برّي “البطل” و”الحاوي” لا يردّ على أي استفسار: أيفاوض باسم لبنان أم باسم الحزب؟
يكاد رئيس مجلس النواب نبيه برّي يختصر وفريقه التقني مفاوضات وقف إطلاق النار. لا يعير اهتماماً لأصوات معترضة على احتكاره التفاوض الملتبس بالنسبة لكثيرين: هل يفاوض باسم لبنان أم باسم حزب الله؟ وهل من مسؤوليات رئيس مجلس النواب أن يفاوض، مستقلاً أو بالإنابة، عن سائر الدولة ومؤسساتها؟
فبرّي لم يسال النواب رأيهم لا أفراداً ولا كتلاً. ولم يجهد للاستئناس برأي أي فريق أو حزب سياسي. حتى حكومة تصريف الأعمال، المنسحبة من مهامها، لاعتبارات وأسباب متنوعة، تبدو شاهدة أكثر منها شريكة. ولولا الحاجة للجيش في الشق العملي من المسؤوليات الأمنية والعسكرية، لكان برّي يغرد منفرداً على كل جبهات التفاوض.
ركام تحت ركام
انتقاد تفرد برّي في المفاوضات لا يطال جوهرها، بل على العكس: الحاجة اليوم ملحّة، ولا نقاش حولها، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، بأسرع ما يمكن.
لكن هذه المفاوضات تؤكد، في أحد وجوهها، ما يجهد برّي والثنائي الشيعي لنفيه: هي حرب بين إسرائيل وحزب الله، والاتفاق المنشود يكون بينهما! أما الدولة اللبنانية… أما المؤسسات والأنظمة وآليات عملها… أما الشفافية في تقرير مستقبل البلد، فتلك، كما البلد نفسه، ركام تحت ركام.
لا يغيّر في موقف برّي وسلوكه اعتراض نواب وأحزاب على أدائه. خاطبته النائبة نجاة صليبا قائلة: “أنت لا تختصر الدّولة اللّبنانيّة في قرار الحرب والسّلم، ولا يحقّ لك أن تفاوض عن لبنان بالسّرّ”. وقد اعتبرت أن “المفاوضات تحصل بين إسرائيل عبر الولايات المتحدة و”الحزب” عبر من وكّله كوسيط، أي رئيس مجلس النواب نبيه برّي وليس بصفته ممثلاً للدولة اللبنانية، لأن الموقف الذي يعطيه لا يمثل بالضرورة اللبنانيين”.
وطبعاً، لم يجد برّي ضرورة للرد.
كلام مشابه قاله النائب غسان حاصباني الذي أكد أن “من يمثلون الشعب اللبناني غير مطلعين على تفاصيل الطروحات ويسمعون ما يتم التداول به في الاعلام. ما نسمعه هو رأي “الحزب” ومن أوكله لتمثيله وليس الدولة اللبنانية”.
لكن المفارقة، أن الدولة اللبنانية هي التي ستشرف على تطبيق أي اتفاق ورعاية تنفيذه. وهي التي ستكون مطالبة بتحمل تداعياته، وأي خرق في تنفيذه، أو حتى في شرحه.
دور البطل و… الحاوي
هي ليست المرة الأولى التي ينجح فيها برّي بالاستئثار بـ”الدور ألاول”. فابن الـ86 عاماً لا يزال يلعب دور البطولة في الفضاء السياسي اللبناني. يستند إلى مهارات في “استخراج الأرانب”، على ما صار رائجاً ومتداولاً. يُقصد بذلك إيجاد حلول و”فتاوى” لكل أزمة وعند كل مفترق. لا يعنيه كثيراً تطويع القانون هنا أو تجاوزه هناك، او حتى ابتكار قوانين وأعراف جديدة.
“يشفع” لبرّي في ذلك المقارنة بينه وبين حزب الله. فهو الوجه “اللبناني” للثنائي. وعلى عكس حليفه، يعرف البلد وتركيبته وفسيفسائه من الداخل ويعرف الدولة و”ألاعيبها”، وقد ساهم في ابتكار بعضها. تتقدم “حساسيته” اللبنانية على أي ولاء. ويحاول، بدهاء يُشهد له، الاستفادة من كل معطى و”حليف” لتعزيز موقعه ودوره وما يعنيه ذلك من استثمار أوسع في السلطة والنفوذ، وما يستتبعهما، عادة، في لبنان.
لكن “هذه الحرب، وما ستتركه من ندوب في الجسم اللبناني عموماً، لا تحتمل الكثير من التشاطر ولا تحتمل الاستئثار والتفرد بأي قرار، خصوصاً إذا كان قراراً كبيراً كارساء السلم”، على ما يقول معارضو برّي.
وبعد أن كانت المعارضة في لبنان ترفض تفرد حزب الله بقرار الحرب، صارت اليوم ترفض أيضاً تفرد الثنائي بقرار السلم، من دون تبيان على أي أسس سيُبنى. وكيف يمكن تحصين البلد للسنوات المقبلة من مغامرات تفرّد جديدة و”إسناد” يبدأ من سوريا والعراق واليمن، ولا ينتهي بغزّة وفلسطين.
وبعض غلاة المعارضة يُذكّرون بالترسيم البحري و”التهاون” الذي جرى بحقوق لبنان، نتيجة “احتكار” التفاوض.
ولا يغيب عن السياق التذكير بالفراغ في رئاسة الجمهورية في لبنان. فلو كان في لبنان رئيس لتولى إدارة المفاوضات وأشرك فيها مؤسسات الدولة. وهو ما يحمّل كثيرون برّي، ومعه حزب الله، مسؤولية تغييبه وتعطيل دور الرئاسة الأولى.
في هذه المرحلة الشديدة الخطورة، يواصل “الثنائي” فرض إرادته على البلد، في “الميدان” جنوباً، وفي المفاوضات في الداخل. وإذا كان لحزب الله حساباته ورهاناته وارتباطاته التي تجعله “مستخفاً” بالداخل اللبناني وغير عابئ بتراكم ضيق الكثير من اللبنانيين به وبخياراته، فإن للداخل اللبناني أولوية عند برّي.
عليه، يرى معارضوه وجوب أن يتصرف وفق هذه الحسابات، لأنه مهما بلغت براعة الحاوي، لا بد من أن تنفد يوماً أرانبه.
دنيز عطالله- المدن