ما حقيقة تدهور صحة هانيبال القذافي ودخوله المستشفى؟
“معركة الأمعاء الخاوية”، هي الوسيلة التي لجأ إليها هانيبال القذافي لتحريك قضية توقيفه في نظارة فرع التحقيق التابع لشعبة المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بالعاصمة اللبنانية بيروت.
في الثالث من الشهر الجاري، أعلن هانيبال قرار إضرابه المفتوح عن الطعام، معللاً سبب إقدامه على هذه الخطوة، بالظلم الذي يتعرض له نتيجة احتجازه منذ 8 سنوات، بناء على مذكرة توقيف صادرة عن المحقق العدلي، القاضي زاهر حمادة، على خلفية اتهامه بـ “كتم معلومات” حول قضية اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين في ليبيا في العام 1978.
وحمّل نجل الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي نتائج إضرابه عن الطعام للضالعين بتمادي الظلم بحقه، وتساءل في بيان “كيف يمكن لسجين سياسي أن يُحتجز دون محاكمة عادلة كل هذه السنوات؟”، مشيرا “آن الأوان لتحرير القانون من يد السياسيين”.
في الأمس، ضج خبر تدهور صحة هانيبال، وبحسب ما أكده مصدر مقرّب منه لموقع “الحرة”، فقد “عانى ليل الأربعاء الماضي من هبوط في ضغط الدم ومستوى السكر وزيادة نسبة الأملاح في الجسم وتشنجات عضلية، بالإضافة إلى معاناته منذ سنوات من آلام والتهابات حادة في عموده الفقري، مما استدعى نقله إلى المستشفى”.
اصطحب عناصر من فرع المعلومات هانيبال من مكان اعتقاله إلى مستشفى “أوتيل ديو” كما يؤكد المصدر، شارحاً “استغرق علاجه أربع ساعات، أعطي الحقن والأدوية المناسبة للالتهابات، والمتممات الغذائية إلى كيسين من الأمصال، وبعدما استقرت حالته أعيد بموكب أمني مشدد إلى مركز احتجازه”، ويضيف “ما إن انتشر الخبر حتى انهالت الاتصالات للاطمئنان عليه، وقد حاول الإجابة عليها قدر المستطاع”.
وكان وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، أعلن أمس الخميس، أن أحد أبناء الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي يتلقى الرعاية الطبية في المستشفى بعدما شعر أفراد أمن بأن حالته تدهورت.
صدى رسمي وشعبي
للمرة الثانية، تتدهور حالة هانيبال الصحية بعد إعلان إضرابه عن الطعام، ومنذ اتخاذه هذا القرار، يخضع بحسب ما يقوله المصدر المقرّب منه لمتابعة طبية يومية في مكان احتجازه، ويؤكد “صحته إلى تحسن لكنه يمر بوضع نفسي سيء نتيجة ظروف الاعتقال الصعبة، لاسيما وأنه يقبع بعيداً عن عائلته ووطنه، ويحرم من أشعة الشمس، وإن كان يعامل باحترام ويتواصل مع زوجته وأولاده الثلاثة عبر الهاتف”.
وفيما إن كانت زوجة هانيبال، اللبنانية ألين سكاف، تزوره في مركز اعتقاله كما تداولت بعض وسائل الإعلام، أجاب المصدر “كلا، فهي تقيم خارج البلاد”، وكانت السلطات اللبنانية منعت طائرة خاصة تقلّ سكاف في عام 2011، من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي.
ولقي قرار هانيبال بالإضراب عن الطعام، صدى رسمياً في وطنه، حيث قرر المجلس الرئاسي الليبي تشكيل لجنة برئاسة وزيرة العدل بحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة لمتابعة ملفه، ومن بين مهام اللجنة، التواصل مع السلطات اللبنانية لضمان توفير الظروف الإنسانية له، والتنسيق مع المنظمات الدولية لضمان التزام السلطات اللبنانية بتوفير محاكمة عادلة ونزيهة، وضمان كافة الحقوق القانونية في التقاضي.
تختص اللجنة بحسب ما أوردت وسائل إعلام ليبية، في “متابعة الملف من حيث أوضاع هانيبال الصحية وظروف إقامته داخل السجن، والعمل على تشكيل هيئة دفاع تتولى المتابعة القانونية أمام كافة الجهات والمحاكم اللبنانية بما يكفل توفير محاكمة عادلة له”. وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، ظهر في فيديو عبر “تيك توك”، أشار خلاله إلى أنه تواصل مع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني، نجيب ميقاتي، بشأن قضية نجل القذافي، وأنه تم تشكيل لجنة لمتابعتها.
لكن الحكومة اللبنانية نفت كلام الدبيبة في بيان صادر عن مكتبها الإعلامي، أوضحت من خلاله أن “ميقاتي لم يتلق أي اتصال من أي جهة ليبية”، وأن ملف القذافي “في يد القضاء المختص، وأي متابعة لهذا الملف تتم بالطرق القضائية المختصة”.
كما أصدرت السفارة الليبية لدى دمشق بياناً أكدت خلاله متابعتها للقضية وأنها خاطبت الخارجية اللبنانية عن طريق سفارتها بدمشق أكثر من مرة “وذلك بما يخص ظروف اعتقال هانيبال غير القانونية والوقوف على حالته الصحية”، وطالبت بمنحه الحق الإنساني والقانوني لمحاكمة عادلة مؤكدة أنه “لم يعرض على النيابة أو القضاء اللبناني قَطّ”، محمّلة “مليشيا حركة أمل، المسؤولية عن كل ما يحدث له”.
كذلك كان لقرار هانيبال صدى شعبياً في وطنه، حيث أعلنت الفعاليات الاجتماعية وممثلو القبائل والمدن الليبية، أنها تتابع بقلق شديد حالته الصحية والقانونية، لافتة إلى أنه “مختطف ومحتجز قسراً وظلماً في سجون مليشيا حركة أمل اللبنانية منذ ثماني سنوات”.
واعتبرت أن الذريعة التي يتم التحجج بها لخطفه واحتجازه طيلة هذه المدة واهية، ولا يقرها المنطق ولا القوانين ولا الشرائع ولا الأعراف، مهددة “في حال عدم الوصول إلى حل خلال أسبوع ابتداءً من تاريخ السبت 18 يونيو 2023، فإننا سنطالب مجلس النواب الليبي والسلطات المحلية بغلق السفارة اللبنانية بطرابلس وستكون كافة الخيارات متاحة أمامنا لفك ابننا من براثن الظلم بما فيها ممارسة نفس الأسلوب الذي استخدم ضدنا، آملين من الله عدم الحاجة لذلك”.
ملف خلافي
قبل أيام، حذر سيف الإسلام القذافي، من خطورة الوضع الصحي لأخيه الذي لجأ مع والدته، صفية فركش، وشقيقته عائشة وشقيقه محمد، إلى الجزائر في أغسطس 2011، ليستقر بعدها في سوريا حيث حصل على لجوء سياسي، ليستدرج في العام 2015 إلى لبنان وبالتحديد إلى البقاع في قرية قريبة من بعلبك حيث جرى اختطافه.
وبعد اختطافه، ظهر هانيبال في فيديو متورم العينين، قائلاً إنه “بصحة جيدة ومرتاح”، داعياً كل من لديه أدلة عن الإمام الصدر إلى “تقديمها فوراً”، وتسلّم فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ابن القذافي بعد أن تركه خاطفوه على طريق بعلبك – حمص الدولية، بالقرب من قرية الجمالية في البقاع الشمالي.
وطلبت وزارة العدل السورية حينها من المدعي العام التمييزي، القاضي سمير حمود، تسليمه إلى السلطات السورية كونه مقيم على أرضها بصورة شرعية ويملك حق اللجوء السياسي، لكن وزير العدل اللبناني، أشرف ريفي، رد الطلب.
يذكر أن السلطات اللبنانية أصدرت مذكرات توقيف غيابية بحقّ نجل القذافي، سيف الإسلام، وقيادات بالنظام السابق، في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر.
وفي عام 2019، أشعلت قضية هانيبال أزمة لبنانية – لبنانية، بعد طلب وزير العدل سليم جريصاتي من القضاء دراسة جدوى إبقائه معتقلاً، و”الاطلاع على مسار هذا الملف بتفاصيله كافة، والتأكد من خلوه من أي مخالفات أو تجاوزات للنصوص المرعية، وتبيان الفوائد التي يجنيها لبنان من الإبقاء عليه موقوفاً في سجونه لمعرفة حقيقة تغييب إمام السلام والاعتدال ورفيقيه والإفادة”.
ولفت جريصاتي إلى مراسلات تلقاها من اللجنة الدولية لحقوق الإنسان في جنيف بهذا الشأن، ليأتيه الرد من عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب علي بزي الذي وصف طلبه بالـ “فرمان”، مشيراً إلى أنه “تجرأ على المسّ بالحق والحقيقة وقدسية إمام الوطن بخرق القانون والأصول”.
وتحمّل الطائفة الشيعية في لبنان، ليبيا إبان حكم القذافي، مسؤولية اختفاء الصدر ورفيقيه، لكن نظام القذافي نفى ذلك مؤكداً أنهم قصدوا إيطاليا قبل اختفائهم، إلا أن السلطات الإيطالية نفت كذلك دخولهم أراضيها.
“آخر ما توصلت إليه التحقيقات”
قبل أيام أشار رئيس اللجنة الحقوقية لهانيبال، عقيلة دلهوم، أن السلطات اللبنانية تطلب فدية تتراوح قيمتها بين 50 و200 مليون دولار للإفراج عنه، وبأنه يتعرض للتعذيب في زنزانته، لكن المصدر المقرب منه نفى نفياً قاطعاً هذه المزاعم.
ويشدد المصدر على أن هانيبال كان يبلغ سنتين من عمره حين اختفى الإمام الصدر، وبالتالي هو موقوف بجرم لم يرتكبه، “وكما يعلم الجميع فإن اعتقاله سياسي، لذلك لم يصدر حتى الآن أي قرار ظني بحقه، إذ لا يزال الملف بيد المحقق العدلي”.
لكن عائلة الصدر اعتبرت في العام 2019 أن مسألة كونه طفلاً عام 1978 مجرد ذر للرماد في العيون، إذ أن “لا أحد نسب إليه كونه متورط في الخطف، لكنه جرم متماد في الزمن، وهانيبال شبّ وأصبح مسؤولاً أمنياً في نظام والده الحديدي الذي استمر 42 سنة حتى سقوطه عام 2011”.
وشرحت عائلة الصدر في بيان أنها قدّمت “عندما تبين لها أن هانيبال كان مسؤولاً عن السجن السياسي في ليبيا في فترة حكم والده، شكوى ضده بجرم التدخل اللاحق في الخطف، فاستجوبه المحقق العدلي عن هذا الإسناد الجديد. وهذه جنايات تفوق عقوبتها الثلاث سنوات، علماً أنه أدلى بمعلومات جديدة ومهمة لم تكن متوافرة في الملف، تتعلق بمكان احتجاز الإمام والأشخاص الأمنيين الليبيين الذين انتحلوا شخصية وهوية الإمام ورفيقيه عند عملية تزوير سفرهم المزعوم إلى روما”.
والعام الماضي، أكد رئيس “حركة أمل” ومجلس النواب، نبيه بري، بمناسبة الذكرى الـ 44 لتغييب الإمام الصدر ورفيقيه على أن “آخر ما توصلت إليه اللجنة المكلفة بمتابعة هذه الجريمة على المستويين القضائي والأمني والاستعلامي حتى الساعة بالدليل القاطع هي الحقائق التالية”:
“أولاً، أن جريمة الاختطاف بكل فصولها التآمرية والإجرامية تمت ونفذت على أيدي النظام الليبي البائد وأجهزة استخباراته فوق الأراضي الليبية، ثانياً، كافة اللقاءات والتحقيقات التي أجريت مع فلول ذلك النظام المجرم أكدت أن الإمام الصدر ورفيقيه وحتى فترة وجيزة قبل سقوط النظام الليبي كانوا ينتقلون إلى أقبية السجون الليبية في مدن جنزور وضواحي طرابلس الغرب وسبها”.
واعتبر بري أن اختطاف الإمام الصدر ورفيقيه “استهداف للبنان بما مثّله ولا يزال يمثله الإمام من قيمة روحية” مشدداً على أن “عدم تعاون السلطات الليبية الحالية على اختلافها وخلافها مع السلطات القضائية اللبنانية تواطؤ وإمعان في مواصلة ارتكاب هذه الجريمة وبالتالي بالنسبة إلينا المجرم في هذه القضية واحد، حتى لو ارتدى لبوس ما يسمى ثورة”.
“آن أوان رفع الظلم”
دعت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان للتدخل لدى السلطات اللبنانية لضمان إطلاق سراح هانيبال وذلك “باعتبار ما تعرض له، من اختطاف واحتجاز تعسفي لحريته دون أساس قانوني”، كما ناشدت القضاء العدلي في لبنان بإنصافه وضمان حقه الإنساني والقانوني في التقاضي وحقه في محاكمة عادلة ونزيهة، مشددة على ضرورة أن تحترم السلطات اللبنانية القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، والتي تحظر الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري وأعمال الاختطاف من أي طرف”.
هذا وحمَّلت اللجنة “مليشيا حركة أمل” كما وصفتها والسلطات اللبنانية، المسؤولية القانونية عن كل ما يحدث لهانيبال جراء استمرار احتجازه التعسفي وما يتعرض له من سوء معاملة، في وقت يقوم وكلاء نجل القذافي القانونين “بكل واجباتهم وجهودهم للوصول إلى النتيجة المرجوة والمنشودة بإطلاق سراحه بأسرع وقت ممكن ” كما يشير المصدر.
يعتقد معظم أتباع الصدر أن معمر القذافي يقف وراء اختفاء الإمام نتيجة خلاف بينهما حول المدفوعات الليبية لـ”مليشيات لبنانية”، لكن تحميل هانيبال وزر اتهامات يوجهها البعض لوالده وتوقيفه كل هذه السنوات “ظلم واجحاف متماديان بحقه” على حد وصفهم.
يقول هانيبال “آن الأوان للإفراج عني إثر اعتقالي والادعاء ضدي بتهمة لم أقترفها”، متسائلا “كيف يعقل في بلد القانون والحريات أن يتم صرف النظر عن التعدي الصارخ على شرعية حقوق الإنسان وهو الذي شارك بصياغتها؟ كيف يُعقل أن يترك معتقل سياسي من دون محاكمة عادلة طوال هذه السنوات؟”.
وعن البلد الذي ينوي الاستقرار فيه بعد استعادة حريته، أكد المصدر “ما نتطلع إليه الآن هو تحقيق الهدف الأساسي أي رفع الظلم عنه”.
الحرة