حرب الكويكب والكوكب… الأرض على موعد مع الاصطدام الكبير

هل لا يزال الفضاء يهدد الأرض حديثاً كما هددها قديماً؟

في أكثر من قراءة علمية تاريخية لمفكرين وعلماء وكتاب، نجد أن غالبية الحضارات القديمة قد وجهت تركيزها نحو الفضاء، وبنت صروحاً على الأرض متسقة مع النجوم والكواكب، وهذا ما نراه في الهرم الأكبر، وأهرامات حضارة المايا، وعديد من الأبنية التاريخية التي اعتبرت بمثابة مراصد فلكية، وظل التساؤل… لماذا؟

يبدو التفسير العقلاني الوحيد أن الإنسانية قد تلقت درساً، وربما دروساً مخيفة من الفضاء من قبل، بعضها أدى إلى فناء أنواع من الكائنات الحية كما الحال مع الديناصورات، وبعضها الآخر تسبب في كوارث عالمية للبشر في بقاع وأصقاع مختلفة.

الذين تابعوا التصريحات الصادرة عن وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) الأيام القليلة الماضية، وقر لديهم الخوف نفسه، من أن تكون قصة الإنسانية مع مزيد من الكويكبات الساقطة من السماء لا تزال قائمة.

تقول (ناسا) إن كويكباً يسمى EG1988 يتوقع أن يقترب من الأرض لمسافة تصل إلى 6.1 مليون كيلومتر يوم 23 أغسطس (آب) الجاري، عند الساعة 8:18 صباحاً بتوقيت غرينتش، حيث سيتقاطع مساره مع مدار الأرض.

يبلغ قطر الكويكب نحو 960 متراً، وسرعته 14.3 كيلومتر في الثانية، والمعروف أن الأجسام التي تقترب من الكرة الأرضية لمسافة أقل من 7.5 مليون كيلومتر، يحتمل أن تشكل خطراً على المسكونة وساكنيها.

يتساءل المرء: ما الذي يمكن أن تجري به المقادير حال تغير مسار هذا الكويكب واقترب أكثر أو لا قدر الله اصطدم بالأرض؟

هذا التساؤل بات يزعج علماء الكون برمته، وليس علماء (ناسا) فحسب، مما يدفعنا لا للغوص في عمق تحليل مشهد الكويكبات فيزيائياً، بل البحث في أنجع السبل اللازمة لمواجهتها ومجابهتها، حتى لا تحدث القارعة… من أين البداية؟

لماذا تحدث الاصطدامات الكونية؟

يبدو أن هذا التساؤل هو مفتاح البحث الرئيس عن ظاهرة اصطدام الكويكبات والمذنبات، عطفاً على النيازك بكوكب الأرض، وأفضل جواب يقدمه كتاب Vision How Sciene Will Revolutionize the 21st Century and Beyond “رؤى مستقبلية/ كيف سيغير العلم حياتنا في القرن الحادي والعشرين”، من تأليف ميتشيو كاكو، أستاذ كرسي “هنري سيمات” للفيزياء النظرية في سيتي كوليج في نيويورك.

بحسب كاكو تقع الأرض داخل قاعة رمادية كونية مليئة بآلاف “النيوز” (أجسام قريبة من الأرض) والتي يمكنها أن تمسح الحياة من على سطح الكوكب الأزرق.

ويعتقد بعض العلماء في مختبر الدفاع النفاث “كالتك” في ولاية كاليفورنيا أن 2000 أو أكثر من الكويكبات بحجم الجبال تحوم في الفضاء، من دون أن تكتشف.

عام 1991 قدرت (ناسا) أن هناك 1000 إلى أربعة آلاف كويكب بعرض أكبر من نصف ميل تعترض مدار الأرض، ويمكن لها أن تسبب تخريباً كبيراً للحضارة الإنسانية.

أما علماء جامعة أريزونا فيقدرون أن هناك 500 ألف كويكب قريب من الأرض بعرض أكبر من 100 متر، و100 مليون كويكب تعترض مدار الأرض بعرض 10 أمتار.

ومن المدهش أن هناك كل عام اصطداماً كويكبياً بالمتوسط، يخلق نحو 100 كيلوطن من القوة المتفجرة، غير أنه من حسن الحظ أن هذه الكويكبات تتحطم عادة عالياً في الغلاف الجوي، ونادراً ما تصطدم بسطح الأرض.

وبالرجوع إلى التاريخ القريب نجد أنه وفي عام 1996 كادت تقع حادثة مع هذه الكويكبات، فقد اقترب الكويكب JAI 1996 الذي يبلغ عرضه ثلث ميل إلى مسافة 280 ألف ميل من الأرض، أو أبعد قليلاً من القمر، وكان من الممكن له أن يضرب كوكب الأرض بقوة تكافئ 10 آلاف ميغا طن من الطاقة التفجيرية، وهي أكبر من مخزون الأسلحة النووية الروسية والأميركية.

هل كانت هناك وربما لا تزال حقائق مقلقة في شأن هذه الكويكبات؟

ذلك كذلك بالفعل، فالكويكبات التي ظهرت في الأعوام من 1993 إلى 1996، كانت أولاً غير مكتشفة، وظهرت فجأة كأنها آتية من الفراغ، وتتبدى الخطورة ثانية في أنها لم تكتشفها من قبل أي منظمة للرقابة تدعمها الحكومات، ولكنها اكتشفت بطريق الصدفة فقط، ومن المضحكات المبكيات أن كويكب JAI اكتشفه بالمصادفة طالبان من جامعة أريزونا.

ماذا يحدث حال اصطدام الكويكبات؟

عبر أكثر من دراسة علمية محققة ومدققة يمكن أن يخلص المرء إلى القول إن كويكباً واحداً بقطر كيلومتر واحد، أي قريب من ذاك الذي يقترب من الأرض نهار 23 أغسطس الجاري، يمكن أن يسبب دماراً كونياً عند اصطدامه بالأرض.

يقدر الفلكي توم جيرلس من جامعة أريزونا أن طاقة مثل هذا الكويكب ستكون بحدود مليون قنبلة من قنابل هيروشيما. ويضيف قائلاً “إذا ضرب هذا الكويكب الساحل الغربي للولايات المتحدة الأميركية فإنه سينهار كما في هزة أرضية، وستنهار كل الأبنية في نيويورك، وسوف تسوي موجة الاصطدام معظم أنحاء الولايات المتحدة بالأرض”.

وحال ضربت بعض من هذه الكويكبات البحار والمحيطات فإن موجة المد التي تخلقها يمكن أن تكون بارتفاع ميل، وهذا كاف لغمر كل المدن الساحلية في العالم. وعلى اليابسة، فإن الغبار والتراب الناجمين عن اصطدام الكويكب، واللذين ينطلقان إلى الجو، سيحجبان أشعة الشمس، ويسببان هبوط درجة الحرارة بشكل كبير.

هل من مثال حي حقيقي على ما يمكن أن يحدثه مثل هذا الاصطدام؟

كان آخر اصطدام ضخم وقع على الكرة الأرضية، هو الذي جرى في منطقة سيبيريا زمن روسيا القيصرية، وتحديداً في 30 يونيو (حزيران) 1908، قرب نهر تونجوسكا، عندما انفجر مذنب أو نيزك بقطر 50 ياردة (نحو 45 متراً)، في الجو، مما سبب تسطيح ما يقارب 1000 ميل مربع من الغابة، وبدا المشهد كما لو أن يداً ضخمة هبطت من السماء، وبلغ من ضراوة المشهد أن الاهتزازات تم تسجيلها من مسافات بعيدة جداً، فقد بلغت لندن.

يحفل التاريخ القديم بكثير من تلك الحوادث، فيخبرنا علماء الجيولوجيا أنه منذ نحو 15 ألف سنة ضرب أحد النيازك ولاية أريزونا الأميركية، مما تسبب في فجوة “بارينجر الشهيرة”، وخلف وراءه حفرة بعرض أربعة أميال تقريباً، ويرجح العلماء أن النيزك كان من النوع الحديدي وبحجم بناء مؤلف من 10 طوابق.

هنا يعود بنا الحديث كذلك إلى الحديث المتعلق بالديناصورات، والتي يقطع عديد من العلماء بأنها أبيدت من فوق سطح الأرض منذ نحو 65 مليون سنة، وذلك بحسب التاريخ الإشعاعي للحفريات التي اكتشفت حديثاً، بفعل شهاب أو نيزك ضرب منطقة “يوكاتان” في المكسيك، حافراً فجوة ضخمة بقطر 180 ميلاً، مما جعله أضخم جسم ضرب الكرة الأرضية في المليار سنة الأخيرة.

ماذا لو ضربت شظية “جي” الأرض؟

يعتقد أحدهم أن الحياة على كوكب الأرض ستنتهي حتماً، إنها مسألة وقت فحسب.

صاحب هذا الاعتقاد هو بيل ماجواير، الأستاذ الفخري بقسم الأخطار المناخية والجيوفيزيائية بكلية لندن الجامعية، ومدير مركز بنفيلد لأبحاث الأخطار.

ماجواير هو مؤلف عديد من الكتب الموصولة بعالم الفضاء وتهديدات الكويكبات والنيازك للأرض، منها “الكوكب الغاضب: التهديد التكتوني للحياة على الأرض” و”النجاة من هرمجدون: حلول لكوكب تحيق به التهديدات”.

في كتابه “الكوارث العالمية/ مقدمة قصيرة”، يحدثنا أنه في عام 1993 جاء اكتشاف كارولين شوميكر زوجة عالم الكواكب الراحل يوجين شوميكر (أميركي الجنسية) الذي حزن على رحيله كثر، وزميلها ديفيد ليفي، ليغير إلى الأبد تصورنا عن الأرض كملاذ مأمون ومريح معزول عن أصوات الطنين والانفجارات التي تحدث في كون عنيف متقلب.

كان فريق شوميكر قد رصد 21 كتلة صخرية ضخمة كانت ذات يوم جزءاً من مذنب تمزق بفعل مجال الجاذبية الهائل لكوكب المشتري، وهو كرة عملاقة تتألف من الهيدروجين والهيليوم، وتبلغ من عظم الحجم ما يكفي لتضم داخلها أكثر من 1300 أرض مثل أرضنا، لكن بدلاً من الدوران حول الشمس – كما تفعل معظم المذنبات – أمسكت بها جاذبية كوكب المشتري، فصارت تلك الشظايا الصخرية تدور الآن حول كوكب المشتري نفسه الذي يطلق عليه “ملك الكواكب”.

والثابت أنه بما أن كوكب المشتري لديه بالفعل عدد كبير من الأقمار، فإن إضافة عدد قليل إلى تلك الأقمار لم يكن مثيراً للاهتمام، إن لم يكن للاستغراب.

إلا أن الغريب في الأمر هو أن تلك “الأقمار” الجديدة كانت سريعة الزوال، فما أن يمر عام حتى ينتهي وجودها من طريق اصطدامها بسطح كوكب المشتري، وهو ما يمنح العلماء على الأرض فرصة للنظر إلى ما يحدث عندما يضرب كوكب كتلة كبيرة من الحطام الفضائي.

في 16 يوليو (تموز) عام 1994 ضرب أول جزء من مذنب شوميكر كوكب المشتري مسبباً تصاعد سحابة ضخمة من الغاز والحطام، ومفجراً موجة صدمة سريعة الانتشار.

توالت الشظية تلو الشظية على ضرب كوكب المشتري، وقد جمعت صور عديدة عبر التليسكوب الفضائي “هابل”، الذي يدور في مداره حول الأرض.

بعد يومين من وقوع الاصطدام الأول اصطدمت كتلة صخرية قطرها أربعة كيلومترات – يطلق عليها “الشظية جي” – بكوكب المشتري، بقوة تعادل قوة انفجار مليار طن من مادة الـ”تي أن تي” الشديدة الانفجار، وهو ما يعادل تقريباً ثمانية مليارات قنبلة ذرية في حجم تلك التي ضربت هيروشيما.

كان الوميض الناتج من ذلك الاصطدام المثير من الشدة حتى إن عديداً من تليسكوبات الأشعة تحت الحمراء التي كانت تراقب الحدث حجبت عنها الرؤية موقتاً.

مع تلاشي الوميض سريعاً كشف عن أثر داكن هائل للاصطدام تفوق رقعته حجم كوكب الأرض.

كانت الصور الرهيبة مولدة لتساؤل مخيف في ذهن كل من شاهدها: ماذا كان سيحدث للكرة الأرضية لو أن “الشظية جي” ضربت كوكب الأرض بدلاً من كوكب المشتري؟

الأرض هل تصاب بكويكب قاتل؟

دفع ما جرى على كوكب المشتري عام 1994 إلى تسريع الجهود من قبل العلماء، توقعاً وتحسباً للهول الذي لم يأت بعد.

عام 1996 وبعد عامين فقط من اصطدام كوكب المشتري، شكلت هيئة دولية تعرف باسم مؤسسة “حماية الفضاء”، كرست أهدافها لتعزيز البحث عن الكويكبات والمذنبات التي يحتمل أن تكون خطرة.

بدأت وكالة (ناسا) ووزارة الدفاع الأميركية تمويل المشاريع ذات الصلة بتلك الهيئة، وأنشأت حكومة المملكة المتحدة فريق عمل لدراسة خطر اصطدام الكويكبات والمذنبات بالأرض.

فجأة صار الجميع يريدون أن يعرفوا ما احتمالات اصطدام شظية مثل “جي” بالأرض في المستقبل، وماذا سيكون أثر ذلك التصادم على كوكبنا وعلى النوع البشري بوجه عام؟

بدا الجواب عن السؤال الأول سهلاً: الاحتمال يبلغ 100 في المئة.

هل معنى ذلك أن التساؤل لم يعد: هل ستصطدم الكويكبات بالأرض بل متى؟

الشاهد أنه عبر تاريخ الأرض الطويل منيت البسيطة بضربات كثيرة من حطام جاء من الفضاء، ومع أن مثل هذه التصادمات صارت الآن أقل شيوعاً بكثير مما كانت عليه منذ مليارات السنين، فإن كوكبنا سيضرب مرة أخرى، والسؤال الجوهري: متى سيكون هذا؟ وأما السؤال الأخير بخصوص مدى سوء أثر ذلك في الجنس البشري، فهذا يعتمد كثيراً على حجم الكتلة الصخرية التي ستصطدم بالأرض.

وفي قراءة أخرى نشرت مجموعة من التقديرات لعدد الكويكبات القريبة من الأرض التي يبلغ قطرها كيلومتراً واحداً فأكثر، وتشير أحدث تلك التقديرات إلى أن عددها يقارب الـ1000.

في شهر أغسطس من عام 2005 كان العلماء قد حددوا 794 جرماً من هذه الأجرام – ربما ما يعادل ثلاثة أرباع مجموعها الكلي – ومداراتها المتوقعة مستقبلاً لمعرفة ما إذا كانت تشكل خطراً على الأرض في المدى المتوسط، والبحث مستمر للعثور على تلك الأجرام كلها، وهي مهمة من شأنها أن تستغرق عقوداً أخرى في الأقل.

وبمجرد أن ينتهي ذلك، وعلى افتراض أنها ستكون بمنأى عنا، يمكننا حينها أن نشعر بقدر ولو بسيطاً من الطمأنينة، لكن للأسف لا تنتهي المشكلة عند هذا الحد، إذ لا يزال علينا أن نقلق من خطر آخر هو المذنبات.

المذنبات ومستقبل الحضارة البشرية

يحتاج حديث المذنبات إلى قراءة قائمة بذاتها، غير أنه باختصار غير مخل يمكن تعريفها بأنها كميات هائلة من الصخور والجليد قد يصل قطرها إلى 100 كيلومتر أو أكثر، وعلى النقيض من المدارات شبه الدائرية للكويكبات نجد معظم المذنبات تتبع مسارات إهليليجية (بيضاوية)، تحملها من المواضع الشديدة البرودة في النظام الشمسي الخارجي، أو ما يقع وراءه، إلى أن تصير على مقربة من الشمس، ثم تخرج مرة أخرى.

في أعماق الفضاء تكون المذنبات أجراماً غامضة يصعب رصدها، ومع ذلك فحين تدخل إلى النظام الشمسي تخضع لتحول ملحوظ.

ولطالما نظرت البشرية إلى ظهور المذنبات كنذير شؤم بالموت والكوارث، وهو اعتقاد لا يبعد عن الحقيقة بصورة ما، لا سيما أن سرعة تلك المذنبات تتراوح عادة بين 60 و70 كيلومتراً في الثانية، وهذه سرعة تفوق سرعة طائرة من طراز كونكورد 100 مرة، وتعادل نحو ثلاثة أضعاف سرعة الكويكبات القريبة من الأرض، وهذا يجعل وقوع تصادم بين أحد المذنبات والأرض أشد تأثيراً، ومن ثم أشد تدميراً وفتكاً.

أحد الاستنتاجات من ذلك هو أن اصطدام مذنب أو نيازك بالأرض يمكنه أن يهدد الحضارة الإنسانية أمر محتمل في المستقبل.

أكثر من ذلك فإنه قياساً على الحوادث السابقة يمكننا أن نعطي تقديراً قريباً من الواقع للفترة الزمنية، التي يمكن أن نتوقع فيها اصطداماً آخر، فاستنباطاً من قوانين نيوتن في الحركة، فهناك 400 كويكب بقطر أكبر من كيلومتر واحد تعترض الأرض، وستصدمها حتماً في وقت ما في المستقبل، ولذلك فإننا نتوقع أن نرى في الـ300 سنة المقبلة اصطداماً آخر بحجم انفجار سيبيريا السابق الإشارة إليه، والذي يمكنه أن يمحو مدينة كبيرة عن بكرة أبيها.

وعلى مدى آلاف السنين نتوقع أن نرى اصطداماً آخر من نوع “بارينجر”، الذي يمكنه أن يدمر منطقة بكاملها، لكن على مدى ملايين السنين فإننا نتوقع أن نرى اصطداماً آخر قد يهدد وجود البشر.

ولسوء الحظ فإن لهذه الكويكبات عامل تذبذب مرتفعاً، ونتيجة لذلك فقد خصصت وكالة (ناسا) ملايين من الدولارات لتحديد هذه الأجسام القاتلة للكواكب، وينجز عدد بسيط من الهواة هذا العمل.

اندبندنت

مقالات ذات صلة