تدحرج سلسلة تطورات في الحاكمية المُحيَّرة: المحسوب والمفاجئ والمحظور والمسموح!
منذ اليوم يُستحسن عدّ الساعات لا الايام القليلة المتبقية الى اليوم الاخير في ولاية الحاكمية الحالية للتحقق من الخيارات التي ستستقر عليها في المرحلة المقبلة. ليس المعروف والمحسوب والمفاجىء حتى في روزنامة المراجع والافرقاء المعنيين فحسب، بل كذلك المحظور والمسموح في القانون وفي موازين القوى الداخلية دونما ان يتشبّه استحقاق حاكمية مصرف لبنان بالضرورة باستحقاق الرئاسة المعلق الآجال. بحلول الاثنين المقبل يُفترض بالحاكمية ان اضحت ذات واقع يجعل معضلتها من الماضي.
المحظور والمسموح في ما تبقى من الولاية الخامسة للحاكم الموشك على الرحيل رياض سلامة:
1 – ليس لوزير المال يوسف خليل – المعاون السابق للحاكم قبل توزيره والمعني بدوره بكل ما يقال عن سلامة وفيه – تنكب اتخاذ قرار بتمديد ولايته الى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية ما ان تنتهي الولاية القانونية المحددة بست سنوات في المادة 18 في قانون النقد والتسليف، ما يسقط حجة التمديد المسمى تقنياً بغية استمرار تسيير الحاكمية.
ليس له خصوصاً التلطي بقياس وسابقة غير مطابقين هما الاقتداء بما لوزير الدفاع صاحب اقتراح تأجيل تسريح قائد الجيش واصداره بقرار. شرطان اثنان اقترنا بالصلاحية تلك المعطاة لوزير الدفاع: اولهما ورودها في قانون الدفاع على ان الوزير صاحب الاختصاص، وثانيهما – وهو الاهم – اقتراح قائد الجيش بنفسه، ولنفسه، تأجيل تسريحه وبقائه تالياً في منصبه. طلب القائد لنفسه الولاية شرط لازم ومكمل لصلاحية الوزير للموافقة والاصدار. ليس اي من الحالات تلك مرعيٌ في متن قانون النقد والتسليف، بل الولاية المقيِّدة لحاكم مصرف لبنان غير المقترنة بشغور يلي مغادرة منصبه. ليس مأذوناً للحاكم ان يطلب التمديد لنفسه، وليس مأذوناً لسواه اياً يكن ان يعطيه ما يحجبه عنه القانون.
2 – لا تملك حكومة تصريف الاعمال في مجلس الوزراء اصدار مرسوم يمدّد لسلامة ولايته بذريعة تمديد اداري لتسيير المرفق العام. تملك ان تعيد تعيينه في مجلس الوزراء في منصبه ولاية جديدة كاملة لست سنوات اخرى بغالبية الثلثين. كان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قال في 12 ايار ان لا تمديد ولا تعيين في الحاكمية وليس لحكومة تصريف الاعمال ان تفعل. انتهى الخيار مذذاك، او يُفترض ان يكون كذلك.
3 – اذا لم يكن من بد للتمديد، فلا بوابة له الا من خلال مجلس النواب بأن تجتمع هيئته العمومية وتعدّل المادة 18 في قانون النقد والتسليف استثنائياً، بحيث تستمر الولاية الحالية اكثر من السنوات الست التي تنقضي الاثنين المقبل، سواء بتحديد أجل لها او عدم تحديده. السابقة البارزة في حال كهذه مألوفة في ظل اتفاق الطائف يقتضي ان لا تحدث لا ان يُدافع عنها وتُبرَّر. يتذكر اللبنانيون ان البرلمان عدّل في 28 تشرين الثاني 1995 قانون الدفاع الوطني بما يتيح تمديد السن القانونية لتسريح قائد الجيش العماد اميل لحود ثلاث سنوات جديدة (63 سنة عوض 60 سنة). لم يكن في الامكان استمراره في منصبه خارج تعديل القانون الذي يرعى ولايته المقيَّدة بوصوله الى سن التقاعد. الحال نفسها في قانون النقد والتسليف عندما تحصر ولاية الحاكم بست سنوات لا تزيد يوماً ولا تنقص آخر. وحده القانون يعيد النظر فيها. كان نقل اخيراً على لسان سلامة اشتراط «قبوله» بالتمديد تعديل القانون النافذ في مجلس النواب بغية توفير الغطاء القانوني ايضاً للمرحلة الجديدة، ويفتتح سابقة في ذلك لم تحدث قبلاً. بالتأكيد يصعب في الايام الخمسة المتبقية في الاسبوع الجاري استدراك اجراءات كهذه.
لكن ثمة ما هو سوى المحظور والمسموح مرتبط بالمعروف والمحسوب:
1 – على النائب الاول لحاكم مصرف لبنان، فور شغور المنصب، تولي الحاكمية بالصلاحيات كلها غير منقوصة المعطاة للحاكم عملاً بالمادة 25 في قانون النقد والتسليف. لا مكان عندئذ لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات ما دام القانون يملأ ثغرة الشغور.
2 – ما يشيعه النواب الاربعة للحاكم انهم سيستقيلون غداً ويجزمون بأن استقالتهم نهائية، يوازيه ما يثقون به وهو ان حكومة تصريف الاعمال لن تقبل باستقالتهم. تبعاً للمادة 24 في القانون نفسه تصبح الاستقالة نافذة ما ان يوافق مجلس الوزراء عليها في جلسة يحضرها ثلثا اعضائه، الا ان هؤلاء ليسوا في وارد الموافقة عليها. مؤدى ذلك ان تهديداً كهذا لا يعدو كونه قنبلة دخانية يصعب ان تحجب رؤية ما سيحدث بعدذاك. الى ان تُقبل الاستقالة – اذا قُبلت – في مهلة شهرين المفترض انهما آب وايلول، يستمر النواب الاربعة في ممارسة مهماتهم بمن فيهم الحاكم الموقت وهو اولهم وسيم منصوري، ويتحملون المسؤوليات والصلاحيات كلها. بعض المجتهدين تحدث عن ضغط يفاقم الاستقالة ويتزامن معها هو اعتكاف النواب الاربعة ايحاء منهم برفض تحمّل تبعة ما اورثهم اياه الحاكم وكانوا لثلاث سنوات ونصف سنة منذ تعيينهم عام 2020 الى جانبه، هي السنوات الاسوأ في تاريخ النقد اللبناني. مغزى الاعتكاف، عملاً بقانون الموظفين، ان يصير الى اعتبار المعتكف بانقطاعه 15 يوماً عن عمله بلا عذر مستقيلاً.
«شرط» سلامة لقبول التمديد: تعديل قانون النقد والتسليف في البرلمان
عندئذ يفقد حقه في تعويضاته. ذلك ما لا يسع النواب الاربعة ان يفعلوه بتخليهم عن تعويضات خيالية.
3 ـ في الحوار الدائر بين حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، يتحدث البعض عن انه يطرق مسألة الحاكمية بما يؤول في مرحلة لاحقة الى تعيين حاكم جديد يخلف المرحلة الانتقالية. ما يطلبه باسيل يصعب ان يقبل به الرئيس نجيب ميقاتي: تعيين حاكم يتفق عليه بمرسوم جوّال يوقعه الوزراء الـ24 في حكومة تصريف الاعمال. ما لم يقبل به ميقاتي مذ وقع الشغور حيال الطعن في شرعية حكومته المستقيلة متولية صلاحيات رئيس الجمهورية، لن يقبل به اليوم: تواقيع الوزراء جميعاً، لا جلسات لمجلس الوزراء، التعويل على المراسيم الجوّالة.
الاقتراح يحمل في ذاته بذور اعدامه. يعطي باسيل كل ما يريده، ويُفقد ميقاتي كل ما يُفترض انه انتزعه بالقوة من رئيس التيار الوطني الحر وهو اجتماعات مجلس الوزراء في حضور حزب الله الضامن الفعلي للنصابين الدستوري والسياسي لجلسات الحكومة، ناهيك بما رفضه بلا تردد وهو المراسيم الجوّالة. على ان القبول بعرض كهذا ليس يعني بالضرورة سوى تكريس اعراف جديدة لحكومة تصريف الاعمال تسري عليها مذذاك. ذلك يعني استخلاصاً ان لا تعيين لحاكم جديد لمصرف لبنان.
نقولا ناصيف- الاخبار