أيّ سيناريو لجلسة انتخاب الرئيس؟
تستمر المبادرات الداخلية لانتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، من دون أن تؤدّي أي منها الى أي نتيجة ملموسة. وفي الوقت الذي تؤكّد فيه قوى المعارضة على إنجاز الاتفاق مع “التيّار الوطني الحرّ” على اسم الوزير السابق جهاد أزعور، الذي يرفضه حزب الله و”الثنائي الشيعي”، فهذا يعني تعقيد الأزمة أكثر فأكثر وإطالة أمد الشغور الرئاسي وعدم حصول انتخاب الرئيس خلال شهر حزيران المقبل، على ما هو متوقّع، إلّا إذا أراد الفريقان إنتاج الرئيس من خلال تسوية ما، بدلاً من احتساب موازين القوى في المجلس النيابي.
تقول مصادر سياسية عليمة انّ توافق المسيحيين على اسم مرشّح معيّن ضد مرشّح “الثنائي الشيعي” من دون حصول تسوية داخلية بين الفريقين على انتخاب هذا المرشّح أو ذاك، يفتح الباب للحوار بين الفريقين على مرشّح ثالث، إذا وافق كلّ من الفريقين على ذلك، لعدم إطالة الفراغ الرئاسي. على أن يكون هذا المرشّح على مسافة واحدة من الجميع، ولا يستفزّ أي من المكوّنات السياسية المسيحية والإسلامية. أمّا في حال جرى الإعلان عن الاتفاق على اسم المرشّح الذي تقاطعت عليه قوى المعارضة و”الوطني الحرّ”، فسنكون أمام مرشّحين جديين للرئاسة هما: الوزير السابق سليمان فرنجية المدعوم من “الثنائي الشيعي” مقابل الوزير السابق جهاد أزعور المدعوم من الكتل والأحزاب المسيحية، ما يستدعي الدعوة الى جلسة جديدة لانتخاب الرئيس.
وأمام هذا الواقع، على ما أضافت المصادر، وفي حال قام رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بالدعوة الى الجلسة الـ 12 المنتظرة لانتخاب الرئيس خلال شهر حزيران المقبل، فسنكون أمام أحد السيناريوهات المطروحة الآتية:
1- تأمين النصاب القانوني لجلسة الانتخاب والذهاب الى المواجهة السياسية، أي أن يقوم كلّ من الفريقين بانتخاب مرشّحه، ومن ثمّ الذهاب الى دورة ثانية وثالثة ودورات لاحقة… مع عدم قدرة أي من المرشحين على تأمين الـ 65 صوتاً في الدورة الأولى بسبب اعتماد البعض على الورقة البيضاء، أو أي أسماء أخرى. ولا يحصل ذلك إلّا في حال لم يقم أي طرف بتطيير النصاب لمنع حصول أحد المرشّحين على الأغلبية المطلقة من الأصوات. وهو سيناريو مستبعد.
2 – تأمين النصاب القانوني للجلسة، وإمكان أن يحوز أحد المرشحين (فرنجية أو أزعور) 65 صوتاً من الدورة الأولى، فيقوم الفريق الآخر بتطيير النصاب للدورة الثانية لمنع وصول أي منهما الى قصر بعبدا.
3 – عدم تأمين النصاب القانوني للجلسة من قبل بعض الكتل النيابية، وفضّها قبل أن تبدأ. وهو سيناريو مستبعد أيضاً، لكي لا يتمّ اتهام الذين لم يلبّوا الدعوة الى جلسة الانتخاب بالتقصير في أداء مسؤولياتهم.
وهذا يعني أنّ السيناريو الثاني هو الأكثر ترجيحاً، على ما أشارت المصادر نفسها، ويستدعي حصوله إعادة خلط التحالفات الداخلية لقبول أحد الفريقين مرشّح الفريق الآخر، أو الموافقة على الحوار بهدف الذهاب الى مرشّح ثالث غير استفزازي لأي من المكوّنات السياسية. وهذا الأمر سيستلزم وقتاً أطول من حزيران المقبل، ما من شأنه تمديد فترة الشغور الرئاسي، وبالتالي أزمات البلاد المتراكمة.
وبرأي المصادر، إنّ الذهاب الى خيار ثالث يفرضه الرفض القاطع من قبل الأحزاب المسيحية لا سيما “التيّار الوطني الحرّ” و”القوّات اللبنانية” و”الكتائب” للمرشح فرنجية، الى جانب الرفض المماثل من قبل “الثنائي الشيعي” للمرشّح أزعور. وأمام هذا الحائط المسدود، فإنّ الحوار سيفرض نفسه على الساحة الداخلية، في حال وافقت المكوّنات السياسية على ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت ممكن، وإلّا فإنّ استمرار الشغور الرئاسي سيطول كثيراً.
فدول الخارج، رغم اهتمامها بلبنان، إلّا أنّها نفضت يدها على ما يبدو من إيجاد الحلّ الجاهز وإنزاله بالباراشوت للمسؤولين اللبنانيين، وخصوصاً أنّها غير متفقة بين بعضها بعضا لا على اسم الرئيس المقبل للبنان، ولا على اسم رئيس الحكومة. ولهذا ترمي الكرة في ملعب اللبنانيين وتكرّر الدعوة لهم، في كلّ مؤتمر واجتماع ومناسبة، بضرورة انتخاب الرئيس في أسرع وقت ممكن، وتشكيل حكومة قادرة على الإنقاذ وعلى تحقيق الإصلاحات الهيكلية المطلوبة. علماً بأنّ بقاء الشغور الرئاسي على حاله يؤثّر سلباً في الوضع العام في البلاد، ويزيد من شلله على مختلف القطاعات، كما في استفادة لبنان من فرصة التغيّرات الإقليمية التي طرأت على المنطقة.
وتجد المصادر عينها أنّ افتراق الوطني الحرّ وحزب الله في الملف الرئاسي، الذي لم يكن جزءاً من “تفاهم مار مخايل”، لا يعني حصول الطلاق بين الحزبين، ولكنّه لا يشير في الوقت نفسه، الى أنّ التفاهم بينهما هو على أفضل حال. الأمر الذي يفترض بعد انتخاب الرئيس، ايّاً يكن، ذهاب الحزبين الى إعادة صياغة التفاهم وفق أسس جديدة، سيما أنّ خطوط التواصل لم ولن تنقطع بينهما حتى الآن، سيما أنّ مصالح عديدة تجمعهما، رغم الاختلاف السياسي على الرئاسة وعلى مواضيع أخرى، ولهذا فهما لن يتحوّلا الى خصمين سياسيين رغم الفراق الحاصل بينهما اليوم على مستوى الاستحقاق الرئاسي.
ولفتت المصادر الى أنّ أي رئيس سيُنتخب لن يتمكّن من تحقيق الإنجازات بمفرده، بل يحتاج الى حكومة تضمّ جميع المكوّنات السياسية ذات إرادة صلبة وجدّية بتحقيق الإصلاحات وتغيير النظام، بما يتلاءم مع المرحلة الجديدة التي طرأت على منطقة الشرق الأوسط. فثمّة ملفات عديدة تنتظر العهد الجديد وحكومته لا بدّ من معالجتها بالطرق السليمة والناجعة لإنعاش الاقتصاد مجدّداً، وإعادة ثقة المجتمع الدولي والعربي بلبنان، والاستفادة من كلّ الفرص السانحة لإعادة وضعه الى ما كان عليه سابقاً.
دوللي بشعلاني- الديار