شهوة “الترند”… هل أدمن الفنانون القفز على الأشواك؟
منذ حقبة التسعينيات فرض ما سمي “السينما النظيفة” قواعده على الفن بشكل كبير على رغم أن العصور السابقة شهدت انفتاحاً فنياً كبيراً على مستوى الحرية والمشاهد والأفكار، وبحلول عقد التسعينيات اختفى كل هذا ليحل محله اتجاه نحو الاحتشام والابتعاد عن المشاهد الساخنة والموضوعات الجريئة والقبلات، بل وتطور الأمر ليشمل تصريحات النجوم وآراءهم الشخصية، حيث تسابق معظمهم على تأكيد رفضه أي شيء يخالف بروتوكولات “السينما النظيفة” التي لم يضعها أحد، وانتشرت لدى النجوم وصناع السينما كالنار في الهشيم.
لكن يبدو أن الأمور في وجود المنصات الإلكترونية شهدت تطوراً تدريجاً في الاتجاه المغاير، فانفتحت دراما الشاشة الكبيرة على موضوعات جريئة، وعرضت قضايا شائكة مثل المثلية والمساكنة والدفاع عن العلاقات غير الشرعية في بعض الأحيان، ومع تطور البرامج وتزايد سلطة “الترند” ومواقع التواصل الاجتماعي، فاجأ النجوم الجمهور عبر منصاتهم الخاصة، أو من خلال البرامج، بتصريحات جريئة تخالف معظم تقاليد المجتمع المعروفة، وهي إن كانت تعبر عن حرية الفكر، لكنها جلبت كثيراً من الجدل.
الفنانون والمساكنة
احتلت قضية المساكنة المركز الأول في تصريحات بعض النجوم، وكانت سبباً في ضجة كبيرة بين مؤيديها ومعارضيها، والمساكنة هي أن يعيش رجل وامرأة حياة الأزواج من دون زواج قانوني أو شرعي.
قال المطرب اللبناني يوري مرقدي في تصريحات تلفزيونية أخيراً إنه يؤيد المساكنة، بل وعاش هذه التجربة على مدار 10 سنوات مع حبيبته قبل أن يتزوجها، وهي الناشطة ألفت منذر، مشيراً إلى أنه سمح لابنته الكبرى التي تعيش حالياً في كندا بالمساكنة، ولا يرى في الأمر عيباً، كما أنه لا يهتم بآراء الآخرين في هذا الصدد.
من وجهة نظر يوري فإن من غير مقبول أن يتزوج شخصان ثم يفاجآن بعد فترة بعدم التوافق بينهما، لذلك فإن المساكنة قبل الزواج هي الحل الأفضل لمثل هذه المشكلات. وأكد أيضاً أنه شخص غير ديني، لكنه ليس ملحداً. ويرى أن الدين في الوقت الحالي يبعد الناس عن بعضهم بعضاً على عكس هدفه الأساسي.
وأعلنت الفنانة اللبنانية مايا دياب تبنيها فكرة المساكنة، إذ عاشت مع زوجها في البداية لمدة عامين من دون زواج حتى يتعودا على الوجود معاً ويفهم كل منهما عادات الآخر. وأشارت إلى أن نجاح المساكنة يدفع إلى الزواج في النهاية، بالتالي فإن من غير المبرر محاربتها، كما طالبت دياب بضرورة تدريس المناهج الجنسية في المدارس.
وكعادته أثار الفنان أحمد الفيشاوي الجدل بتصريحاته الجريئة بخصوص الموضوع نفسه، إذ قال إن أي رجل وامرأة لا بد أن يجربا كل شيء قبل الزواج، لكن بشرط وجود نية حسنة لديهما في استكمال المشروع، لا لمجرد إقامة علاقة عابرة. ويرى الفيشاوي في المساكنة حلاً مطروحاً في ظل الأزمات التي تعوق الزواج خلال الفترة الأخيرة.
وأيدت المخرجة المصرية إيناس الدغيدي المساكنة، مؤكدة أن “ممارسة العلاقة الحميمية من دون زواج تعد حرية شخصية، ولا دخل للحرام والحلال فيها”، على حد قولها.
وأكدت الممثلة المصرية منى هلال دعمها للمساكنة بالقول إن تعريف العلاقة الشرعية في المجتمع هي الإشهار والإعلان، وإذا طبق هذا الشرط في المساكنة يصبح الأمر طبيعياً ولا يستوجب الخجل أو التحريم ومحاربة المجتمع له.
وقال المطرب محمد عطية في تصريحات تلفزيونية إنه يدعم المساكنة لأنها تتيح التعارف النفسي والجسدي بين الرجل والمرأة، مضيفاً أنه لا يجد الزواج أمراً مهماً لأنه “اختراع بشري”، وما دام هناك توافق ورضا بين الرجل والمرأة فلا دخل للقانون والمجتمع في القصة.
من دون زواج
في تصريحات سابقة كشفت المطربة اللبنانية أليسا عن دعمها الكامل للإنجاب من دون زواج، بشرط أن يعترف الأب بابنه في ما بعد، وطالبت بتفعيل الزواج المدني في لبنان.
أخيراً، أعلنت الممثلة اللبنانية باميلا الكيك أنها لا تمانع الزواج من امرأة مثلها، بخاصة أنها لم تجد الرجل المناسب، بحسب قولها. وأشارت إلى أن الحب لا يكون حقيقياً من دون التفكير خارج الصندوق، ويسعدها أن تكون أول امرأة تتزوج من بنات جنسها.
وقالت الممثلة المصرية ناهد السباعي إنها لا تعترض على زواجها من شخص مسيحي الديانة، وأيدت فكرة تجميد البويضات، وأقرت بوجود المثليين “منذ بدء الخليقة”، على حد زعمها.
ودعمت الفنانة انتصار تدريس المناهج الجنسية في المدارس، وقالت إنها تتحدث عن كل ما يخص الجنس مع ابنها حتى تتشكل لديه ثقافة تحميه من أي موقف أو قصة حب من طرف واحد، وليتفهم حدود العلاقات العاطفية وأبعادها، مشيرة إلى أن غياب هذا الجزء يجعل بعض الشباب يمارسون العنف والذبح عندما يتعرضون لإحباط عاطفي، أو يدخلون في مرحلة اكتئاب.
في وقت سابق، أيدت المخرجة إيناس الدغيدي، المثلية، وتحدثت عن السيناريست تامر حبيب وارتدائه حلقاً في أذنه. وقالت في تصريحات تلفزيونية “تامر حبيب حر في ما يفعله، وأنا معتادة على معاملة الأشخاص ذوي الميول المختلفة، وأحترمهم، لأنهم لا يمارسون خطأً تجاه الآخرين، كما أن تامر سيناريست محبوب وموهوب”.
سلوكيات مشبوهة
رداً على الجدل الدائر بخصوص المساكنة وتصريحات النجوم في شأنها، أصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بياناً أوضح فيه رأي الدين في هذه الدعوات. وقال إن ما يسمى “المساكنة” عبارة عن تنكر للدين والفطرة، وتزييف للحقائق، ومسخ للهوية، وتسمية للأشياء بغير تسمياتها، ودعوة صريحة إلى سلوكيات مشبوهة محرمة.
وأكد البيان أن الإسلام أحاط علاقة الرجل والمرأة بمنظومة من التشريعات الراقية، وحصر العلاقة الكاملة بينهما في الزواج كي يحفظ قيمهما وقيم المجتمع، ويصون حقوقهما وحقوق ما ينتج من علاقتهما من أولاد في شمول بديع لا نظير له.
وأوضح البيان أن الإسلام يحرم العلاقات الجنسية غير المشروعة وما يوصل إليها ويسميها بـ”الزنى”، ومن صورها ما سمي “المساكنة” التي تدخل ضمن هذه العلاقات المحرمة في الإسلام وفي سائر الأديان الإلهية والكتب السماوية.
وحول مناقشة قضية المساكنة بوسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وتصريح بعض المشاهير من النجوم علانية بتأييد الفكرة، أكد البيان “أن عقد النقاشات حول قبول المساكنة على مرأى ومسمع من الناس طرح عبثي وخطر يستخف بقيم المجتمع وثقافته وهويته، ولا يمت للحرية من قريب أو بعيد إلا حرية الانسلاخ من قيم الفطرة وتعاليم الأديان”.
وأشار إلى أن تقديم المساكنة للمجتمع في صورة بديل الزواج أو مقدمة له بزعم تعرف كلا الطرفين على الآخر إمعان في إفساد منظومة الأسرة والمجتمع حقوقياً وأخلاقياً ودينياً، واختزال لعلاقة الزواج الراقية بين الرجل والمرأة في متعة زائفة، واعتداء على كرامة المرأة، وإهدار لحقوق ما ينتج من هذه العلاقة من أولاد، فالبدايات الفاسدة لا تثمر إلا الفاسد الخبيث.
وختم البيان بالتأكيد أن الجرأة في الطرح والسعي لتطبيع هذا النوع من العلاقات الشاذة والمحرمة يعصف بقيم الفطرة النقية، ويستهدف هدم منظومة الأخلاق، ومسخ هوية الأفراد، ويعبث بأمن المجتمعات واستقرارها.
لأجل عيون الجمهور
ربما تطرح مثل هذه القضايا الحساسة في المجتمع من وقت لآخر، لكنها تتفاقم وتثير زوابع وجدلاً ونقاشات حادة عندما يصرح بها نجوم الفن في برامج أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، فلماذا تطور الخطاب الجريء لدى بعض النجوم بعد عقود من الصمت والتصريحات المتحفظة، وهل من حق الفنان أن يتحدث في قضايا شائكة يرى بعض الناس أنها تهدم المجتمع؟
الناقد الفني طارق الشناوي يجيب بأن “النجوم يدلون بتصريحات مغايرة ومتناقضة من فترة لأخرى بهدف إرضاء الجمهور، ففي وقت ما كانت كل تصريحاتهم تقريباً تتلخص في رفض القبلات والمايوه والمشاهد الساخنة، ولا أعرف ما الذي جعلهم يتحولون 180 درجة ويدلون بتصريحات مثيرة بخصوص قضايا حساسة وجريئة”.
وأضاف الشناوي “لا أعتقد أن معظم النجوم صادقون في تصريحاتهم الآن عن الحرية، كما لم يكونوا صادقين في تصريحاتهم السابقة عن التحفظات، ولا أثق في أقوال جزء كبير جداً منهم، وفي رأيي أن الهدف الأساس من أية تصريحات مهما كان نوعها في أي وقت هو إرضاء الجمهور ومغازلة قناعاته، ففي وقت سيادة التشدد والسينما النظيفة كانوا يدلون بتصريحات متحفظة وصارمة، والآن تصب التصريحات في فكرة التحرر والانفتاح وتأييد قضايا تثير الجدل في المجتمع، في حين أن السينما المصرية ما زالت على تحفظها، وهذا يعني أن الانفتاح في التفكير الذي يدعيه بعضهم في تصريحاته ليس نابعاً من شعوره بحرية انعكست على الفن، ولكن لأسباب أخرى مثل (الترند) وتصدر مواقع التواصل الاجتماعي، أو الحصول على فرصة أكبر في الظهور ببرامج تلفزيونية تدفع كثيراً من الأموال، وهناك فئة أخرى من النجوم يعيشون في الظل منذ فترة، وجاءت التصريحات الجدلية الجريئة على طبق من فضة لتمثل لهم وسيلة من أجل العودة للأضواء”.
وأكد الشناوي “بكل أسف الفنانون ينافقون المجتمع، ويبحثون عن الرائج، وما يقولونه في الغالب لا يعبر عن قناعاتهم”، متابعاً “الفن يعاني أزمة كبيرة في حرية التعبير، وما زالت الرقابة تكبل الجميع بمحاذيرها، ولسنا في عصر متحرر يناسب تصريحات النجوم”.
وعبر الشناوي عن استيائه من زيادة جرعة محاولات إرضاء المجتمع من خلال تصريحات بعض النجوم، مثل تبرؤ بعض الفنانين من أدوارهم السابقة المهمة بسبب جرأتها خوفاً من الجمهور والمجتمع، كما تبرأ خالد الصاوي من دوره في فيلم “عمارة يعقوبيان” الذي جسد فيه شخصية رجل مثلي الجنس على رغم أنه واحد من أفضل أدواره.
شهوة “الترند”
تقول الناقدة ماجدة خير الله إن تصريحات النجوم الجريئة ليست أمراً غريباً، فمن حق الفنان أن يقول رأيه في أي شيء بالشكل الذي يريده، وعليه أن يتحمل النتيجة لأنه في النهاية رأيه الشخصي.
وأضافت ماجدة أن تصريحات النجوم الجريئة ليست السبب في حدوث الجدل أو محاولة تغيير التقاليد والقيم، لأن العالم منفتح الآن بشكل كبير، وفي أي مكان تصل إلينا ثقافات وتقاليد مغايرة، ومن حق كل شخص اختيار ما يناسب شخصيته حتى لو لم يوافق الآخر على رأيه مثلما يحدث في كل العالم.
وتابعت خير الله أن أكثر الدول انفتاحاً مثل أميركا ودول أوروبا تضم ثقافات مختلفة، لكن قيمة الأسرة والزواج والحياة الطبيعية المعتادة موجودة وراسخة. وهناك أيضاً تنتشر المساكنة والمثلية ولا يوجد من يعارضها، وكل شخص يختار ما يناسبه، ولكن لا يفرضه على الآخرين.
ونبهت ماجدة إلى أن المشكلة في تصريحات الفنانين الجريئة أن الناس ينظرون إليهم على أنهم قدوة، في حين أن الفنان مجرد إنسان عادي ولديه شخصيته الخاصة، وما يقدمه على الشاشة من أدوار لا يعبر بالضرورة عن قناعاته.
والموضوعات الجريئة مثل المساكنة والمثلية ليست وليدة اللحظة، في نظر الناقدة، فهي موجودة من قديم الأزل، وفي حياتنا شاهدنا حالات مختلفة ولم يهدم المجتمع، كما أن هذه الفئات ظهرت في أعمال فنية لأنها شخصيات واقعية وحقيقية لا بد أن تعرضها السينما والدراما، لكن هذا لا يعني أنه ترويج لهذه الأفعال، والمجتمع لا يقلد نماذج لمجرد مشاهدتها في عمل فني، ولا بد أن يفهم الناس ذلك.
ونبهت إلى أن تصريحات النجوم الأخيرة بخصوص القضايا الشائكة انتشرت وأحدثت كل هذا الصدى لأسباب كثيرة، أبرزها توحش سطوة مواقع التواصل الاجتماعي لدرجة جعلت الناس وكأنهم يعيشون في غرف نوم الآخرين ويعرفون كل تفاصيل حياتهم، كما أن انتشار البرامج التي تستهدف التصريحات الساخنة وإنفاقها مبالغ كبيرة مقابل ذلك شجع بعض الفنانين على التصريح بأشياء غير متوقعة تخالف السائد.
واختتمت خير الله بأنه يجب ألا ننسى ما يسمى “الترند” وما أحدثه من جنون لدى المشاهير جعلهم يقولون أشياء تبدو منبوذة حتى تثير جدلاً وتضعهم في منطقة الحديث، بالتالي يزيد سعرهم وشهرتهم والطلب عليهم في البرامج والمنصات.
اندبندنت