ماذا لو اختفت أدوية الاكتئاب عالميا؟
على ناصية المزاج البشري يقف الاكتئاب ضارباً بالصحة العقلية للملايين عرض الحائط، وبسؤال افتراضي للذكاء الاصطناعي عما سيحدث بمجرد توقف إنتاج الأدوية المضادة للاكتئاب عالمياً كانت الإجابة مؤلمة، إذ ستواجه البشرية ارتفاعاً في عدد ضحايا هذا المرض.
يعتمد ملايين البشر على أدوية محددة للتحكم في أعراض الاكتئاب وتحسين حالتهم النفسية، ولعل التوقف عن تناولها يضاعف خطورة الأعراض، مما يؤدي إلى زيادة في الاضطرابات الاجتماعية مثل ارتفاع معدلات الانتحار والعجز الوظيفي، وستكر سبحة التأثيرات السلبية كأحجار الدومينو.
العجز الوظيفي العام بدوره سيؤدي إلى زيادة الأعباء الاقتصادية على المجتمعات والنظم الصحية في حال توقف إنتاج الأدوية المضادة للاكتئاب، وقد يستغرق اكتشاف وتطوير أدوية جديدة وقتاً طويلاً تستفحل فيه المشكلة عالمياً.
الاكتئاب في أرقام
بالعودة إلى الواقع وبعيداً من توقعات برامج الذكاء الاصطناعي، ترصد أحدث أرقام منظمة الصحة العالمية معاناة ما يقارب 3.8 في المئة من سكان العالم الاكتئاب، وهذا ما يعادل 280 مليون شخص، وقد تتضاعف هذه الأرقام إذا أخذنا في الاعتبار الحالات غير المسجلة أو التي لا تلقى متابعة طبية، وهي الأكبر عدداً خصوصاً بالدول الفقيرة.
ويتوزع المكتئبون في العالم على خمسة في المئة من البالغين و5.7 في المئة بين الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً. وفي جميع أنحاء العالم يعاني أكثر من 10 في المئة من النساء الحوامل والنساء اللائي ولدن للتو الاكتئاب، ويموت أكثر من 700 شخص بسبب الانتحار كل عام، ولا تحتسب بين هذه الأرقام أيضاً الحالات غير المسجلة، ويعتبر الانتحار الناتج من الاكتئاب السبب الرابع الرئيس للوفاة بين المراهقين، بحسب المنظمة.
ولا يتلقى أكثر من 75 في المئة من مواطني البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل أي علاج، إذ يحول دون الرعاية الفعالة الافتقار إلى الاستثمار في رعاية الصحة العقلية، علاوة على الوصم الاجتماعي السلبي للمصابين بالاضطرابات النفسية. وعليه توصي منظمة الصحة العالمية بتطوير المناهج المجتمعية للوقاية من الاكتئاب، سواء في البرامج المدرسية أو عبر تدريب الأهل على اكتشاف اكتئاب أولادهم وكيفية التعامل معهم لإعادة دمجهم.
جينات الأطفال
والاكتئاب لدى الأطفال ليس مكتسباً دائماً، بل بات معروفاً أنه يتوارث عبر الجينات مما قد يؤثر في التوازن الكيماوي في الدماغ والتفاعلات العصبية المرتبطة بالمزاج والعواطف والتغيرات في مستويات المواد الكيماوية في الدماغ مثل السيروتونين والنورإبينفرين.
وتضاف إلى التوازن العصبي الدماغي العوامل البيئية والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة والتوتر العائلي والموت أو فقدان الأحباء والتعرض للعنف أو التمييز والضغوط المهنية، إلى مزيد من خطر الإصابة بهذا المرض.
ومن المعروف في علم النفس المعاصر أن حالة الأم النفسية تترك تأثيراً كبيراً في حالة أطفالها النفسية، فالسيدة المكتئبة فترة حملها أو بعد الإنجاب ستجد صعوبة في التفاعل والرعاية العاطفية، مما يؤثر في ربطها العاطفي بأطفالها. وقد تجد الأم صعوبة في القيام بالمهام اليومية لرعاية الأطفال، مثل تغذيتهم وتنظيفهم وتأمين حاجاتهم الأساسية، مما يرتب انعكاسات سلبية على سلامتهم النفسية والعقلية وتكيفهم الاجتماعي.
ماذا لو اختفى؟
مرض الاكتئاب يعرف بأنه اضطراب نفسي شائع يتسم بمشاعر الحزن العميقة وفقدان الاهتمام والسعادة في الحياة ويؤثر في مختلف جوانب الحياة اليومية مثل العمل والعلاقات الاجتماعية والنشاطات الشخصية، وينتج عن تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية، مثل الأشخاص الذين مروا بأحداث حياتية سلبية كالبطالة والفجيعة من أحداث مؤلمة.
وتختلف معدلات انتشار الاكتئاب من دولة إلى أخرى ويتأثر بعوامل مختلفة مثل الثقافة والظروف الاجتماعية والاقتصادية والصحية، وقد تكون هناك مجتمعات أو جماعات بشرية تعاني معدلات أعلى من غيرها.
حين سألنا برنامج الذكاء الاصطناعي عن تصوره لحالة المجتمع البشري لو كان البشر لا يعانون الاكتئاب بتاتاً، أجاب بأنه من الصعب تخيل كيف ستكون حياة البشر إذا لم يكن هناك هذا المرض، لأنه جزء من تجربة الحياة البشرية، ولكن يمكن توقع أنهم سيكونون أكثر سعادة ورضا في الحياة وقدرة أكبر على التكيف مع التحديات النفسية وبناء وصيانة العلاقات الاجتماعية الصحية والمثمرة.
أما في حال ارتفاع معدلات الاكتئاب الاجتماعي العام فإنه سيؤدي إلى تراجع في الأداء والإبداع المجتمعيين، وقد يرفع معدل الغياب والعجز عن العمل، مما يؤثر في الاقتصاد المحلي والوطني والتنمية، وتراجع الاستثمارات وارتفاع كلفة الرعاية الصحية وتباطؤ النمو الاقتصادي.
اندبندنت