السلطة ستخذل منصوري: أسابيع تفصلنا عن 3 سيناريوهات… والبديل: صيرفة؟

بينما كان رياض سلامة يودّع موظفي مصرف لبنان على وقع الاحتفالات في باحة المصرف المركزي الداخلية ، أطل حاكم المصرف الجديد وسيم منصوري أمام عدسات الكاميرا في كلمة مباشرة على الهواء، وضع خلالها النقاط على حروف نصّه الجديد، محاولاً رسم قواعد الاشتباك الجديدة بين مصرف لبنان من جهة وبين الحكومة والبرلمان، في محاولة لإعادة رسم “الحدّ الفاصل” بين مصرف لبنان وبين السلطة السياسية. ذاك الحدّ الذي رسّمه قانون النقد والتسليف وتجاوزه رياض سلامة على مدى 30 سنة.

وضع منصوري خيارات المرحلة، وأطّر شكل علاقة مصرف لبنان مع الحكومة والسلطة ككل، حاصراً إياها بخيارين:

1- الاستمرار بالسياسات السابقة، أي التدخل في السوق عبر “صيرفة” و/أو الصرف من احتياطات “المركزي” والتوظيفات الإلزامية بلا حساب، وحتى آخر دولار أو أونصة ذهب في خزائن “المركزي”.

2- وقف تمويل الدولة بالكامل.

وفق الخيار الأول، فإن منصوري أصر أنّه لن يوقّع على أي أمر صرف للحكومة خارج قناعاته، رافضاً بذلك (من دون أن يقول ذلك طبعاً) أن يكون “رياض سلامة” آخر بـnew version، مؤكداً أنّ هذه السياسة ستوصل مصرف لبنان في وقت ليس ببعيد، إلى خسارة كل ما لديه من عملات صعبة ولهذا يرفض الاستمرار وفق هذا النهج.

وفق الخيار الثاني الذي يراهن عليه منصوري ونواب الحاكم البقية الذين لم يُسمع لهم صوتٌ خلال الكلمة المتلفزة، فإن قاعدة الاشتباك الجديد ستكون خطة “متعددة الأضلع”، لا يمكن تنفيذها من دون التنسيق مع الحكومة ومجلس النواب.

هذه الخطة بحسب منصوري، تبدأ بإقرار القوانين الاصلاحية الأربعة:

– موازنة العامين 2023/2024.

– “الكابيتال كونترول”.

– قانون “إعادة هيكلة المصارف”.

– قانون “الانتظام المالي”.

خطّة الاستدانة من مصرف لبنان

يترافق إقرار هذه القوانين مع خطة تجيز للحكومة بالاستدانة من مصرف لبنان وفق شروط ضيقة ومحددة المعالم، كشف عنها منصوري وهي كالتالي:

1- التوقيت: أي أنّ القانون مشروط بوقت محدّد لا يمكن تمديده وحصرها الحاكم الجديد بـ6 أشهر.

2- الاسترداد: أي أن كل ما ينفقه مصرف لبنان من أموال، على الحكومة أن تعيده وفق آليات فعلية وواضحة وليس وفق كلام إنشائي أو نظري.

3- الطلب: كشف منصوري أن الحكومة ستكون الجهة الصالحة لتحديد حجم الأموال التي ستقترضها من المركزي بموجب هذا القانون، وهذا يعني أن مصرف لبنان لن يملي على الحكومة حاجتها، باعتبار أنها الجهة التي ستستدين وستعيد الدين.

منصوري اعتبر أنّ إقراض الحكومة في هذا التوقيت ، وإن كان من أموال التوظيفات الإلزامية، أي أموال المودعين فهو ليس ترفاً، بل هو بمنزلة “فترة سماح” معطاة من “المركزي” للحكومة من أجل تأمين الاستقرار الاجتماعي لـ400 ألف عائلة (موظفو القطاع العام) من خلال مهلة الأشهر الستة تلك، التي ستسمح للجميع (السلطة والمواطنين) بالتأقلم مع الواقع النقدي الجديد. لأنّ وقف التمويل بشكل الفوري لا يمكن أن يتم بشكل مفاجىء، مؤكداً في الوقت نفسه أن هذه الأشهر هي “فرصة لبنان النهائية”، ومؤكداً أنها ليست “مدة تعجيزية”، بل كافية من أجل تشريع تلك القوانين.

أما الواقع الجديد الذي طلب منصوري التأقلم معه، فعنوانه “توحيد وتحرير سعر الصرف”. أي جعل لعبة “العرض والطلب” في السوق تأخذ مجراها من أجل تحديد سعر صرف الدولار من دون أي تدخل من مصرف لبنان.

رهان منصوري والنواب الثلاثة على نجاح هذا الأمر، ينطلق من التالي:

1- تراجع الكتلة النقدية بالليرة في السوق مؤخراً من 80 إلى 60 تريليون ليرة لبنانية، أي بواقع 25%.

2- استئناف الجباية التي حققت حتى الآن 20 تريليون ليرة، بينها 11 تريليون ليرة “كاش”.

في نظر الحاكمية الجديدة، فإنّ هذا الواقع النقدي المستجدّ سيضبط سعر الصرف، وسيحول دون قدرة المضاربين على التأثير بسعر الدولار مستقبلاً. وإن حصلت المضاربة، فإن أجهزة الدولة، بحسب منصوري، أبدت استعدادها للتدخل من أجل مكافحة المضاربة والمضاربين، على غرار ما فعلت قبل أشهر، أي يوم اعتقلت عدداً من الصرافين والمضاربين وسمحت للمركزي بفرض استقرار سعر الصرف.

أسابيع تفصلنا عن 3 سيناريوهات

إذا أردنا رسم خارطة تحرك السلطة السياسية والنقدية في الأسابيع المقبلة، فقد نكون أمام 3 سيناريوهات:

– السناريو الأول: عدم إقرار أي من القوانين المذكورة.

فالمجلس النيابي منقسم بين مجموعتين:

1- كتل نيابية تعتبر المجلس هيئة ناخبة في ظل الفراغ الرئاسي وترفض التشريع: القوات اللبنانية، الكتائب اللبنانية، نواب التغيير، وربّما “التيار الوطني حرّ”.

2- كتل نيابية تؤكد أن لا مانع من التشريع في ظلّ الفراغ الرئاسي، مع العلم أن هذه الكتل نفسها كانت تعطّل تشريع القوانين المذكورة منذ 3 سنوات، لكنّها تبدي استعدادها نظرياً للتجاوب مع مطالب الحاكمية الجديد اليوم.

هذا الواقع قد يعطّل انعقاد جلسات مجلس النواب، وبالتالي لن تتحقق مطال نواب الحاكم الأربعة أبداً. في هذه الحالة ستكون الحاكمية الجديدة أمام تحدّي الاستمرار بتنفيذ سياسات رياض سلامة التي تقضي بالتدخل في السوق بيعاً وشراءً للدولار عبر منصّة “صيرفة”… وهذا قد يفتح الباب مجدداً أمام احتمال استقالة النائب الأوّل، أو استقالة النواب الأربعة.

– السيناريو الثاني: أن يوافق المجلس النيابي، بعجيبة ما، على التشريع. فيقر قانون إقراض الحكومة دون القوانين الاصلاحية الأخرى. أي يوافق المجلس على استخدام أموال مصرف لبنان وفق الشروط والمهل التي وضعها نواب الحاكم الأربعة، من أجل شراء المزيد من الوقت، علّ مهلة الأسهر الستة تنتج انتخابات رئاسية فتُحلّ الازمات كلّها بعد ذلك.

في هذه الحالة سيجد نواب الحاكم أنفسهم محشورين في خانة إقراض “أموال المودعين” إلى الحكومة ضمن اللعبة نفسها التي وقع رياض سلامة ضحيتها مع السلطة، واستبدلها قبل عامين بمنصّة “صيرفة”، فتنقضي مهلة الأشهر الست ليخسر المركزي قرابة مليار دولار او أكثر بلا طائل.

– السيناريو الثالث: وهو الأكثر تفاءلاً، بموجبه تقرّ السلطة القوانين الأربعة، كاملة، داخل المجلس النيابي، ما سيغري الكتل النيابية المعترضة (بينها “التيار الوطني الحر” الذي يشترط إقرار الاصلاحات من أجل التشريع) ويشجّعها على التشريع، في تحقيق مكسب تمرير الكابيتال كونترول وهيكلة المصارف، والانتظام المالي… وبذلك يكون نواب الحاكم الأربعة قد حققواً انتصاراً كبيراً على السلطة، وألزموها بالسير عنوة في الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد والمجتمع الدولي.

عندها سنكون ملزمين برفع القبعة لنواب الحاكم الأربعة، الذين سيكونون بذلك قد حققوا ما عجزت عنه دول من خلال الترغيب والترهيب.

عماد الشدياق- اساس

مقالات ذات صلة