إشارات غير مطمئنة: اليوم الأول في «مصرف لبنان» من دون رياض سلامة!
برزت إشارات غير مطمئنة في اليوم الأول لتسلم نائب حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري موقع القرار الأول في السلطة النقدية، بالترافق مع وقف منصة «صيرفة»، وإرجاء حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي إلى نهاية الأسبوع «مبدئيا»، إقرار تعهدها بإعداد مشروع قانون يتيح لها الحصول على تمويل ائتماني بالدولار من احتياطي العملات الصعبة لدى البنك المركزي.
وأسهم الاستقرار النسبي لسعر صرف الليرة في الأسواق غير النظامية وانضباط التقلبات دون عتبة 90 ألف ليرة للدولار، وبالتالي انعدام الفوارق الربحية، في الحؤول دون أي ردود فعل فورية من قبل عملاء البنوك على وقف المبادلات النقدية عبر المنصة التي يديرها البنك المركزي، فيما اقتصرت العمليات المنفذة على صرف المخصصات الشهرية لموظفي القطاع العام بالدولار وبسعر 85.5 ألف ليرة.
لكن مصادر مصرفية معنية حذرت من تبعات تثبيت هذا التحول على أنشطة البنوك وعوائدها الكامنة في تحصيل عمولات بنسب تتراوح بين 3 و5 في المائة من المبالغ التي يجري تصريفها يوميا. في حين أن الأنشطة التقليدية للبنوك من إيداع وتسليف وتحويلات منعدمة تماماً وتقتصر تقريباً على تلبية السحوبات المتاحة للعملاء، مما سيضطرها إلى «إنعاش» اعتماد سياسات بديلة لخفض المصاريف، ولا سيما في ظل التكلفة المرتفعة لتشغيل شبكة الفروع من أجور وتقنيات وكهرباء وطاقة واتصالات وسواها.
ويخشى المسؤول المصرفي، من استحقاق موجة جديدة لإقفال الفروع المصرفية غير المجدية التي «صمدت» نسبيا خلال الفترة الماضية عبر العوائد المحققة من العمولات المجباة عن طريق تنفيذ المبادلات النقدية. ومما يحتّم الصرف الوشيك لدفعات جديدة بالعشرات في البنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم وبالمئات في البنوك الكبرى، لينضموا إلى أكثر من 8 آلاف من زملائهم الذين فقدوا وظائفهم تباعاً خلال الانهيار المالي والنقدي والمستمر منذ خريف عام 2019، كذلك الأمر بالنسبة لشبكة الفروع التي تقلص عددها الإجمالي من 1080 عشية الأزمة إلى نحو 760 فرعاً حالياً.
وبالتوازي، رصدت «الشرق الأوسط» نبرة اعتراضية متصاعدة لدى أوساط سياسية ومالية وقانونية على استعادة تسهيلات الصرف لصالح إنفاق الدولة واحتياجاتها المالية من المخزون المتناقص للاحتياطيات القائمة، والتي تمثل أساساً حقوقاً مشروعة للمودعين في البنوك، بوصفها الرصيد المتبقي والمنقوص من التوظيفات الإلزامية التي أودعتها البنوك وبنسبة 14 في المائة من مدخرات خاصة لمقيمين وغير مقيمين من أفراد ومؤسسات، وبما يشمل الحقوق العائدة لمودعين غير لبنانيين، وأغلبهم من دول عربية.
وبرز في هذا السياق مضمون الكتاب الذي وجهه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي إلى مجلس الوزراء، والذي أكد فيه أنه، «في حال لم تتمكن الدولة من سداد القرض في المستقبل القريب، وهذا هو المرجح، فسيكون ذلك على حساب ما تبقى من الاحتياطيات بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان وعلى حساب المودعين الذين يعانون من عدم قدرتهم على الحصول إلا على جزء بسيط من أموالهم». كذلك التنويه بأن «دعم الأجور في القطاع العام ليس من صلاحية السلطة النقدية وهو بمثابة تحويل من المودعين إلى العاملين في القطاع العام».
وإزاء تعمّد نشر مطالعة الشامي عقب انتهاء الجلسة الحكومية وقبل الانتهاء من مناقشتها واستخلاص القرار النهائي، لاحظ مسؤول مصرفي كبير أن الضمانات التي طلبتها القيادة الجديدة للبنك المركزي من الحكومة، لا تغيّر شيئاً من واقع نأي الدولة بكل سلطاتها عن دورها المحوري والأساسي في معالجة الانهيارات المحققة في المجالات كافة. بل إنه من المستغرب أن تنشد السلطة النقدية في انطلاقتها المتجددة، استخدام الوسائل عينها لبلوغ نتائج مختلفة.
وفضلاً عن الشكوك الموضوعية بتعذر إيفاء المبالغ الجديدة من قبل الدولة بعقود إقراض أو بمواد خاصة في قانون الموازنة، وعلى منوال التنصل المستمر من موجبات الدين العام الذي يفوق حسابياً عتبة 100 مليار دولار، لفت المسؤول المصرفي إلى أن المادة 91 من قانون النقد والتسليف التي تتيح للحكومة طلب التمويل الطارئ من البنك المركزي، تفرض عليه في الوقت عينه اقتراح «التدابير التي من شأنها الحد مما قد يكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيئة وخاصة الحد من تأثيره على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية».
وفي بعد آخر، ثمة مخاوف حقيقية تسود القطاع المالي، من استجرار نظرية الودائع المؤهلة وغير المؤهلة إلى تصنيف الديون المتوجبة على الدولة. فالمقاربات الحكومية لمعالجة الفجوة المالية البالغة نحو 73 مليار دولار، لا تزال ترتكز، وحتى إشعار آخر، على تحميل الجزء الأكبر من الأعباء على المودعين الذين يعانون في تنفيذ حصص سحوبات شهرية محدودة ( 1600 دولار بموجب التعميم 151) وتتعرض لاقتطاعات قاسية بنسبة تقارب 84 في المائة من المبلغ المستحق. بينما يبلغ الرصيد الباقي لإجمالي الودائع المحررة بالدولار نحو 93 مليار دولار.
كذلك، فإنه وفي حال اعتماد آليات خاصة بالديون الجديدة، فإن الحكومة ستبعث برسالة سيئة للغاية إلى حاملي ديونها باستبعادهم مجدداً من موجبات الحصول على حقوقهم، بعدما أعلنت الحكومة السابقة في مارس (آذار) من عام 2020 التوقف عن دفع مستحقات أصول وفوائد سندات الدين الدولية التي كانت تبلغ حينها نحو 31 مليار دولار. وفي حين أطاحت باقتراحات داخلية وخارجية مجدية للشروع بمفاوضات بناءة معهم تمهّد لإعادة هيكلة الديون الدولارية والمجدولة أساسا حتى عام 2037. علما أن مخزون العملات الصعبة كان يتعدى حينذاك 32 مليار دولار.
علي زين الدين- الشرق الاوسط