«الفيلوفوبيا» أو «رهاب الحب» مرض حقيقي قد يحطّم القلب!

الحب كلمة تعني «اريد ان أكون معك»، غير ان هذا المفهوم الذي نشأنا وترعرعنا عليه تبدّل اليوم ولم يعد الالتزام امراً رائجاً في الوقت الحالي، حتى أن البعض من باب الفكاهة استخدموا مفردات مضحكة مثل، «الحب صاير صيني» في إشارة الى انه يفسد بسرعة. وفي هذا السياق يقول الروائي جورج اليوت عن ميل الفرد الى الاهتمام الرومانسي ضمن إطار الغموض عند شعوره بالغيرة في المراحل الأولى من العلاقة، «لا يمكن إرضاء الغيرة الا بالمعرفة الكاملة التي تكشف أعمق خبايا القلب». على مقلب آخر، يوجد اشخاص يخافون من الارتباط ويتحاشون مشاعر اللوعة والوداد والتودد الى الطرف الآخر وهذا ما يسمّى «بمتلازمة الفيلوفوبيا».

بالمقابل، الكثير من الأشخاص يفضلون عدم الانخراط في علاقات متينة، وقد راقب علماء النفس ظاهرة القلق الكامنة في محبة الآخر والفزع المتعلق من الالتزام بالغرام. وتبيّن ان هناك فئة تخاف من تلقي الحب وتبادله. وهذا يشير الى اضطراب نفسي خاص بالخوف من الارتباط عاطفيا وهو ما يسمى بـ رهاب الحب».

على خطٍ موازٍ، فإنّ الحب امره غريب، يرتقي في كثير من الأوقات ليصبح من اهم متطلبات الحياة التي لا يمكن تركها، ويتحول هذا الشعور بالنسبة للبعض كالهواء والماء ليس باستطاعة المرء الاستغناء عنه، وزمرة تتهرب من العلاقات والالتزام لا بل تغلق جميع الأبواب والمنافذ التي قد تصل بهم الى شيء اسمه «الغرام» حتى عُرِفت هذه الحالة بـ «متلازمة الفيلوفوبيا»، فما هي هذه الاختلاجات؟

«رهاب أو حب»!

الفيلوفوبيا مصطلح مشتق من الكلمة الاغريقية «FILOS» ومعناها الحب، بالإضافة الى كلمة «فوبيا» وتعني الخوف الذي يتمثل برهاب الوقوع في العلاقات العاطفية او الالتزام بأي شكل من اشكاله، مما يجعل المصاب به يسعى للابتعاد والتنصل من أي شغف.

في سياق متصل، تعرّف الاختصاصية النفسية غنوة يونس هذه المتلازمة على انها، «رعب يصيب الشخص من الوقوع في الهوى، او أي ارتباط تتغلب عليه المودة والمشاعر، وهذا ما يدفع المصاب بهذه الحالة الى الانسحاب من أي اتصال او ميثاق عشق».

وقالت لـ «الديار»، «ان هذا الجزع يطال كل مواقف حياة المصاب والتي يكون عنوانها العهد باقتران ما مع طرف آخر تظهر ميول الحنو والولع في هذا الالتزام، وهناك كثر ممن لديهم هذا «الرهاب» يتجنبون الاختلاط مع المتزوجين او الذهاب الى أماكن فيها اشخاص تجمعهم علاقات عاطفية».

الأسباب والدوافع

تطرقت يونس الى الدراسات التي تقول: «ان هذا الاضطراب ناتج عن صدمة معينة حصلت في ماضي المصاب وقد حملها معه منذ الطفولة، وهذا الذهول قد لا يرتبط بعلاقة غرامية أقامها وفشلت. وقد تكون هذه الحيرة مقترنة في انخراطه مع ذويه على سبيل المثال في حال تخلى أحد الوالدين عن هذا الشخص في صغره بسبب عامل الطلاق، وهذا ما خلق لديه الشعور بالرفض حتى أصبح يخاف من الالتصاق وإقامة العلاقات العاطفية مع أي فرد قريب منه لاعتقاده انه سيتركه كما فعل اهله».

تابعت، «كشفت الدراسات ان أكثر الافراد الذين يعانون من هذه المتلازمة قد تعرضوا لنازلة مبكرة من جانب العائلة نتيجة تخلي الاب او الام عنهم، او في حال كان يقيم علاقة عاطفية ويعلق عليها الآمال وفجأة ابتعد الشريك نتيجة اعتبارات معينة وهذا الامر شكّل له صدمة وهو ما دفع به الى تحييد نفسه عن الألم لمرة ثانية. وبالتالي لا يفسح المجال لودٍ جديد، ولهذا نجده يسيطر على مشاعره بالطرق والوسائل المتاحة لديه، ويكبت احاسيس الغيرة وكل ما يتصل بالحب ليعزل نفسه عن هذا الوجع».

عوامل نفسية

تحدثت يونس عن الجانب المتعلق بالضغط النفسي قائلة، «قد يصاب الشخص برهاب الوقوع في الحب بسبب حالة وراثية، اذ يولد الأشخاص بميل الى ان يكونوا أكثر قلقا تجاه أمور معينة تتعلق بالاندماج». اضافت، «من المرجح ان تسوء حالة هؤلاء، نظرا للتغييرات في وظائف الدماغ. وهناك اختلال التوتر الذي يجعل الافراد يشعرون بأنهم لا يستحقون الهيام، وبالتالي يعيشون في عزلة وبُعد عن المجتمع، وقد يكون هذا الامر نتيجة ضعف الثقة بالنفس وهذا ما يجعل المصاب يلغي فكرة الزواج بشكل كلي».

الحلول

نصحت يونس، «المصابين بهذه المتلازمة في حال ساءت حالتهم وفقدوا السيطرة على أنفسهم بالتوجه الى طبيب مختص وفي بعض الحالات المتطورة والشديدة والمتقدمة من مراحل المرض يتم اللجوء الى العقاقير والأدوية، وذلك للتحكم في أفكار المصاب تجاه مشاعر الغرام، وعادة ما تكون هذه البلاسم مضادة للاكتئاب».

واعتبرت، «ان العلاج السلوكي المعرفي او ما يسمى «CBT» أحد أفضل الوسائل المتبعة في علاج «الفيلوفوبيا» وللشفاء أيضا من امراض الفوبيا بصفة عامة. ويقوم هذا العلاج على عدة جلسات محادثة مع المصاب. وفي هذه الحالة يحدد الطبيب المعالج الأفكار الخاطئة عند الشخص والأسباب التي جعلته ضحية لـ «رهاب الحب».

اضافت، «يهدف هذا النوع من العلاج الى مساعدة الفرد على تبديل طريقة تفكيره ونظرته للأشياء. ومساندته لترك الأفكار السلبية والاستعاضة عنها بتلك الإيجابية، وارشاده بزيادة التسامح مع النفس وتشجيعه على الهيام وإقامة العلاقات الغرامية».

ولفتت، « الى علاج ثالث ويكون عن طريق الصدمة اي بمشاهدة المريض الأفلام الرومانسية لمعرفة ردة فعله وكيفية تفاعله معها بهدف الوصول في نهاية الامر الى طريقة لمعاونته على الحد من القلق ومواجهة الرهاب الذي يعيق ارتباطه مع الطرف الآخر».

وختمت، «هناك تمرينات يصفها الطبيب للمريض تتمثل في كيفية التنفس بعمق والتي من شأنها ان تساعد المريض على الاسترخاء والهدوء فضلا عن التحكم والسيطرة على اعراض المتلازمة».

ندى عبد الرزاق- الديار

مقالات ذات صلة