ألبان وأجبان تُخْلَط بالنشا والجفصين وبقايا براز بشري: والرقابة “لا تنده ما في حدا”
نائبة رئيس جمعيّة حماية المستهلك لـ “الديار”: مسؤولية مُراقبة سلامة الغذاء
عمل تقاطعي بين “الإقتصاد” و “الزراعة” و “الصناعة” و “الصحّة” والبلديات
شنّ مراقبو وزارة الاقتصاد بمؤازرة قوة من امن الدولة حملة مداهمات باتجاه دكاكين صناعة الالبان والاجبان والحلويات. وكانت أصدرت وزارة الاقتصاد قرارا يقضي بتعليق التداول بحوالي 9 أصناف من اللبنة واللبن لعدم مطابقتها المواصفات القياسية اللبنانية، وفرضت على الجهات المصنّعة سحب منتجاتها من الأسواق اللبنانية خلال 3 أيام، تمهيدا لتلفها تحت طائلة الملاحقة القانونية.
في سياق المتابعة والمراقبة، علّق المدير العام في وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر التداول بصنفين من الجبنة واللبنة من انتاج معملي “granpa” و “dairy AF”، وأمر بسحب منتجاتهما من الأسواق. أيضا تم اغلاق معامل لصناعة الالبان والأجانب والحلويات في كل من صيدا، النبطية، القليلة، صور، مرجعيون ، صيدا وزعرتا. بالتوازي، دهمت امن الدولة معملاً للأجبان والالبان في عربصاليم وختمته بالشمع الأحمر، بعدما تبين وجود بكتيريا وبقايا براز بشري في المياه المستعملة.
وفي الإطار، كان كشف رئيس “جمعية حماية المستهلك” في لبنان زهير برو عن ممارسات تحصل بتصنيع مواد غذائية، كخلط الالبان بالجفصين والنشا والزيت النباتي، لتوفير المواد الأولية ولزيادة حجم ووزن العبوة.
وتجدر الاشارة، الى ان الشظف دفع بالكثير من العائلات غير الميسورة، خاصة الفئة التي تعاني من فقر مدقع، الى شراء أنواع من هذه المنتجات كونها رخيصة الثمن، فازدهر سوق الغش بمختلف تسمياته، لتتحول هذه الصناعة الى مصدر تجارة رابحة كالدجاجة التي تبيض ذهبا لأصحابها.
ما هو داء الليستيريات؟
طبيا، الضرر الصحي جراء استهلاك هذه الأنواع جسيم، لان المواد الأولية المستخدمة مخالفة وعكس المكونات الأساسية المطلوبة في صناعة الالبان. فانتشرت العلامات التجارية الهجينة والمستجدة في السوق المحلي، وبيعت بأسعار زهيدة مقارنة مع تلك الجيدة او المطابقة للشروط الصحية. وتعتبر منتجات الالبان التي توفر التغذية ذات أهمية أساسية في الحياة اليومية منذ العصور القديمة. فالتلوث الجرثومي في الحليب بسبب صفاته القابلة للتلف والعفن، يؤدي الى وجود مسببات الامراض غير المرغوب فيها، فينتج مرض الليستيريا عن البكتيريا التي يمكن ان تنمو في درجات حرارة باردة.
وداء الليستيريات مرض يحدث جراء العدوى ببكتيريا الليستيريا، وربما يكون علاج هذا الفيروس بسيطا ويشفى الشخص خلال أيام دون الحاجة الى دخول مستشفى. لكن هذه العدوى قد تشكل تهديدا للحوامل ولمن يعاني من مرض نقص المناعة، على الرغم من ان اعراض داء الليستيريا عادة تكون خفيفة لدى اغلبية المصابين، فإنه في حالات نادرة قد تتطور العدوى وتسبب مضاعفات خطرة مثل التهاب السحايا وقد تقود الى الموت. اما الأغذية التي يرتفع فيها خطر نقلها لعدوى الليستيريا فهي: الحليب غير المبستر، منتجات الالبان المصنعة من حليب غير مبستر، الاجبان الطرية، اللحوم والسلمون المدخّن.
التلوث جرثومي وغياب الرقابة!
على خطٍ غذائي متصل، قال الأستاذ في علم الغذاء في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور حسين حسن لـ “الديار” ان “الأغذية التي تحتوي على ماء وبروتين مثل الالبان والاجبان والبيض واللحوم، معرضة أكثر من غيرها للتلوث الجرثومي، لان هذه الأنواع هي بيئة حاضنة للجراثيم”.
أضاف: “في الآونة الأخيرة زادت مشكلة التلوث بسبب التراخي في الحفاظ على تبريد هذه المواد، سواء اثناء عملية النقل او خلال التجزئة او التسويق. واتسمت هذه المصانع بالشّح لجهة اخضاع هذه المنتجات للفحوص المخبرية والاختبارات اللازمة للتأكد من سلامة المستحضر، أضف الى ذلك غياب الرقابة لان القطاع العام شبه متوقف عن العمل”.
واشار الى “ان الجراثيم المتواجدة في الالبان هي: “الايكولاي” ، “السالمونيلا” و”الكواليفورم” وهي أنواع ليست جديدة، الا انها زادت كثيرا في الفترة الاخيرة”، مشيرا الى “ان الحل للحد من انتشار الأغذية المغشوشة او الملوثة يتمثل بفك الاضراب في القطاع العام وزيادة الرقابة على هذه المصانع، كونها شركات خاصة تبغي الربح من خلال التوفير في المكونات الأساسية قدر الإمكان”. وقال : “بالمقابل علينا الا ننسى انه يوجد في لبنان أصناف أخرى ممتازة من علامات تجارية عريقة، ولها اسمها وتحافظ على جودة منتجاتها”.
المسؤولية تقاطعية
بالموازاة، أوضحت نائبة رئيس “جمعية حماية المستهلك” د. ندى نعمة لـ “الديار” ان موضوع “سلامة الغذاء ليس جديدا، وعمليّا نفتقد الى تفعيل دور الرقابة الرسمية على المعامل للتحقق من التزامها بالمواصفات القياسية اللبنانية، بالإشارة الى ان الازمة الاقتصادية زادت الطين بلّة”، واشارت الى “ان الاصابات بالتسمم الغذائي كبيرة، الا ان الايجابي في هذا الموضوع هو وعي الناس”.
وشرحت العوامل المرجحة للتلوث في المصانع وتبدأ “بالمياه المستعملة، وطريقة التعامل مع هذا القطاع الذي يعتبر قطاعا يدويا ، لان الإنتاج يعتمد على الانسان، وفي حال كان الأخير غير خاضع للتدريب او مطّلع على شروط النظافة والتصنيع الجيد، فمن المؤكد ان الإنتاج سيكون ملوثا”. واردفت: “هذه المعامل غير ملتزمة بأنظمة الجودة والمراقبة، كما لا يوجد شخص متخصص داخل المعمل ليراقب سلامة الغذاء”.
وألمحت الى ان “اغلاق معمل او اثنين ليس امرا كافيا، بل يجب اغلاق كل المعامل التي يثبت فيها التلوث حتى تكون الأمور أكثر جدية وصرامة، ولمعالجة هذه القضايا بالطرق القانونية والصحية السليمة”.
وتابعت “نشجع الصناعات الوطنية، ولكن تبيّن ان هذه المعامل هي عينها تقوم بتصدير منتجاتها وملتزمة تطبيق الشروط الصحية في السوق الخارجي، بينما تفعل عكس ذلك في السوق المحلي، لذلك المطلوب منها ان تراعي هذه المواصفات داخليا وخارجيا”. واكدت “ان هذه المصانع تحقق الربح في الأساس والمستجد هو تفشي الغش، وقد أشرنا الى هذا الكارثة الغذائية منذ بداية الازمة، وقدمنا شكوى الى الجهات المعنية ولم يتحرك أحد بهذا الاتجاه” وبعض الأنواع من الالبان والاجبان تباع في السوق “بالفلت” كمحضر غذائي”.
وأوضحت نعمة “ان المسؤولية في موضوع سلامة الغذاء تقاطعية، ولا تقع على عاتق وزارة الاقتصاد وحدها، لذلك فإن هذا الواجب يشمل ايضا كل من وزارات “الزراعة” و “الصناعة” و”الصحة” وايضا البلديات، فالجميع مسؤول في هذا المجال، انطلاقاً من القوانين والمراسيم المتوافرة، ان لجهة التنظيم والمراقبة او المتابعة”.
غادة عبد الرزاق- الديار