انقسام لبناني بشأن زيارة موفد الرئاسة الفرنسية

لم تقدم زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان “الاستطلاعية” إلى بيروت أي جديد ولم تحدث خرقا في مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفق ما يجمع عليه الأفرقاء السياسيون اللبنانيون.
والأربعاء، وصل لودريان إلى لبنان في زيارة أجرى خلالها لقاءات ومحادثات مع قيادات رسمية وحزبية تتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ومطلع يونيو/ حزيران الجاري، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير الخارجية السابق لودريان موفدا خاصا إلى لبنان، في محاولة جديدة لإنهاء الأزمة السياسية في البلد العربي، حسبما أعلنت الرئاسة الفرنسية.
والتقى لودريان في بيروت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والبطريرك الماروني بشارة الراعي، ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
وجاءت زيارة لودريان بعد فشل البرلمان اللبناني في 12 جلسة منذ سبتمبر/ أيلول 2022، كان آخرها بتاريخ 14 يونيو الجاري، في انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

وانحصرت المنافسة الرئيسية بين مرشح المعارضة وأغلب القوى المسيحية والحزب التقدمي الاشتراكي وآخرين جهاد أزعور، ومرشح الثنائي الشيعي “حزب الله” و”حركة أمل” وحلفائهما سليمان فرنجية.

وفي آخر جلسة للبرلمان، حصل أزعور على 59 صوتا، مقابل 51 نالها فرنجية، وتوزعت بقية الأصوات على مرشحين آخرين.

زيارة استطلاعية

وخلال لقائه ميقاتي، أكد لودريان أن “الهدف من زيارته الأولى إلى لبنان هو استطلاع الوضع سعيا للمساعدة في إيجاد الحلول للأزمة التي يمر بها البلد، والبحث مع مختلف الأطراف في كيفية إنجاز الحل المنشود”.

وأكد أيضا في تصريح آخر من مقر البطريركية المارونية في بكركي (شرق) أن هدف زيارته هو “الاستماع وإجراء المشاورات الضرورية مع كافة الأطراف للخروج فورا من المأزق السياسي، ثم النظر في أجندة إصلاحات من أجل أن يستعيد لبنان الحيوية والأمل”.

وأوضح لودريان أنه “لا يحمل أي خيار، بل سيستمع للجميع”، لافتا إلى أن هناك زيارات أخرى قادمة. وشدد على أن “الحل يبدأ من اللبنانيين”، مشيرا إلى أنه سيتواصل مع كل الفرقاء اللبنانيين للخروج من الأزمة، وسيسعى إلى وضع أجندة إصلاحات توفّر الأمل لإخراج لبنان من أزمته.

ورغم تأكيد لودريان أن زيارته “استطلاعية”، لكن كل مكون لبناني فسر الزيارة بطريقة مختلفة، وفق مطلعين.
تموضع فرنسي جديد
رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وصف لقاءه مع لودريان قائلا: “الجلسة مع الموفد الفرنسي كانت استطلاعية 100 بالمئة، فالضيف الفرنسي طرح العديد من الأسئلة حول الملف الرئاسي وكانت لنا أجوبة في هذا السياق”.
وأكد جعجع، في مؤتمر صحفي أمس الخميس عقب لقائه لودريان، أن الأخير “لم يأتِ لإقناعنا برئيس تيار المردة سليمان فرنجية أو غيره، ولم يطرح أي اسم للرئاسة”.

وأوضح أن “لودريان يسعى لإيجاد الحلول، وهو مُرحّب به مثل أي موفد أجنبي آخر”، مشيرا إلى أن “المسألة الرئاسية مرتبطة بالداخل اللبناني والنواب والكتل في البرلمان”.

وفي أبريل/ نيسان الماضي، ذكرت وسائل إعلامية أن فرنسا تدعم وصول الوزير السابق فرنجية لرئاسة الجمهورية، مقابل وصول القاضي والدبلوماسي السابق نواف سلام لرئاسة الحكومة.

لكن وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، نفت دعم بلادها لأي مرشح رئاسي في لبنان، مشددة على أهمية انتخاب رئيس في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد.

ومنذ إعلان الثنائي الشيعي “حزب الله” و”حركة أمل” (حليفي إيران)، دعمهما ترشيح فرنجية للرئاسة، تشهد الساحة السياسية في لبنان تباينا في المواقف بين مؤيد ومعارض.

وفي هذا الإطار، قال عضو تكتل “الجمهورية القوية” (الكتلة النيابية لحزب القوات اللبنانية) النائب غياث يزبك للأناضول، إن “زيارة لودريان جيدة، وأظهرت قبول فرنسا بأنها أخطأت بالتسرع بتأييد فرنجية”.

ولفت إلى أن “وصول لودريان وتغيير رئاسة الفريق الفرنسي هي نوع من اعتراف دبلوماسي صامت أن فرنسا أخطأت وأنها عادت تتموضع بخط وسطي بين اللبنانيين، دون الوقوف مع فريق دون آخر”.

واعتبر يزبك أن “زيارة لوديان لا تؤثر كثيرا في الوضع الانتخابي الداخلي، بقدر ما تؤمّن لفرنسا استمرارية موقع مؤثر ضمن اللعبة الشرق أوسطية انطلاقا من لبنان”.

وأكد أنهم “في حزب القوات اللبنانية والمعارضة عموما نعتبر أن عملية اختيار رئيس للجمهورية تجري تحت قبة البرلمان”، داعيا إلى إجراء “دورات متتالية لانتخاب رئيس للبلاد”.

التمسك بفرنجية

من جهته، قال عضو كتلة “التنمية والتحرير” (بزعامة نبيه بري) النائب قاسم هاشم، إن زيارة لودريان تأتي “استكمالا للخطوات الأولى التي قامت بها فرنسا منذ بداية إطلاق مبادرة الرئيس ماكرون لمساعدة اللبنانيين في إنهاء أزمة الشغور الرئاسي”.

وأوضح للأناضول أنه “لم يتغير شيء بعد الزيارة، وأن ما حصل هو دفع جديد لإمكانية التلاقي بين اللبنانيين لبحث أمور الاستحقاق الرئاسي وإنهاء شغور منصب الرئيس بأسرع وقت”.

وأشار هاشم إلى أنه “لم يتم التطرق أو الاتفاق على أسماء محددة في زيارة لودريان”، مؤكدا استمرار دعم “حزب الله” و”حركة أمل” ترشيح فرنجية.

واعتبر أن “فرنسا لم تعلن أنها خرجت عن طرحها الأولي”، في إشارة إلى تأييد فرنجية.

خيار ثالث
من ناحية “القوى التغييرية” في البرلمان، رأى النائب عبد الرحمن البزري أن “زيارة لودريان لبيروت كانت استكشافية، ولإعادة قراءة المعطيات بعد جلسة الانتخاب الأخيرة التي أوضحت صعوبة التوصل إلى اتفاق دون الحوار”.

وأكد البزري للأناضول، أن “الزيارة لم تحمل آراء وخطة، وإنما كانت جولة لبحث الآفاق والاستفسار عن بعض النقاط (لم يذكرها) من قبل الجانب الفرنسي”.

وأشار إلى أن “لودريان يمثل اهتمام دولة مهمة في المنطقة، ونأمل أن يتوسع الاهتمام الدولي بلبنان”.
وشدد على أنه “يجب أن يكون هناك نوع من الحراك الداخلي اللبناني باتجاه تسوية سياسية تأخذ بعين الاعتبار عدم فرض الرأي على الآخر”.

وعن تأييد فرنسا لفرنجية، قال البزري إنه لاحظ أن “القوى منقسمة بعد الزيارة، فبعضها نعى المبادرة، والبعض الآخر أكد عليها”.
وأوضح أن البعض يرى أيضا أن “المبادرة الفرنسية لا تزال مطروحة على الطاولة، مع انفتاح باريس على اقتراحات أخرى، وأعتقد أن الخيار الأخير هو الأقرب”، حسب تعبيره.

ولا يُلزم الدستور الراغبين في خوض انتخابات الرئاسة بتقديم ترشيحات مسبقة، حيث يمكن لأي نائب أن ينتخب أي لبناني ماروني (وفق العرف السائد لتقاسم السلطات طائفيا)، شرط ألا يكون هناك ما يمنع أو يتعارض مع الشروط الأساسية مثل العمر والسجل العدلي.

(الأناضول)

مقالات ذات صلة