعين بعصا من أجل الحركة”.

ولم تكن الغابون استثناء من واقع مضطرب في المنطقة، حيث اضطر الرئيس السنغالي، ماكي سال، مؤخرا إلى التنحي بسبب الاحتجاجات، وكانت الانتخابات التي جرت في زيمبابوي محل نزاع أيضا.

وكانت الولاية الثالثة لبونغو مثيرة للجدل، وتصاعدت التوترات والمخاوف من وقوع اضطرابات بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتشريعية، التي أجريت السبت الماضي، بعد شكوك بشأن نتيجة الانتخابات عززها غياب المراقبين الدوليين، وقطع خدمة الإنترنت، وفرض حظر التجول ليلا في جميع أنحاء البلاد بعد الانتخابات.

وفي أجواء من التوتر، وفور إعلان الهيئة الانتخابية الوطنية أن بونغو فاز في الانتخابات بنسبة 65 في المئة من الأصوات، ظهرت مجموعة تضم نحو 12 عسكريا عبر شاشة محطة “غابون 24” من القصر الرئاسي، وأعلنوا أنهم “يضعون حدا للنظام”.

وفي معرض إدانة ما أسماه “الحكم غير المسؤول وغير المتوقع” في عهد بونغو، أعلن المتحدث باسم المجموعة على شاشة التلفزيون: “يا شعب الغابون، نحن أخيرا على طريق السعادة”.

واعتبر العسكريون أن الانتخابات “لم تستوف شروط الاقتراع الشفاف” واستنكروا “حكما غير مسؤول يتسبب بتدهور مستمر للتماسك الاجتماعي، ما قد يؤدي إلى دخول البلاد في حالة من الفوضى”.

يتهم الغابونيون أيضا رئيسهم بعدم قدرته على النهوض باقتصاد البلاد المتهالك، رغم الثروات التي تزخر بها، فهي تعد واحدة من أغنى الدول في أفريقيا من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى عائدات النفط وقلة عدد السكان الذي يبلغ 2.3 مليون نسمة.

وفي السبعينيات، اكتشفت البلاد احتياطيات نفطية وفيرة في الخارج، ما سمح لها ببناء طبقة متوسطة قوية وكسب لقب “الإمارة الصغيرة في وسط أفريقيا”، وفق فرانس برس.

ويشكل النفط 60 في المئة من إيرادات البلاد. وهي أكبر منتجي الذهب الأسود في أفريقيا جنوب الصحراء، وسابع أكبر منتج له في أفريقيا، وعضو في منظمة “أوبك”.

لكن تعجر السلطات عن تنويع الاقتصاد بشكل كاف، حيث لايزال يعتمد إلى حد بعيد على المحروقات، ويعيش فرد واحد من أصل كل ثلاثة تحت خط الفقر، وما يقرب من 40 في المئة من الغابونيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما عاطلون عن العمل، وفقا للبنك الدولي.

ويقول فرغل، وهو مدرس جامعي له إصدارات في نظم الحكم، إن المواطن العادي لم يشعر بأنه تصله ثمار التنمية.

فرنسا.. من أزمة إلى أزمة
وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن انقلاب الغابون يمثل “ضربة” جديدة لمصالح فرنسا، الدولة التي استعمرت الغابون، حتى عام 1960، وكان بونغو وعائلته من بين أقوى حلفاء فرنسا في أفريقيا لعقود من الزمن، ويعتبر تجسيدا للنفوذ الفرنسي المتبقي حتى مع تضاؤل قبضة فرنسا على المستعمرات السابقة الأخرى، وفق الصحيفة.

وتهيمن الشركات الفرنسية على صناعة النفط هناك، ويتمركز حوالي 400 جندي فرنسي في البلاد، والعديد منهم في قاعدة كامب ديغول العسكرية في ليبرفيل.

وأصبحت الغابون في عام 2022 أهم وجهة للصادرات الفرنسية بين الدول الستّ الأعضاء في المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا (CEMAC)، وفق فرانس برس.

الحرة

مقالات ذات صلة