عن “الفرفشة” الصّاخبة في لبنان المأزوم… رغم المحاولات المكررة لقتل الروح اللبنانيّة المتألّقة و”تسويد الحياة”!

ما من مصيبة يمكن أن تصيب دولة أكبر من أن يقبل أقنومها الأوّل، أي الشعب، في أن يتحوّل إلى “جثث متحرّكة” تنتظر، أمام مقبرة جماعية حُفرت لها، ساعة الرحيل النهائي!

مثل هذه الشعوب الغارقة في “كوما التعاسة” ستفقد القدرة المحتملة على إنقاذ نفسها مستقبلًا، من خلال التخلّي بسرعة عن “غريزة البقاء”!

وما من سبب يجب أن يدفع بالشعب اللبناني إلى مواجهة هذا المصير الأسود، على الرغم من المحاولات المكررة لـ”تسويد حياته وأفكاره وعقائده وإيمانه وأيّامه وشوراعه ومنازله وبيئته”، ليس لأنّه، بطبيعته، شعب مفطور على تجميل الحياة، فقط بل لأنّ لعنة الهجرات المتعاقبة التي مرّ بها تحوّلت إلى نعمة عليه، أيضًا!

وبهذا المعنى، فإنّ محاولة البعض إدراج الحفلات الضخمة والمهرجانات الكبرى التي تحتضنها بيروت والمناطق، في صيف استقطب حتى تاريخه حوالي مليون ونصف مليون زائر، في قائمة السلبية، لا تقع في مكانها الصحيح، إذ إنّ كبار الاقتصاديّين في العالم ينظرون بإيجابيّة مطلقة إلى الشعوب التي تثبت تعلقها بالحياة والرفاهية والفرح، على الرغم من الكوارث التي ألمّت بها، لأنّ شعوبًا مثلها، وبمجرد توافر الضمانات، تشجع الاستثمارات وتُحيي القطاعات وتسقطب اللاهثين وراء السعادة في العالم، وما أكثرهم!

وخلافًا لهؤلاء الذين يخلطون بين “شعبان ورمضان”، عن جهل هنا وبسوء نيّة هناك، يدرك علماء الاقتصاد أنّ وجود فئة من الشعب، سواء كان مقيمًا أو مغتربًا، تملك قدرة إنفاقية عالية، لا تلغي الكوارث التي تحدق بالغالبية العظمة من المقيمين الذين يمكنهم، ولو موسميًّا، الاستفادة من “فترة الإنفاق” لتخفيف أعباء البطالة الدائمة التي تثقل على معيشتهم!

أكثر من ذلك، فقد صحّحت الحفلات والمهرجانات والسهرات صورة لبنان في العالم، فهو ليس أرض حرب وموت وجوع وإجرام فقط بل هو قبل كل ذلك أرض حياة وحب وفرح وسعادة وانشراح، أيضًا. وإذا كان اللبناني، لألف سبب وسبب، غير قادر على محو الجزء المظلم من بلاده، إلّا أنّه قادر على منع الظلاميين من قتل الروح اللبنانيّة المتألّقة!

وحتى تاريخه، وعلى الرغم من انهيار كل شيء في لبنان، فإنّ الغالبية الكاسحة من اللبنانيّين تمكّنت، بفضل التآزر الاجتماعي والدعم الاغترابي، من تجاوز المآسي التي كانت تستهدف منازلها، ولم تسمح للتيئيس الذي يحترفه جميع العاملين في الحقل السياسي من بسط أجنحته الكاسرة عليها!

صحيح أنّ البعض يعتقد بأنّ على الشعب اللبناني قبل أن “يفرفش”، يكمل ما بدأه في 17 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019 ضد تحالف الفساد والسلاح، ولكنّ الصحيح أكثر أنّ الدفع التغييري خمد، بمجرّد أن خيّم شبح الموت فوق الجميع، وهو، سوف يحيا من جديد، مع اكتشاف اللبنانيّين مجدّدًا أنّ الحياة هي قدرهم وليس الفناء!

ولم يخطئ علماء الاجتماع عندما لفتوا إلى أنّ “الموتى” لا يثورون!

وعليه، فإنّ الضغط لإدانة مظاهر الفرح في صيفيّة لبنان، لا ينم عن روح وطنية متأهّبة بقدر ما يشي بوجود رغبة في إبقاء المحبطين على حالهم، لأنّ هناك فعلًا من يخشى على محاولات همينته على اللبنانيّين، حياة وثقافة وهويّة، ويكفي، لمن يرغب، أن يتأمّل بالمناطق التي غابت عنها كل الحفلات والسهرات والمهرجانات، وأبقيت رهينة خطباء “منابر الشقاء”!

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة