سنترالات أوجيرو: ما خفي أعظم!

انعكس عقم إجراءات وزارة الطاقة لتأمين الكهرباء، واقعاً مأساوياً على القطاعات كافة، ومنها هيئة أوجيرو التي تعتمد سنترالاتها بشكل أساسي على مؤسسة كهرباء لبنان، فيما تبقى مولّداتها الخاصة كحلٍّ احتياطي للطوارىء. على أنَّ استدامة أزمة الكهرباء جَعَلَ الطارىء ثابتاً، الأمر الذي زاد حاجة أوجيرو للمازوت لتشغيل المولّدات. وضعف الاستجابة لتأمين المازوت، أدّى إلى توقّف السنترالات بشكل متقطّع في المناطق.

لكن للقضية أبعاداً أخرى تتخطّى تأمين المازوت. بل تُحوِّل هذه الحاجة إلى “ذريعة” للتغطية على أغراض اخرى.

الإضرابات وتوقُّف السنترالات
تتوقّف السنترالات بشكل شبه يومي في أكثر من منطقة، وتختلف أسبابها بين نفاد المازوت من المولّدات وحاجة السنترالات للصيانة، بالإضافة إلى إضراب موظّفي أوجيرو عن العمل.

وفي المستجدّات، أعلن المدير العام لهيئة أوجيرو عماد كريدية، يوم الأربعاء 31 أيار “توقف سنترال رياض الصلح لنفاد المحروقات منه”. وسبق ذلك، يوم أمس، “عطل تقني على سنترال صيدا، عملت فِرَق أوجيرو على إصلاحه”. وبالتوازي، أعلن موظّفو الهيئة إضراباً تحذيرياً يوميّ الثلاثاء والخميس في 6 و8 حزيران المقبل، سيتوقّفون خلاله عن العمل بشكل تام. وسيُنفِّذ الموظّفون يوم غدٍ الخميس اعتصاماً أمام المبنى الرئيسي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في وطى المصيطبة.

وتأتي تحرّكات الموظّفين كردٍّ على تجاهل التحرّكات السابقة التي أطلقت خلالها إدارة أوجيرو ووزارة الاتصالات والحكومة “وعوداً بتلبية مطالب الموظفين، بعد الإضراب الكبير الذي حصل في آذار الماضي”.
وفي ظل هذا الواقع، لا يخفي كريدية احتمال توقُّف الكثير من السنترالات خلال أسبوع. ما سيؤثّر على عمل المؤسسات الرسمية والخاصة، ومنها المستشفيات والمدارس والمراكز العسكرية. فضلاً عن تأثُّر خدمات الانترنت لشبكتيّ الخليوي تاتش وألفا، وكذلك انترنت الشركات الخاصة الموزَّع على المنازل، لأن الشركات تشتري حزم الانترنت من أوجيرو. ولاستباق الوقوع في الأزمة، لا سبيل إلاّ بفتح اعتمادات مالية لأوجيرو لشراء المازوت وتشغيل المولّدات.

المازوت “تنفيعة” وحجّة لرفع السقف
قطاع الاتصالات ليس بأفضل أحواله، وهذه ثابتة لا جدال فيها ولا تنحصر بالمستجدّات المرتبطة بالأزمة، وتحديداً بانهيار قيمة الإيرادات بالليرة التي تحصل عليها أوجيرو من الخزينة، إلى جانب الحاجة المتزايدة للدولار لشراء كميات مازوت إضافية. ولا غنى أيضاً عن الحاجة للدولار لشراء قطع الغيار وإجراء الصيانة. فأزمة القطاع تذهب عميقاً نحو وجود “رغبة واضحة بتدميره لتبرير خصخصته بالكامل، وما الفضائح والسياسة التي اعتُمِدَت في العام 2017، سوى خطوة في هذا الطريق”، وفق ما تقوله مصادر في أوجيرو لـ”المدن”.

والخطوات تتواصل بنظر المصادر “وعدم تأمين الكهرباء للسنترالات، هو أحد أبرز العوامل التي تعاني منها أوجيرو. لكن الحل لا يكمن فقط بتأمين المازوت، بل على العكس، يُستَعمَل المازوت لرسم صورة مقصودة لهذا القطاع قبل تدميره، صورة مفادها أنه ليس قطاعاً مدمّراً، وأن وزارة الاتصالات وإدارة أوجيرو تعملان على تسييره. فالإتيان بالمازوت سريعاً يعني تشغيل السنترالات وحل المشكلة”.

هذا الحل يأتي على حساب الموظفين والمالية العامة والناس. فالموظّفون لم يُحسّنوا رواتبهم، ولم تحسم وزارة الاتصالات ومجلس الوزراء مسألة دولرتها أو الدمج بين الدولرة والليرة، ولم تُعطَ مستحقاتهم المدرسية، وما زالت تقديماتهم وتعويضاتهم في الضمان الاجتماعي بالليرة بلا قيمة. ولذلك، فإن “عدم حلّ مشكلة الرواتب والمستحقات للموظفين، يعني إهمال عنصر مهم من عناصر تأمين استدامة العمل في الهيئة. فتأمين المازوت بلا موظفين لتشغيل وصيانة السنترالات، لا يصحّ. كما أن عدم توفير الدولار لشراء قطع الغيار، سيؤدّي دائماً إلى الأعطال وتوقّف السنترالات”.

ولا تستغرب المصادر التركيز على المازوت بوصفه الحل السحري لأزمة الاتصالات والانترنت، لأن “هناك تنفيعات خلف المازوت، تتمثّل بصرف نحو 3 مليون دولار شهرياً للمورّدين، فيما وزارة الطاقة يمكنها الاعتماد على الطاقة الشمسية لتأمين الكهرباء”. ومع ذلك، تلفت المصادر النظر إلى أن مسألة توفير الطاقة “ليست من اختصاص الموظّفين، ولذلك لا يجب حصر مشكلة أوجيرو والسنترالات بالطاقة”.

من ناحة ثانية، “لا نظرية مؤامرة تتعلّق بتدمير القطاع وبيعه بالمجّان”، بالنسبة لوزير الاتصالات جوني القرم، الذي أوضح أن “هناك واقع على الأرض”، يتعلّق بالمازوت وأموال الصيانة وأموال الموظّفين. والحلول أخذت مدّة “أطول مما كنّا نتوقّع بسبب ظروف البلد”. ومع ذلك “واجباتنا هي تأمين متطلبات الموظفين مع المعنيين بوزارة الاتصالات ووزارة المالية”. وجزم القرم أن مستحقات الموظفين سيتم قبضها قريباً.

أسباب الأزمة متشابكة وحلولها أيضاً، فالقرار الأساس بيد مجلس الوزراء، وهذا ما يدفع كريدية والموظفين إلى رفع السقف، كُلٌّ بحسب موقعه وليشكل الضغط الذي يصب في النهاية عند مجلس الوزراء. فكريدية “يستعمل المازوت لرفع السقف وعدم تحميله مسؤولية تردّي أوضاع الاتصالات والانترنت”. وفي هذا السياق، يُستعاد موقف كريدية تجاه إضراب الموظفين منذ نحو شهرين، إذ اعتبر أنه “إما ان تكون المواجهة مع نحو 1000 موظّف أو تكون مع نحو 2 مليون لبناني”، قبل أن يليّن موقفه ويدعم مطالب الموظفين، معيداً تصويب المعركة نحو مجلس الوزراء.

يُخفي المازوت الكثير من المعطيات تتعلّق بأزمة إدارة قطاع الاتصالات. فتأمين المازوت وتشغيل السنترالات يخفّف ضغط المطالب على السلطة السياسية من جهة، وتُشكِّل الحاجة الملحّة لتأمينه، ممرّاً لرفع التعرفة على المواطنين.

خضر حسان- المدن

مقالات ذات صلة