ترويج كلام حول «الفتنة المسيحية ـ الشيعية»… وهذه اسبابها؟
كثيراً ما ألقى «الثنائي الشيعي» بالمسؤولية على القوى المسيحية (المبعثرة) في تعطيل الاستحقاق الرئاسي. ماذا اذا حدث المستحيل ـ لنقل شبه المستحيل ـ واتفقت هذه القوى على تبني الوزير السابق جهاد أزعور، واذا آزرها في ذلك «اللقاء الديموقراطي» بزعامته الدرزية، اضافة الى غالبية نواب «التغيير»؟
أحد الأساقفة قال لنا «كيف يحق للثنائي أن يقفل كل المقاعد النيابية في وجه أي مرشح شيعي من خارجه، لقطع الطريق على المنافسة حول رئاسة المجلس النيابي، ولا يحق للمسيحيين وهم الأساس في قيام الدولة اللبنانية اختيار رئيس الجمهورية المسيحي؟
لا تقنعه اجابتنا بوجود فارق دستوري وسياسي ومعنوي بين الموقعين. هنا نحن أمام رئيس للدولة بكل مقوماتها لا رئيس مؤسسة دستورية، وان كانت تضم كل ممثلي الأمة…
احدى الحجج التي طرحتها مقالات الدكتور أنطوان مسرّة الذي يحيط المقام الرئاسي بهالة من القداسة. وهذا في نظره ما تقضي بها المادة 49 من الدستور، حيث رجل القصر هو «رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن، ويسهر على احترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان، ووحدته وسلامة أراضيه».
للخبير الدستوري نظرته الى «التوافق» الذي هو في القراءة الشائعة، نتاج توازن القوى بين زعامات وبين مصالح، معتبراً أن هذا التوازن هو «استمرارية نهج سابق في خرق سيادة الدولة، واستمرارية الكارثة باحياء طبقة حاكمة مناقضة للدستور وللميثاق».
تعقيب الأسقف كان بعيداً عن هذا السياق. قال «لا أعتقد أن سليمان فرنجية منزل من السماء، والا كان اسمه مدرجاً في الانجيل»، آملاً أن «تفضي العملية الدستورية هذه المرة الى فتح ثغرة لتغيير الركام السياسي الراهن، وقد بلغ حدوداً هائلة من الاهتراء»…
رأى أن أزعور يمكن أن يكون تلك الفرصة، دون أن يعنيه أن اختياره كان من قبل أركان في المنظومة اياها، كما أنه كان وزيراً للمالية، وحيث البلاء العظيم، ومستشاراً للرئيس فؤاد السنيورة، الذي طالما كان المايسترو في تلك السياسة التي قادت البلاد الى الخراب.
واثق من أن أزعور، الآتي من مؤسسة تحيط بكل أبواب الفساد في لبنان، لا يمكن الا أن يسلك طريقاً آخر، ومن يعرفه «يؤكد أنه اذا حالت الأوليغارشيا دون المباشرة في تطبيق سياسة الانقاذ خلال المئة يوم الأولى من العهد، لن يتوانى لحظةً عن الاستقالة، بهز كل أركان الفساد، لا أن يفعل ما فعله الرئيس ميشال عون الذي كان يعلم أننا ذاهبون الى جهنم، وقد قال ذلك علناً ، وبالرغم من ذلك بقي نزيلاً (سعيداً) في القصر».
البعض بدأ بترويج كلام حول «الفتنة المسيحية ـ الشيعية» اذا حاول الثنائي تعطيل النصاب، وابقاء الموقع المسيحي الأول شاغراً، كما أن حاكمية المصرف المركزي ستنتقل الى شيعي، و»لا ندري الى من ستذهب قيادة الجيش اذا امتد الفراغ حتى كانون الثاني المقبل».
قد يكون علينا أن نستذكر أن «الميثاق الوطني» كرّس مثل «وثيقة الطائف»، فديرالية الطوائف (ما يستتبع تلقائياً فديرالية المفاهيم)، أي أن اختيار رئيس الدولة، باعتباره القطب المركزي في هذه الفديرالية، يجب أن يحظى بموافقة سائر مكونات الدولة اللبنانية.
في هذه المناخات العصبية (والضبابية في آن) لا مجال للولوج الى المسببات البنيوية للأزمة، وحيث الافتراق الدراماتيكي بين نظرتين الى الأمن الاستراتيجي للبلاد. هنا الالتحاق بالقافلة والتطبيع مع «اسرائيل»، وهناك الصراع مع «اسرائيل» المعنية ـ ايديولوجياً ـ بتفكيك النموذج اللبناني.
المشكلة أن ثمة من يرى في المقاومة التي أرست معادلة توازن الرعب مع «اسرائيل» «حالة ايرانية»، دون العودة الى جذور المشكلة، وحيث يبدو جليّاً عجز الدولة والى حد تسليم مفاتيح الجنوب الى ياسر عرفات (اتفاق القاهرة عام 1969 )، ليسلّم هو (أجل هو) هذه المفاتيح الى آرييل شارون الذي احتل حتى القصر الجمهوري، وكاد يقتحم مكتب رئيس الجمهورية لولا الـ «لا» الأميركية.
لماذا اضاعة الوقت، ودفع الفئات اللبنانية الى التفتت اكثر فأكثر (وربما التفتت الدموي) ؟ لا رئيس دون الأخذ بالاعتبار فديرالية الطوائف، و… فديرالية المفاهيم !!
نبيه البرجي-الديار