نادين نجيم تحرج قوى الأمن الداخلي: “قصاص المنتقدين” عبر المكتب لإسكات الصحافيين!
أسوأ اختبار يمكن أن يتعرض له مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية التابع لقوى الأمن الداخلي، هو الاعتقاد السائد في أوساط سياسيين أو فنانين أن المكتب يمكن تطويعه لمصلحة أحد الطرفين، واستخدامه لتصفية حسابات، واسكات المنتقدين. ليس سهلاً على قوى الأمن تحمّل الضغوط، وهي ضغوط مفهومة، كون التجربة أثبتت أن هذه الفئة، تمتلك من النفوذ ما يكفي لتحميل المكتب ما لا يستطيع تحمله أمام الرأي العام، لجهة الاتهامات الموجهة له بخرق القانون، عند كل استدعاء بحق صحافي.
ومناسبة هذا الحديث الآن، هو توسّع مروحة النافذين الذي يحاولون “قصاص” منتقديهم عبر المكتب، من فئة السياسيين الى فئة العاملين في مجال الفن. فقد لجأت الممثلة نادين نسيب نجيم الى المكتب، بدعوى ضد الصحافيَين ربيع فران ورحاب ضاهر. وامتنع الصحافيان عن المثول، اليوم الثلاثاء، بعد حملة تضامن إعلامية ونقابية واسعة، وتدخل وزير في الحكومة اللبنانية، أيّد موقفهما بعدم المثول، تطبيقاً للقانون الذي يؤكد أن محكمة المطبوعات هي المرجع الوحيد لمحاكمة الصحافيين، ولا يمثل هؤلاء أمام أي ضابطة عدلية.
تفتتح نجيم بهذه الدعوى، مقاربة جديدة في تعاطي النجوم مع الصحافيين. قبل الدعوى القضائية، دَرَجَ كثير من الفنانين على مقاطعة اي صحافي ينتقد اعمالهم أو سلوكهم. لا يقبل معظمهم الانتقاد.. ولاحقاً، استخدم الفنانون جمهورهم في مهاجمة الصحافيين، وهو ما يظهر في مواقع التواصل يومياً. لم يردع التخويف الالكتروني والاعلامي، فئة كبيرة من الصحافيين، لعلمهم أن “شبيحة” في الفضاء الالكتروني لا يمكن أن يؤثروا في قول رأي، طالما كفله الدستور، ولا تمتلك جموع الجماهير قدرة على الإسكات.. فتحول السياق في اتجاه آخر.
عليه، لا يمكن قراءة دعوى نجيم إلا من زاوية محاولات إسكات الصحافيين، ومنعهم من الإدلاء بآرائهم. هي أشبه بإجراء ردعي إزاء التعبير عن رأي، ومسعى لتقويض حرية الآخرين. مخالفة صريحة للدستور اللبناني، ولصورة لبنان. فكيف بالأمر إذا كان فران لم يُسمّ نجيم بالاسم، وانتقد من حاز جوائز، وهو انتقاد طاول المنتج صادق الصباح، والمخرج جو بوعيد، وغيرهما.. ولم يتقدم أي منهم بدعوى قضائية ضده، سوى نجيم، وذلك بعد ردّ لها في “تويتر”، من دون أن تسمّي فران، خارج عن أدبيات التخاطب المعهودة.
والحال إنه لا اختلاف جوهرياً بين سياسي، أو عامل في القطاع الفني. التفريق بينهما، لا يتخطى كونه وهماً. يتشارك هؤلاء نزعة واحدة، هي الشعور بفائض القوة. كل منهما يمتلك نفوذاً يسعى عبره لتطويع القانون وحشد الرأي العام. يفوق السياسي نظيره الفنان نفوذاً باكتسابه حصانة قانونية، لكن الطرفين يتقاسمان ولاء المناصرين والمنتفعين، وشبكة علاقات في الدولة، والاعتقاد بنفوذ على القانون. تالياً، يسعى كل منهما لتطويع أي أداة لصالحه. ولم يجد هؤلاء إلا مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، بسبب ثغرة في ممارسة القانون.
فوظيفة المكتب في قضايا ما ينشره الصحافيون، تتمثل في إجراء تحقيقات تقنية هي من اختصاصه. يقدّم نتائج التحقيقات للقضاء، لبناء ملف كامل. تم التفاهم على هذه الوظيفة، في قضايا حرية التعبير، قبل سنوات، منعاً لأن يُعامل صاحب الرأي كما يُعامل المشهّرون، أو منظمي الحملات الالكترونية لأغراض إثارة النعرات الطائفية، أو تهديد أمن الدولة، أو الإرهاب، أو الاختلاس والسرقة والقرصنة. وحُصرت قضايا النشر في محكمة المطبوعات.
اليوم يتجاوز كل سياسي أو فنان أو مطلق صاحب نفوذ، هذه الأعراف. يتقدم بدعوى أمام النيابة العامة، وليس أمام محكمة المطبوعات. ويطلب بعض القضاة من المكتب القيام باستدعاءات، بدلاً من اصدار استنابة قضائية للمكتب للتحقيق. هذه الفوضى، تضع المكتب في موقف محرج، وهو ما يفترض أنه يحاذره.
وإذا كانت الضغوط والتحركات الميدانية والقانونية وضعت حداً، نوعاً ما، لقضية استدعاء الصحافيين في دعاوى السياسيين، فإن حجم التحرك والاعتراض على استدعاء ربيع فران ورحاب ضاهر، من الاطراف كافة، سيحبط محاولة الفنانين إسكات الصحافيين وفق قاعدة “التطبيل أو السكوت”. فشلت محاولة نادين نجيم، وستفشل محاولات أخرى، على أمل تطبيق القانون بالكامل: الصحافيون لا يمثلون إلا أمام محكمة المطبوعات، بحضور محامٍ.
رين قزي- المدن