لا داعي لـ “الهلع المالي” إلا ان كان هناك قرار سياسي بالتفجير؟!

كشفت مصادر مالية ونقدية مطلعة انه لا داعي للهلع من الوضعين المالي والنقدي لمجرد نهاية ولاية حاكم البنك المركزي رياض سلامة في نهاية تموز الجاري. وقالت هذه المصادر لـ “المركزية” أن المعطيات المتوافرة تؤكد القدرة على الحفاظ على سوق القطع بالاسعار شبه الثابتة وخصوصا اننا على ابواب صيف واعد يدخل فيه المغتربون اللبنانيون ومعهم الوافدون من مختلف الجنسيات العملات الاجنبية بكميات تضمن التوازن المطلوب لاستقرار السوق المالي. وإن اي مخاوف ناجمة عن المناقشات التي يجريها نواب الحاكم ومسلسل النظريات التي فاجأوا بها اللبنانيين لا تعدو كونها “لعبا سياسيا” بالعملة الوطنية لأهداف لم تتضح بعد.

وان طلب من هذه المصادر الدخول في التفاصيل المؤدية الى هذه القراءة المالية والنقدية فهي تردها الى مجموعة من الاسباب التي يمكن الإشارة إلى بعضها ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

– لا بد لبعض المتحكمين بالسوق المالية من السعي الى الافادة اليومية وبالقدر الذي يمكن الوصول إليه من حجم الكتلة النقدية بالعملات الصعبة التي تدخل يوميا الى الأسواق اللبنانية. وهي كمية تنفق في الساعات اللاحقة لدخولها بالعديد من الوسائل التي تدخلها الى السوق المالي مباشرة وبطريقة يمكن مراقبتها يوميا بطريقة مضطردة. ويمكن إحصاءها من بعض ابواب الانفاق المباشر في العديد من القطاعات الاستهلاكية والسياحية والمصاريف اليومية لأي عائلة وانسان.

– ليس خافيا على احد بان هناك من يسعى الى الافادة من هذا التخبط الإعلامي والعمل لتكبير المخاوف من الاحتمالات الناجمة عن نهاية ولاية سلامة والسعي الى التمديد له بطريقة من الطرق ولو حملت ما لا يقدر من المخاطر القانونية والدستورية المحيطة بالعمل الحكومي وعدم قدرة المجلس النيابي على قوننة اي خطوة مرغوب بها بطريقة تضمن بقاءه في موقع المسؤولية المالية.

– إن تحديد يوم غد الاثنين موعدا لجلسة حكومية مخصصة للبحث في الموازنة العامة يمكن ان تخفي في طياتها مشروعا للقيام باي خطوة تمدد ولاية سلامة في الحاكمية إن اقدم نوابه على الاستقالة تزامنا مع انعقادها. وهو توقيت دقيق ومميت ان حصل قبل أيام قليلة من انتقال المسؤوليات المناطة به الى النائب الاول للحاكم وزملائه. وهي خطوة يعتقد البعض من مستاري البلاط أنها متاحة وتضمن ابعاد الكأس عن النائب الاول للحاكم وفريقه السياسي قبل زملائه الثلاثة الآخرين. وهو أمر لم يخفيه كثر من الدائرين في فلكه المالي والسياسي والحزبي لأسباب تتصل بالثقل الملقى على عاتق مجموعة من المسؤولين الشيعة المحسوبين على “الثنائي الشيعي” او أحد طرفيه. لمجرد ان القرار المالي والنقدي بمختلف وجوهه بات ممسوكا وبتصرف رجالاته في وزارة المالية كما في مصرف لبنان والنيابة العامة المالية وديوان المحاسبة عدا عن المفاتيح الداخلية الممسوكة في القضاء وأسواق المال.

– المخاوف من احتمال عودة المصارف الى مرحلة جديدة من التشدد المالي. ولعل أهون الخطوات التي لجأت إليها الاقفال الجزئي او الشامل لابوابها طالما ان الأسباب التي تدفعهم الى هذا القرار متوفرة بتوقيت شبه يومي توفره مجموعات تدعي حماية المودعين يشجعون على القيام بالاقتحامات اليومية لصغار المودعين لمصارفهم سعيا إلى استعادة ودائعهم الصغيرة و أرقام هزيلة لا يمكن ان تؤثر على موازنة يومية لاى فرع لمصرف وموجوداته قياسا على حجم تردداتها الامنية والمالية في ظل التقنين المفروض على العملات الاجنبية والتي يمكن استغلالها للعودة الى العمل المصرفي السري. فليس مستبعدا ان البعض من أركان المصارف واعضاء مجالس إدارتها يتقنون اللعب بالنار ويسعون الى تهريب كميات من البنكنوت بالعملة الصعبة الى حساباتهم الخارجية للإفادة منها لاحقا ومنعا من ان تستهدف مرة أخرى باي اجراء قانوني او دستوري محتمل بعد ان ساهموا بوكلاء لهم ومباشرة بتعطيل مشاريع الكابيتال كونترول واعادة هيكلة المصارف وغيرها من القوانين المعطلة منذ سنوات والتي وفرت بـ “آلية المنشار” مصالح الخصوم – الحلفاء المصرفيين والسياسيين من أطراف المنظومة.

– تسعى بعض المصارف الى التهرب من التمديد الاخير للتعميم 158 الذي سمح للمودعين القدامى الإفادة من 400 دولار شهريا وللجدد بـ 300 دولار لتوفير موجوداتهم. لعل الفريق الجديد الذي سيتسلم المصرف المركزي يعدل او يلغي العمل بهذا التعميم بعد ان سمح القضاء بثغرة يمكن النفاذ منها بوصفه اياها بأنها غير قانونية.
وعليه اضافت المصادر ان في ما سبق من هذه المؤشرات ما هو كاف للإشارة الى العوامل السياسية المتحكمة بما يجري في السوق المالي والنقدي. فالمخاوف التي عبر عنها المكون الشيعي تحديدا مرده الى التخفيف من حجم العوائق التي قد تحول دون معاندته للسيناريو الفرنسي الجديد الذي يمكن ان يحمله الموفد الرئاسي الشخصي للرئيس الفرنسي الوزير جان ايف لودريان ان عاد الى بيروت في الأيام المقبلة. فتراجعه عن الطحشة بالمعادلة الرئاسية السابقة تحت شعار سليمان فرنجية في بعبدا ونواف سلام في السرايا ستشكل عامل ضغط جديد يفقد الثنائي تأييده له ويضعه في موقع الخصومة التي لا يستهان بها لألف سبب وسبب.

فالأجواء التي تسربت من “لقاء باريس الخماسي” بنسخته “القطرية” شكل ضربة موجعة لمحور الممانعة ولا سيما عند استبعاد الدعوة الى الحوار قبل القيام بأي عمل آخر وخصوصا انتخاب الرئيس. كما جاء بمواصفات جديدة للرئيس العتيد ابعدت الاسماء المطروحة ومنها مرشح “الثنائي الشيعي” تحديدا وهو ما يغضبه ويدفعه الى تحدي المبادرة الجديدة بكل الوسائل المتاحة على قاعدة ان “الغايات تبرر الوسائل”. وعندها لن يكون خافيا على احد ما يمكن ان تؤدي اليه هذه الأجواء السياسية الصاخبة من ترددات قد تنعكس على الوضع النقدي والمالي اولا، وان كان البعض يعتقد ان البعد الأمني مستبعدا في هذه المرحلة فانه لا يملك اي ضمانة تحول دون حصول اي خروقات ان كان الهدف منها سوق البلد إلى مخاطر لا يمكن لجمها بسهولة.

عند هذه المؤشرات والمعطيات السلبية تتوقف المصادر السياسية والديبلوماسية لتنتهي الى القول ان هامش المناورة بات ضيقا للغاية وان ساعات قليلة فاصلة لانهاء العمل ببعض السيناريوهات وأحياء أخرى. وان كان هناك من ينوي تعطيل الإنتقال القانوني المتوقع في حاكمية مصرف لبنان كما هو متوقع في الأول من آب المقبل بطريقة مخالفة للقانون والدستور أيا كانت الكلفة المقدرة لمثل هذه الخطوات الملغومة فإن هذه الساعات المقبلة ستكون حاسمة للفصل بين ما هو محتمل وما هو مستحيل . وفي الحالتين تبقى الساحتين المالية والنقدية على تماس مع متغيرات يخشى ان تكون دراماتيكية مع ما يمكن ان تقود اليه على اكثر من مستوى.

المركزية

مقالات ذات صلة