إنتبهوا ولا تشطحوا: كل ما يحصل لا يستحق أن يغيّر قيد أنملة في قراراته!

يراهن البعض على إمكانية تراجع «حزب الله» عن إصراره على ترشيحه لسليمان فرنجية. يستند هؤلاء المراهنون على أنّ المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية باتت تفرض واقعاً مغايراً يستوجب البحث عن مرشح آخر، وذلك انطلاقاً من نتائج الجلسة الأخيرة لانتخاب رئيس للجمهورية، التي أفرزت واقعاً جديداً قائماً على تعادل سلبي، لا بدّ من التعامل معه للخروج من نفق الاستعصاء القائم حالياً.

لكن «الحزب»، من جهته، يرى في مثل هذه المراهنات فرصة ليستثمر فيها ويتسلى قليلاً بأصحابها، يتركهم يحلمون بقدرات وهمية كفيلة بعرقلة مشاريعه وإرباكه. يتركهم يحسبون أنهم قادرون على استدراجه إلى حيث يستطيعون فرض شروطهم. فكل ما يحصل، ودائماً من وجهة نظر «الحزب»، لا يستحق أن يغيّر قيد أنملة في قراراته واستراتيجيته تجاه لبنان. لا شيء يرغمه على ذلك، ولا أحد يملك القدرة على إرغامه، ما لم يكن رأس محوره، فقط لا غير.

وهو لا يرى في المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية ما يخيفه. وحتى تاريخه، هو يعتقد أنّ باستطاعته إلغاء أي آخر يقف حجر عثرة في وجه مشاريعه ومخططاته. وهو لا يهتم بمعاناة الناس وخسارتهم ودائعهم وجوعهم وفقرهم وغياب أي ضمانات أو حماية لهم من دولتهم. فهو لا يريد للبنانيين إلا البقاء جماعات لا دولة تحميهم وتحوِّلهم إلى شعب له إرادته وحريته، وله قدرته على محاسبة من لا يحترم الآليات الدستوريّة والديموقراطيّة. كما أنّ مسؤولي «الحزب»، وتحديداً هؤلاء الذين يهدّدون ويخوِّنون تارة، وينادون للحوار متى يشاؤون، يعرفون يقيناً أنّ محاولات الآخرين لمواجهتهم تجريبية وبدائية. إلا أنّ هذه المعرفة لا تحول دون استثمارهم ما يدور حولهم، حتى تستمر اللعبة القاضية بملء فراغ الرئاسة بمهاترات من هنا وهناك. من هنا لا يبدو التلويح بما يسمى «وحدة المسيحيين» خطراً على وجودهم ونفوذهم. على العكس، مثل هذا المسمى يخدمهم، تماماً كما خدمتهم التصريحات التي أطلقتها قوى المعارضة النيابية بشأن مقاطعة جلسات تأتي بفرنجية حصراً رئيساً للجمهورية. فهي وإن بقيت كلاماً معلقاً في الهواء، إلا أنّ «الحزب» ومن يدور في فلكه استخدمها ليهاجم هذه المعارضة، على الرغم من أنّه وفي الجلسات الـ12 التي عقدت لانتخاب رئيس الجمهورية، طبّق هذه المقاطعة.

بالتالي، فإنّ أي تصريح أو موقف لفريق طائفي من القوى السياسية، وإن بقيَ من دون حيثيات تطبيقية يخدم «الحزب» ويمنحه هبة مجانية، لأنّه يصبح حجة فاعلة لوحدة الشيعة، المفروضة عقائدياً وقسرياً مع التخويف من الآخر الحامل شعار وحدة هشة دونها طموح كل ماروني للوصول إلى سدة الحكم على حساب شقيقه في الوحدة، التي لن تحصل وستبقى بعبعاً لمصادرة إرادة البيئة الحاضنة تحت عنوان حمايتها من الذين يتربصون بها. وهو يتفرج على القوى المسيحية التي تنتشي بما حققه تقاطع مصالحها، مع يقينه بأنّ فيها ودائع حاضرة لقلب الطاولة على أي تفاهم ونقل البندقية من كتف إلى آخر متى توفرت الظروف الدسمة والمجدية لذلك. وما دام «الحزب» يشعر بقدرته على إخضاع مريديه وخصومه، سوية، عبر ثقافة الفرض والترهيب والتخوين وتحدي إرادة اللبنانيين، فهو سيبقى ينظر بتعالٍ إلى الذين يتوهمون أنّه بصدد التراجع عن قراراته، سواء تعلق الأمر بانتخاب رئيس للجمهورية أو بضبط حدود أو بإزالة تعديات ومخالفات في دساكره… لذا سيقف «الحزب» مراقباً للمبادرات التي قد يحملها الخارج في محاولة كسر الجمود الراهن لجهة انتخاب رئيس للجمهورية، ولسان حاله يحذر أصحاب الأوهام، فيقول لهم: إنتبهوا ولا تشطحوا… فتكوين المشهد النهائي لهذه الأزمة لا يزال في بداياته.

سناء الجاك- نداء الوطن

مقالات ذات صلة