هكذا تعامل “السياسيون المثاليون المتورطون”… مع ملاحقة رياض سلامة!
عندما يضع المتورطون بانهيار لبنان قناع المثالية في التعامل مع ملاحقة رياض سلامة!
منذ بدأ القضاة الاوروبيون يصدرون مذكرات توقيف غيابية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تكاثرت الدعوات السياسية اليه لتقديم استقالته من منصبه.
وربط هؤلاء السياسيون، وجلّهم لعب أدوارًا أساسيّة في السلطة، بين “واجب الاستقالة” و”المصلحة الوطنية العليا”، نظرًا للمخاطر الناجمة عن أن يكون حاكم المصرف المركزي متّهمًا بعمليات فساد أساسها الاستفادة من منصبه لإثراء نفسه بطريقة غير مشروعة.
ولكنّ التهم التي وجهها القضاة الاوروبيون إلى سلامة، على خطورتها، لا علاقة لها بأيّ شكل بوضعيته كحاكم للمصرف المركزي، اذ يستطيع في مرحلة تجهيز دفاعه عن نفسه الاستمرار بالقيام بوظيفته والتواصل مع المصارف المركزية في العالم واتخاذ التدابير اللازمة للجم الانهيار المالي، بما تسمح به المعطيات الاقتصادية.
والمخاطر التي تتهدد علاقة لبنان المالية بالعالم، لا صلة لها مباشرة بوضعية حاكم المصرف المركزي الجديدة، بل هي ناجمة عن اقتصاد الكاش الذي يخشى ان يخفي عمليات تبييض اموال عبر المصارف التي لا تزال عاملة.
والتهم التي ينفيها سلامة ترتبط بسلوك شخصي ولا علاقة لها، مباشرة أو غير مباشرة، بالكارثة المالية التي نزلت على لبنان واللبنانيين، وهي جرائم يمكن ان يرتكبها أي قائم في الخدمة العامة، في أيّ دولة في العالم بما فيها المتينة ماليًا واقتصاديًا.
بطبيعة الحال، يلجأ دعاة استقالة سلامة الى المعايير النموذجية للحكم، اذ يفترض بأيّ مسؤول تمّ وضعه تحت الشبهة أن يتنحى جانبًا، نظرًا لانعكاسات ذلك على سمعة الدولة الداخلية والخارجية.
ولكنّ دعوات هؤلاء “السياسيين المثاليين” تشوبها عيوب كبيرة، اذ إنّهم، كل من موقعه، مسؤول عن الكارثة التي ضربت لبنان وشعبه.
ويدرك القاصي والداني أنّ حاكم مصرف لبنان هو واحد منهم وليس جميعهم، ومع ذلك، فإنّ هؤلاء لم يتزحزحوا خطوة واحدة لا عن مراكزهم ولا عن طموحاتهم ولا عن تناحراتهم ولا عن اسلوبهم الزبائني القائم على استغلال الدولة ومواردها وخدماتها.
وفي هؤلاء، قال الخارج، رؤساء وتجمعات دولية واقليمية ومراكز مالية ونقدية، ما لم يقله مالك في الخمرة، ووجه الجميع اليهم اتهاماته اخطر من الفساد بدءًا بانعدام المسؤولية، مرورًا بانعدام الكفاءة والكذب والعجز، وصولًا الى العمالة.
وهذه الاتهامات التي كان قد جرى توجيهها الى من أصبحوا بمناسبة ملاحقة سلامة مثاليّين، مرّت مرور الكرام، على الرغم من مخاطرها الثابتة على مصالح الدول والشعب.
والطامة الكبرى في كل ذلك، أنّ بعض دعاة استقالة سلامة ينتسبون الى فئات صدرت بحقها عقوبات اميركية بسبب توافر أدلة على “فسادها الضخم”. واذا كان هناك من يضع البعد السياسي في الواجهة لتبرئة نفسه معنويًا من العقوبات، فإنّه الى هذه الفئات تنتسب مجموعة الوزراء والموظفين والامنيين الذين ادعى عليهم المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار الذي تعرّض لأضخم عملية اغتيال معنوية ، في تاريخ القضاء اللبناني ودوره في ملاحقة المجرمين.
وقد تعاضد دعاة استقالة سلامة مع هؤلاء الذين ادعى عليهم بيطار، واستنفروا رجالاتهم في المجلس النيابي ومجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية والقضاء والامن والادارة لإبقاء المشتبه بتورطهم بانفجار المرفأ بمنأى عن الملاحقة.
وقد شبك بعض هؤلاء المثاليين أياديهم للدفاع عن النائب العام الاستئنافي غادة عون، حتى لا يتم صرفها من الخدمة، بموجب حكم صدر عن المحكمة المختصة.
وعلى الرغم من أنّ هناك حكمًا صدر بحق عون إلّا أنّها، بدل ان تستقيل وفق القواعد التي يدعو المثاليون سلامة، تستمر في عملها، في انتظار البت باستئناف الحكم الصادر بحقها.
من دون شك، إنّ حاكم المصرف المركزي كان يجب ان يستقيل منذ حصل الانهيار المالي والاقتصادي والمصرفي، ولكن من دون شك أيضًا فإنّ تلطي المتورطين معه أو في ملفات أخرى لا تقل خطورة، يجب أن يصيبهم بخجل ممّا به تنطق ألسنتهم!
فارس خشان- النهار العربي