“ظهور” حالة “نوّاب الحاكم”: هل قرّروا “المغامرة” بالليرة؟
في عزّ الحديث عن احتمال الاستقالة كان المفاجئ أن يمارس نواب حاكم مصرف لبنان مهامّ الحاكم رياض سلامة، حتّى قبل نهاية ولايته بأسبوعين، مستبِقين ومستعجلين إعلان رغبتهم في صناعة صورة جديدة لهم ولمصرف لبنان ولنظرة اللبنانيين إليه.
من جهته، أعلن نائب الحاكم الثالث سليم شاهين أمس الأوّل، في حديث إلى وكالة رويترز، أنّ “قيادة المصرف تُجري محادثات مع صانعي السياسات في الحكومة والبرلمان، وكذلك مع صندوق النقد الدولي، بشأن الحاجة إلى الابتعاد عن منصّة صيرفة، نظراً لافتقارها إلى الشفافيّة والحوكمة”. ولفت إلى أنّ “الأمر يتعلّق بالطريقة التي سيتمّ بها الإلغاء التدريجي لصيرفة”.
بحسب معلومات “أساس” قصد وسيم منصوري دولة الإمارات العربية المتحدة بعد زيارته الولايات المتحدة الأميركية حيث بحث عن بدائل لمنصّة صيرفة، وطلب من دبي ضمانات مستقبلية، وأودع هواجسه في عهدة مَن التقاهم من مسؤولي وكالة “بلومبيرغ” الذين بحث معهم في كيفية استبدال صيرفة بمنصّة شفّافة.
إلى ذلك علم “أساس” أنّ انزعاجاً من منصوري بدأ يتسلّل إلى عين التينة، خوفاً من “حماسته الزائدة” وقوله إنّه يمتلك القدرة على لجم سعر صرف الليرة ومنعه من الارتفاع، بمساعدة خارجية، بعد إلغاء صيرفة. وفي مجلس خاصّ قبل أيام، أجاب منصوري بحماسة أنّه مستعدّ لتسلّم منصبه الجديد، بل ومتحمّس، فتوجّه إليه أحد الحاضرين بالقول: “إحذر ممّا تتمنّى”.
لكن لا شيء محسوماً بعد: يجتمع نواب الحاكم يوميّاً لساعات طويلة، وبعض الاجتماعات تتجاوز مدّتها خمس ساعات، في سباق مع الوقت قبل غدٍ الخميس، إثر اجتماعهم المفصليّ مع سلامة، الذي سيفتتح مسار “التسلّم والتسليم” شبه الرسمي بينهم وبينه. وخلال لقاءاتهم اليومية، لم يتمكّنوا بعد من بتّ قرار استقالتهم، ولا اتفقوا على المطلوب منهم إقراره في ممارسة مهامّهم الجديدة.
يرشح من نقاشاتهم أنّ الاستقالة هدفها الاستمرار في “تسيير الأعمال”، من دون تحمّل مسؤولية اتّخاذ قرارات، سواء كانت مخالفة لإرث سلامة أو موافقة له وتشكّل استمراراً لتعاميمه وسياساته. لذا ستساعدهم الاستقالة في النأي بأنفسهم عن تحمّل المسؤولية ومواجهة تبعات الأزمة بصدورهم.
التمديد لسلامة… ممكن
في المعلومات أيضاً أنّ نواب الحاكم أعدّوا خطة ماليّة جديدة سيقفون على رأي المعنيّين بشأنها، خصوصاً أنّ هناك من ينتظرهم “على المفرق” لفتح النار عليهم، وسيقفون أيضاً على خاطر الحاكم بشأنها.
حتى اليوم تلقّى نائب الحاكم نصيحة بأن لا ينسحب من صيرفة ومن قرارات سلامة دفعة واحدة، والاتّجاه العامّ أن تبقى صيرفة إلى حين إيجاد البديل الجدّيّ.
لا يلغي هذا كلّه وجود اتجاه للتمديد للحاكم مجدّداً. وهو ما يفضّله “الثنائي الشيعي” والرئيس نجيب ميقاتي. لكنّ الأخير اشترط غطاءً مسيحياً. لهذا السبب قصد الوزير السابق وئام وهّاب بكركي لنيل مباركة البطريرك بشارة الراعي. ميقاتي وبرّي يسعيان أيضاً خلف مباركة كتلة نيابية مسيحية وازنة، الأرجح أنّها ستظلّ بعيدة المنال.
في هذا الوقت زادت حماسة منصوري الذي كان متردّداً في الموافقة على قبول تسلّم مسؤوليّاته الجديدة إلى حدّ أزعج مرجعيّته السياسية. وهنا انفتحت نافذة “الاستقالة”، ليبقى الحال على ما هو عليه، كما تفضّل المرجعية المذكورة.
باختصار، تقول مصادر وزارية معنيّة إنّ الأمر بالغ الحساسيّة والخطورة معاً: “نحن نتحدّث عن خطّة مالية وخطوات من الواجب اتّخاذها لا عن قرارات متسرّعة على سبيل ردّ الفعل. والخوف يكمن في وجود أعضاء في المجلس المركزي معارضين لسلامة ولا يريدون السير بقراراته، ولذا يبقى التمديد لسلامة وارداً، لكن لا أحد يجرؤ على المجاهرة بطلبه. وهذا ما يجعل الأمور غير واضحة لكنّ البحث مستمرّ”.
“ظهور” حالة “نوّاب الحاكم”
الطريف أنّه قبل شهر فقط لم يسمع أحد من اللبنانيين بنواب حاكم مصرف لبنان، أو أولئك الذين يشكّلون مجتمعين المجلس المركزي لحاكمية مصرف لبنان. كان قلّة ينتبهون إلى توقيع “نائب الحاكم” على العملات اللبنانية إلى جانب توقيع الحاكم. وربّما كانوا يظنّون أنّه شخص مهمّته التوقيع فقط.
كان حاكم المصرف المركزي يتصدّر المتابعات، ويمارس صلاحيّاته مستنداً إلى قانون النقد والتسليف الذي حوّله إلى حاكم بأمره وصاحب صلاحيّات مطلقة لا يُناقَش بشأنها ولا يُجادَل. حتى بعد الانهيار الماليّ والمصرفيّ والاقتصاديّ العميم والكبير في لبنان، ومنذ تعيينهم في آذار 2020، لم يُسجَّل لهم دور ولا إنجاز ولا رأي أو اعتراض أو نصرة لرئيس المجلس المركزي، أي سلامة، أو مطالبة بوقف الدعم أو غيره.
حتّى أسماؤهم لم تكن حاضرة في المشهد الإعلامي وعلى ألسنة اللبنانيين، باستثناء النائب الأوّل للحاكم المعروف عنه كثرة سفراته إلى الخارج في مهامّ يطلبها منه الحاكم ويتوارى بعدها عن الأنظار.
لم ينقطع هؤلاء عن تقاضي رواتبهم بالدولار الفريش بأرقام ليست بسيطة، وليس معلوماً، وإن كان الأمر غير مستبعد، هل تقاضوا أسوة بأسلافهم القرض المتعارَف عليه الذي يصرفه المصرف لنواب الحاكم بعد تعيينهم بأشهر والبالغة قيمته مليار ليرة بصفر فائدة .
مع قرب انتهاء ولاية رياض سلامة برزت أسماء هؤلاء فظهروا إلى الرأي العامّ في صورة الخائف والمتهيّب من المسؤولية بما يشي بأنّ وجودهم في المجلس المركزي كان بمنزلة “كمالة عدد”، أو لنقل إنّهم “ممثّلو طوائف” يؤلّفون تشكيلة حول الحاكم الماروني الهويّة.
لم يُسمع للمجلس المركزي صوتٌ من قبل. حتى يوم اتّخذ المصرف المركزي قراره بالتخلّف عن دفع سندات اليوروبوندز، لم يلتقِ أعضاؤه على رأي واحد يجمعهم.
منى الحسن- اساس