مُعنّفة الأطفال في حضانة Gardereve “بربريّة” فجّرت غيظها انتقاماً من صاحبة الدار!

ما تسرّب قبل يومين من خلف جدران إحدى حضانات المتن الشمالي، في مشهد بعيد كل البعد عن الأخلاق المهنية، ومستفز الى درجة أن الإنسانية والرحمة والرفق والعاطفة والضمير، جميعها اضحت مجرد مصطلحات معلّقة وشعارات فارغة، بعد ان خضّت الاعتداءات الهمجية الرأي العام اللبناني، جراء تعرض أطفال للتعنيف بطريقة وحشية من خلال مقطع “فيديو” انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت عاملة النظافة صوّرته وارسلته الى والد أحد الاطفال الموجودين في الدار. وبغض النظر عن المآرب التي دفعت العاملة “جمانة” لفضح ما يجري، الا انها حسنا فعلت ليعرف العالم ما الذي يتعرض له أطفال دون عمر السنة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل بتنا بحاجة لإعادة تعريف مفهوم الضمير المهني؟ وهل من المعقول ان تُصفع طفلة الـ 11 شهرا على وجهها؟ او ان يضرب طفل على رأسه بأسلوب اجرامي وكأن المربية تنتقم من هؤلاء الأطفال؟

خطة 2030

على خطٍ موازٍ، تشير التقديرات الى ان مليار طفل في المرحلة العمرية 2-17 عاما قد تعرضوا لعنف بدني او وجداني او جنسي او عانوا من الإهمال. ويؤثر التعرض للعنف في مرحلة الطفولة على التمتع بالصحة والعافية طوال العمر. وتنص خطة التنمية المستدامة لعام 2030 على انهاء إساءة معاملة الأطفال واستغلالهم والاتجار بهم، وممارسة جميع اشكال العنف ضدهم وتعذيبهم.

الاستنكار لا يكفي!

في سياق متصل، روت نقيبة أصحاب دور الحضانة هنا جوجو لـ “الديار” القصة كاملة فقالت: “بداية ارفص هذا الاعتداء الوحشي الذي حصل في الحضانة، وكنقيبة تلقيت عدة اتصالات من مالكة الدار طوني مهنا قبل انتشار الفيديو، لمساعدتها على إيجاد حل لمشكلة وقعت بينها وبين احدى الحاضنات التي هددتها بإلحاق الاذى بها”. واردفت “في الواقع لا علم لنا إذا كانت الرواية صحيحة، وفي التفاصيل ضبطت السيدة مهنّا الحاضنة جيني الحلو وهي تسرق”.

وقالت: “عندما تبدأ أي حضانة العمل على الأرض في القطاع الخاص، فيجب ان تحصل على رخصة من وزارة الصحة، وفي حال كان هدفها الانضمام الى القطاع العام، فعندئذ تتبع وزارة الشؤون الاجتماعية وتصبح بذلك حضانة رسمية”، واشارت الى ان حضانة Gardereve تعود للقطاع الخاص، أي تابعة “للصحة” وحاصلة على رخصة”. لافتة “الى انه يوجد حوالي 502 دار حضانة على كافة الأراضي اللبنانية، وقد تم تجهيز فريق كبير بالتعاون ما بين وزارة الصحة ومنظمة IRC لإجراء مسح شامل ودقيق، لمعرفة مدى قانونية هذه الحضانات”.

ووصفت جوجو ما حدث في حضانة الجديدة “بالتصرف غير المقبول، كونه اجراما بحق الطفولة وعملا مقززا، والنقابة استنكرته ورفضته في بيان تلقت الديار نسخة منه”.

اضافت “وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة لتدريب الحاضنات، كثفنا الاجتماعات خاصة بعدما تضاءلت الموارد البشرية في هذا القطاع بسبب الازمة الاقتصادية الراهنة من جهة، وعدم وجود اختصاصين من جهة أخرى”، مشيرة الى “ان من يعمل في هذا المجال اليوم هن ربات المنازل وامهات”.

وتعقيبا على المشاهد التي ظهرت في “الفيديو” قالت: “ان يعنف الأطفال بهذه الطريقة المتوحشة مرده الى الانتقام من صاحبة الحضانة التي تتحمل مسؤولية عدم تواجدها في الدار فيزيائيا”.

وطالبت جوجو “بتحديث مرسوم فتح واستثمار حضانة من وزارة الصحة، ضمن سلة شروط حازمة تبدأ بمراقبة سلوكيات الحضانات، كما ان التذرع بأسباب فقيرة لا يبرر ما حصل ولا يلغي المسؤولية، ومن يريد التنصل من تعهداته والتزاماته عليه الا يفتح حضانة، وهناك أخطاء مشتركة ولا اريد ان اتهم أي وزارة بالتقصير، لأنه بات متغلغلا في كل البلد”.

الرقابة الدورية الحجر الأساس

وقالت الاختصاصية النفسية غنوة يونس لـ “الديار” ان ما حصل في الحضانة “بعيد عن الإنسانية، والمشكلة تتمثل بغياب الرقابة الصحية الصحيحة، وانعدام ورش التدريب للحاضنات، كما ان معظم العاملات في الوقت الراهن غير مؤهلات، وباب التوظيف في هذه الدور مفتوح لأي فرد بلا امتحانات ووفقا لشروط الدار، من دون الانتباه الى الحالة النفسية والأهلية لاستلام أطفال بطريقة سليمة تؤمن لهم البيئة النفسية الآمنة خلال اليوم، كما ان معظم المربيات تربين على العنف وحالتهن النفسية والعقلية غير متوازنة”.

ولفتت يونس “الى غياب دور وزارة الصحة في تفعيل عملية رعاية الحضانات ورصد التراخيص المعطاة بعشوائية”، معتبرة “ان قرار اقفال الحضانة بالشمع الأحمر امر جيد، لكن المعضلة تكمن في تفعيل الرقابة الدورية، كونها الحجر الأساس لإجبار دورالحضانات للتيقظ من التصرفات التي تحدث داخلها، وللتأكد من ان الطفل يقضي وقته ضمن ظروف صحية ونفسية مستقرة”.

وتابعت “ما حصل مع الأطفال جريمة بشعة، وما عاشوه كان صعبا، كما ان حالتهم النفسية لا يحسدون عليها، وهم بحاجة الى متابعة نفسية للتخفيف من آلمهم”. ووصفت يونس الحاضنة جيني الحلو “بالمجرمة لأنها خانت الأمانة المهنية، وتخلت عن الرحمة والضمير، وتصرفها يؤكد اصابتها بعقد واضطرابات نفسية”. واعتبرت “ان الخطأ الأكبر يقع على أصحاب الحضانة الذين وظفوها، ولم يلتمسوا لديها الاهلية المطلوبة لرعاية أطفال”.

وتطرقت يونس الى الأذى الذي قد يلحق بهؤلاء الأطفال قائلة: “قد يصابون بصدمات وبالاكتئاب، وقد يتراجعون في تطوير مهاراتهم الحسية والحركية والادراكية وحتى الكلامية، وقد يعانون من قلة الثقة، والأخطر قد يتحولون الى عدوانيين وينعزلون اجتماعيا”. وختمت بالقول “اعان الله هؤلاء الأطفال واهاليهم”.

تطور قضائي لافت

وفي سياق متصل، ومتابعة لقضية الاعتداء على الأطفال في حضانة ” Gardereve” في الجديدة، حولت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون الموقوفَتَين في القضية جيني الحلو وطوني مهنا إلى قاضي التحقيق ، بعد أن ادعت على المعتدية بجناية محاولة قتل، ولفتت في قرار التحويل إلى أن “محاولة إطعام الطفلة بالقوة وهي نائمة والضغط على فمها، كان يمكن أن يؤدي إلى اختناقها وربما وفاتها”. واعتبرت القاضية عون أن “هذا التصرف هو بمثابة محاولة قتل وفقا للمادة 554 المتعلقة بالضرب والعنف والأذى”، كما ادعت على صاحبة الحضانة واعتبرتها “مشاركة لأنها لم تقم بأي فعل لردع المعتدية، وهي من قام بتوظيفها بدون أن يكون لديها المؤهلات للعمل في هذا المجال”، لذلك اعتبرتها “مشاركة في الجريمة”.

وبحسب المعلومات تم إخلاء سبيل من قامت بتصوير وتسريب “الفيديو”، كونها كشفت ما يحصل من اعتداءات على الأطفال فلا يمكن تحميلها المسؤولية، حتى لو تأخرت في اظهار ما حدث. هذا وتعتبر بنظر القانون قد قامت بواجبها الانساني، وساهمت بالكشف عن جريمة ترتكب بحق الطفولة.

وقد علمت “الديار” ان أهالي الأطفال سينفذون وقفات احتجاجية متتالية امام مخفر جديدة اعتبارا من مساء اليوم، للمطالبة بحقوق كل الأطفال الذين تعرضوا للأذية والتعنيف، ولإنزال أقسى العقوبات بالمعتدين.

الديار

مقالات ذات صلة