رسائل “حزب الله”: السّلاح خطّ أحمر… ولن يقبل بالخسارة وإخراجه من المعادلة!!

ليست رسائل “حزب الله” المكثفة بعد القمة العربية، من استعراضه العسكري إلى المواقف التي أطلقها أمينه العام حسن نصر الله في ذكرى التحرير، مجرد رسائل خارجية لإسرائيل بأن المقاومة جاهزة لأي معركة وهي قادرة على تكبيدها خسائر كبرى، أو لتثبيت ما يسمى بـ”توازن الرعب”، بل هي أيضاً داخلية في إطار الصراع على القرار والتحكم بمفاصل الدولة، وأبرزها فرض أجندته في الداخل اللبناني وتكريس دوره وموقعه وسلاحه. هذه القوة المقررة اليوم تطرح في ذكرى مرور 23 عاماً على تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، مسألة القرار من خارج الدولة، والاستمرار في الدفع بلبنان نحو مواجهات بحسابات إقليمية لا تصب ولا تتماهى مع المصلحة الوطنية اللبنانية، ولا تعزز مناعتها.

جاء استعراض “حزب الله” العسكري بعد انتهاء أعمال قمة جدة، في غياب أي مبادرة عربية جادة لإخراج لبنان من محنته، حيث وصل الأمر لدى بعض الدول إلى حد اللامبالاة. فالانشغال بالملف اللبناني ليس أولوية عربية ولا دولية، بالعلاقة مع ملفات المنطقة، وهو ما عكسته مواقف دول فاعلة لم تعد تهتم بالبحث عن حلول، أو خوض صراع في لبنان، ما دامت تلقي المسؤولية على اللبنانيين، وتدعوهم للاتفاق على إنجاز الاستحقاقات والشروع في الإصلاحات، وهي تعلم أن القوى المتحكمة بأمور البلاد منقسمة في ما بينها ومرتبطة أصلاً بمشاريع خارجية. وعلى هذا يستثمر الحزب استمرار الفراغ والتعطيل، خصوصاً أنه لم تتبلور وجهة من الخارج لفرض التسوية، وكأن البلد بات على مشارف أن تتولى سلطة وصاية إقليمية شؤونه، تفرضها موازين قوى مختلة لمصلحة محور الممانعة على لبنان.

في ذكرى 25 أيار (مايو) استعاد نصر الله شعارات كبرى تأسيساً على تحرير الجنوب قبل 23 عاماً، لكن بتغيير فرضته التطورات التي حدثت منذ توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ثم توقيع الاتفاق السعودي – الإيراني، وهو الاستمرار في مصادرة قرار الحرب والسلم وتبرير التمسك بالسلاح باسم المقاومة لتحرير ما تبقى من أرض لبنانية محتلة أو لحماية لبنان من أي عدوان إسرائيلي. فإذا كان قرار الحزب في الداخل يستطيع أن يأخذ البلد إلى سياساته التي لا يُجمع حولها اللبنانيون، يظهر أن وظيفة سلاحه الذي يتحصن به يقع في إطار الصراع على السلطة، انطلاقاً من استمرار ربط لبنان بمحاور الصراع الإقليمي وتثبيت الهيمنة داخلياً. فقراراته وسياساته لا مجال للنقاش معها في معادلة القوة التي أرساها الحزب مع الاحتلال الإسرائيلي وفي المنطقة والنزاعات الإقليمية، وبالتالي لا نقاش في السلاح الذي أحدث “توازناً للرعب”، حاسماً أولاً استراتيجية دفاعية غير التي يحددها الحزب.

تزيد مواقف “حزب الله” وممارساته الشرخ داخل التركيبة اللبنانية، إذ لا يُفهم من المناورة العسكرية الأخيرة ورسائلها الاستباقية واستعراض القوة أنها فقط لإظهار الجاهزية في أي مواجهة مع إسرائيل، بل لها معان كثيرة داخلية لبنانية، تضاف إلى كلام نصر الله المستقوي بفائض القوة والسلاح، ليقدم الحزب نفسه أنه الأقوى والقادر على تغيير المعادلات وتكريس الاختلال في موازين القوى وترسيخ الهيمنة الطائفية، والأهم أنه يقول للجميع إن سلاحه خارج النقاش في أي بحث لإنتاج تسوية للأزمة في لبنان.

ذكرى التحرير شكلت مناسبة لـ”حزب الله” لإظهار القوة والتمسك بسلاح يُستثمر في تغيير التوازنات الداخلية تحت عنوان مواجهة إسرائيل، بصرف النظر عن فكرة المقاومة ضد الاحتلال، وهو أمر تعتبره مكوّنات لبنانية أخرى أنه يغيّر من هوية البلد، ما دام يُجيّر للاستفادة من حالة الفراغ، ومن كل الوقائع الإقليمية والدولية، إن كان في غياب أي مبادرة عربية تجاه لبنان، أو اهتمام دولي استثنائي بالبلد. فكل الأجواء تشير إلى أن الحزب يسعى للاستفادة من عودة العلاقات السعودية – الإيرانية، وتعويم النظام السوري وترجمته لبنانياً للإمساك بالقرار والتحكم بكل مفاصل الدولة سياسياً، والاستمرار في الوقت نفسه برفع القدرات العسكرية تحت عنوان مقاومة إسرائيل ورفد جبهات محور المقاومة في فلسطين.

المعنى الداخلي لاستعراض السلاح “المقاوم” يُفسر داخلياً أيضاً أنه ترجمة لإيصال مرشحه سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، مراهناً على تغيير في المسارات الإقليمية لانتخابه، مترافقة مع ضغوط لإقناع قوى داخلية، لا سيما التيار العوني برئاسة جبران باسيل، إما بتأمين النصاب أو الانتخاب، وتوفير شروط تعزيز موقع الأخير في المعادلة السياسية. وتكتسب المراهنة واقعيتها من عدم تمكن القوى المعارضة، خصوصاً في الساحة المسيحية، من الاتفاق على مرشح في مواجهة فرنجية، لذا يضغط لإيصاله لتعزيز مكاسبه التي لا يتخلى عنها في ظل الاختلال القائم في الموازين سياسياً وطائفياً.

يأتي كلام نصر الله الأخير في ذكرى التحرير ليكرس وقائع جديدة تنطلق من الرهانات على تغييرات في المعادلات الدولية، حتى وإن كانت تتضمن الكثير من الأوهام حول تراجع الدور الأميركي، وأن الولايات المتحدة لم تعد مهيمنة على العالم، فتأتي دعوته للحوار حول الرئاسة اللبنانية من استعراض القوة التي لا يتنازل معها عن المكاسب التي حققها في سوريا ولبنان.

وفي غياب أي صفقة عربية وإقليمية للحل الشامل لبنانياً، سيستمر لبنان في حالة الفراغ، وسيصر محور المقاومة أكثر على إيصال مرشحه، وها هي رسائل “حزب الله” تتوزع في غير اتجاه داخلي وخارجي، وللقول للجميع إنه اختار الاسم الوطني المقاوم الذي يجمع وطناً، ويعمل من أجل إنقاذه، وعليه تشير معركته التي خاضها على مدار الأشهر الماضية إلى أنه لن يقبل بالخسارة، ولن يقبل بأن يطير كل الجهد بإخراجه من المعادلة!

ابراهيم حيدر- النهار العربي

مقالات ذات صلة