هل الإنسان هو سبب موجات الحر القاتلة التي تجتاح الكوكب؟

خلصت دراسة علمية إلى أن موجات الحر غير المسبوقة التي اجتاحت الكوكب من الصين إلى الولايات المتحدة، ناجمة عن أزمة تغير المناخ التي يتسبب بها الإنسان.

البحث الذي أجرته منظمة “وورلد ويذر أتريبيوشن” World Weather Attribution (WWA) [مجموعة تعاون أكاديمي تدرس الأحداث المتطرفة وتأثير تغير المناخ على تلك الأحداث مثل موجات الحرارة والجفاف والعواصف]، وصدر الثلاثاء الماضي، توصل إلى أن درجات الحرارة التي حطمت الأرقام القياسية كافة التي شهدتها أوروبا والولايات المتحدة سابقاً، كان “من شبه المستحيل حدوثها” في عالم لا يشهد احتباساً حرارياً عالمياً.

ورجح الباحثون الذين حللوا بدقة السجلات في القارات الثلاث أن يكون ارتفاع درجات الحرارة الشديدة في الصين التي سجلت أخيراً أعلى عتبة لها على الإطلاق وكانت في حدود 52.2 درجة مئوية، قد أصبح الآن أكثر احتمالاً بنحو 50 مرة نتيجة أزمة تغير المناخ.

وعمل الباحثون على تقييم الدور الذي اضطلعت به أزمة المناخ في هذه الأحداث شديدة الحرارة عبر استخدام طرق قام أقران علميون بمراجعتها، وتحليل بيانات محطة الطقس للأيام الحارة من شهر يوليو (تموز)، والاعتماد على استخدام نماذج الكمبيوتر المتطورة.

وثبت في وقت سابق أن انبعاثات غازات الدفيئة المسؤولة عن تسخين الكوكب أدت إلى ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بنحو 1.2 درجة مئوية، وهذا بدوره جعل موجات الحرارة أكثر تواتراً وأشد تطرفاً.

وخلصت دراسة منظمة “وورلد ويذر أتريبيوشن” إلى أن موجات الحر كتلك المستمرة في الوقت الراهن باتت محتملة الحدوث مرة واحدة كل عام تقريباً في مناطق الولايات المتحدة والمكسيك، ومرة كل 10 في جنوب أوروبا، ومرة واحدة كل خمسة أعوام في الصين، بسبب ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية.

البحث سلط الضوء على أنه في غياب أزمة المناخ التي تسببها الأنشطة البشرية، لكانت أحداث الحرارة هذه نادرة للغاية. ففي الصين على سبيل المثال كان من المتوقع أن تحصل مثل هذه الموجة الحارة مرة كل 250 عاماً، في حين أن الحرارة القصوى التي تشهدها الولايات المتحدة والمكسيك وجنوب أوروبا كانت ستعتبر مستحيلة فعلياً.

ويشار هنا إلى أن تأثير أزمة المناخ يمتد إلى ما هو أبعد من مجرد الإسهام في حدوث الموجة الحارة، إذ أدى أيضاً إلى تكثيف درجات الحرارة إلى ما هو أبعد مما يمكن أن يحدث من خلال الظواهر الطبيعية كظاهرة “إل نينو” El Niño .

ولفتت الدراسة إلى أن موجة الحر الأوروبية كانت أكثر سخونة بنحو 2.5 درجة مئوية، أما الموجة في أميركا الشمالية فكانت أشد بمقدار درجتين مئويتين، في حين أن موجة الحر في الصين كانت أعلى بمقدار درجة مئوية، وتعود جميعها لأزمة المناخ التي تسبب بها الإنسان.

وأوضح الباحثون المشاركون في الدراسة أن التأثير الأقوى لأزمة المناخ على الولايات المتحدة وأوروبا كان نتيجة علاقة معقدة بين عوامل عالمية وأخرى إقليمية، وأظهرت دراسات سابقة أن أوروبا تسخن بوتيرة أسرع من المتوسط العالمي، وعزا العلماء هذا الاختلاف في التأثير إلى حقيقة أن أزمة المناخ ليست موزعة بشكل موحد في جميع أنحاء العالم.

الباحثة في “المعهد الملكي الهولندي للأرصاد الجوية” Royal Netherlands Meteorological Institute وإحدى المشاركات في وضع الدراسة شاوكيا فيليب قالت، “مرة جديدة يمكننا ملاحظة التأثير البالغ لمعدل الاحترار السريع في درجات الحرارة المحلية في أوروبا”، ورأت أن “ذلك يؤكد الحاجة الملحة إلى ضرورة اتخاذ أوروبا التدابير اللازمة للتكيف مع الأحداث والحد باستمرار من تطورها”.

وتضيف، “إن الكوكب لا يشهد سخونة بشكل متساو حول العالم، ويعمل علماء المناخ بجد على فهم هذه العلاقات المعقدة بين ارتفاع متوسط درجات الحرارة على المستويين العالمي والإقليمي”.

وعزا علماء آخرون إلى حد كبير الأحداث المرتبطة بالارتفاع لأخير لدرجات الحرارة، بما فيها تلك التي سجلت خلال يوليو الجاري في النصف الشمالي للكرة الأرضية، وموجات الحر البحرية إلى أزمة المناخ.

وفي وقت سابق قام باحثو المنظمة أيضاً بتحليل موجة الحر التي حصلت في أبريل (نيسان) الماضي في عشرات البلدان الآسيوية، بما فيها الهند والصين وتايلاند، إضافة إلى أحداث مماثلة وقعت عام 2022 في المملكة المتحدة التي تبين أنها كانت “أكثر احتمالاً بـ 10 أضعاف نتيجة أزمة المناخ”.

وكان مكتب الأرصاد الجوية البريطاني Met Office أكد أخيراً أن السبب وراء سخونة شهر يونيو (حزيران) الماضي في المملكة المتحدة هو أيضاً أزمة المناخ.

وكانت لموجات الحر انعكاسات سيئة بحيث اشتعلت حرائق الغابات المميتة في اليونان وكندا، وتم الإبلاغ عن أمراض ووفيات مرتبطة بالحرارة في دول عدة.

وفي الولايات المتحدة وحدها توفي أكثر من 200 شخص بسبب الارتفاع الحاد في درجات الحرارة، كما أبلغت إسبانيا وإيطاليا واليونان وقبرص والجزائر والصين عن وفيات مرتبطة بها، وعن تزايد عدد الأشخاص الذين أدخلوا المستشفيات نتيجة ذلك.

وتبين من دراسة حديثة أن الحرارة التي اجتاحت أوروبا العام الماضي أدت إلى وفاة أكثر من 61 ألف شخص.

ونبهت الدراسة إلى أنه ما لم يُجر خفض سريع لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتوقف عن استخدام الوقود الأحفوري، فإن موجات الحرارة ستصبح أكثر تكراراً وشدة في المستقبل.

وفي حال ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين، وهو الحد الذي من المتوقع أن يتم تجاوزه خلال الأعوام الـ 30 المقبلة، وإذا ما استمرت انبعاثات غازات الدفيئة في الارتفاع بالوتيرة نفسها فسيكون هناك احتمال نشوب موجات حرارة جديدة كتلك التي تحدث في الوقت الراهن كل عامين إلى خمسة أعوام.

المحاضرة البارزة في علوم المناخ في جامعة “إمبريال كوليدج لندن” والمؤسسة المشاركة لمنظمة “وورلد ويذر أتريبيوشن” فريدريكي أوتو لا ترى أن “نتيجة هذه الدراسة مفاجئة”، وقالت إن “العالم لم يتوقف عن حرق الوقود الأحفوري، والمناخ يواصل اتجاهه الحراري التصاعدي، فيما تواصل موجات الحر التفاقم، وهذا هو الوضع بكل بساطة”.

ومع ذلك اعتبرت أن هذه الموجات الحرارية “لا تشكل دليلاً على أننا نشهد احتراراً سريعاً وجامحاً أو انهياراً مناخياً”.

وأضافت، “لا يزال لدينا وقت لضمان مستقبل آمن وصحي لكننا بحاجة ماسة إلى التوقف عن حرق الوقود الأحفوري والاستثمار في الحد من التعرض للأخطار ذات الصلة”.

وختمت أوتو بالقول إنه “إذا لم نقم بذلك فإن عشرات الآلاف من الناس سيموتون كل عام لأسباب مرتبطة بالحرارة، وبالتالي فإن من الأهمية بمكان أن تباشر الحكومات إصدار التشريعات اللازمة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري خلال مؤتمر المناخ المرتقب هذه العام”.

اندبندنت

مقالات ذات صلة