لبنان “صندوق بريد” بين إسرائيل وإيران: 5 خلاصات من حركة هوكستين!

ما تسرّب من “المبادرة الأميركية” التي يحملها آموس هوكستين مفاده أنّه لا توجد ثقة بالسلطات السياسية اللبنانية المتعاقبة لتنفيذ القرار 1701. تقول الورقة بإنشاء هيئة دولية تشارك فيها الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا وألمانيا للإشراف على تنفيذ القرار الأممي الصادر عام 2006 . كما تشترط حقّ التدخّل في حال حصول خلل خلال التنفيذ.

السلطات اللبنانية الرسمية تخوّفت من هذه النقطة واعتبرت أنّها تمسّ بسيادة البلد. ذلك أنّ الذي كان حاضراً في هذا العقل السياسي أحوال أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. عندما خسر النازيون آنذاك واحتُلّت العاصمة الألمانية برلين، صارت هناك منطقة فاصلة بين الألمانيّتين الشرقية والغربية.

عمليّاً حكم الجيش الأميركي الذي أقام حاجزاً ليحدّد من يمرّ من الغرب نحو الشرق. قابل ذلك مشهد الجيش السوفيتي في برلين الشرقية. بالتالي تكرّس في التاريخ أن تكون هناك هيئة إشراف. يتشكّل هذا الإشراف العسكري لمراقبة وتنفيذ قرارات أو تسويات أو مصالحات يُصار إلى التوصّل إليها.

تحكّم نتنياهو بسيادة لبنان

طبعاً أكمل رئيس وزراء العدوّ الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخشونته طريق “هواجس” المسّ بالسيادة اللبنانية. كان أن احتلّ الجيش الإسرائيلي مساحات يراوح عرضها بين 4 و6 كيلومترات من الأراضي في جنوب لبنان. بلغ سوء الاحتلال أن صار يتحكّم بالجثث الموجودة بالقرى التي احتلّها بعدما دمّرها كُلّياً.

عمليّاً يفاوض بنيامين نتنياهو بالخشونة وبالدم وبالنار، وهذه النقطة هي من أشكال نقطة الوصاية. طبعاً الحزب منخرط في المفاوضات غير المباشرة عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. سبق أن قال الحزب في أولى أيّام الحرب إنّه “لن يفاوض تحت إطلاق النار” ووضع شرطاً للدخول في المفاوضات أن يتمّ وقف الأعمال العدائية. ومع الجولة الثانية لبدء هوكستين مهمّته في لبنان طلب بري والحزب من الإيرانيين أن يساعدوهما في الإجابة على المبعوث الرئاسي الأميركي.

وردة إيرانيّة لبنانيّة.. لإدارة ترامب

حينها جاء إلى بيروت علي لاريجاني موفداً من السيّد علي خامنئي وأفهم “بعض” اللبنانيين أنّ الإدارة الإيرانية والقيادة الإيرانية تريد تقديم فرصة، هي بمنزلة “وردة سياسية” للإدارة الأميركية المقبلة، وبالتالي من الأفضل القبول بهذا البند.

على هذه القاعدة وبناء على النصيحة الإيرانية توجّه هوكستين إلى لبنان. كان يحمل طرحاً بمنزلة عرض للقبول أو الرفض ولا نقاش فيه. العرض الذي طرحه أمام برّي والذي كرّره عند من التقاهم من مثل رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، ورئيس الجمهورية السابق ميشال عون، ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، ردّد أنّه غير قابل للنقاش: take it or leave it.

سوّق هوكستين لعرضه بأنّه التنفيذ الحرفيّ لوثيقة الوفاق الوطني، والتنفيذ الحرفيّ التدريجيّ لقرارات الشرعية الدولية، وبند وصاية المراقبة والتدخّل من قبل لجنة دولية “أو هذه الحرب مستمرّة”. كان يقصد بالتطبيق الحرفيّ لاتفاق الطائف عبارة “لا شرعية لأيّ سلطة تناقض العيش المشترك”، و”تجريد الميليشيات من سلاحها”.

5 خلاصات سياسيّة من حركة هوكستين

هذا يعني حتى اللحظة أنّ الحرب لم تنتهِ، والبلد لن يذهب إلى مناخ تفاؤليّ، لكنّ هناك معاني سياسية كثيرة يمكن استخلاصها:

1 ـ الآن هناك نصّ يُناقَش، وبالتالي أصبحت هناك أرضية للنقاش لدى إسرائيل من جهة، ولدى إيران من جهة أخرى. طبعاً رعاية هذا النقاش وهذا الحوار هي رعاية أميركية. ولم يظهر أنّ هناك وجوداً فرنسياً أو بريطانياً أو عربياً إلى جانب الإدارة الأميركية. واشنطن ترعى حواراً غير مباشر يحصل بين إيران من جهة، وإسرائيل من جهة، حول ورقة معنيّ بها لبنان. وهذا لا يعني مجدّداً أنّ الحرب قد انتهت.

2 ـ لن تنتهي هذه الحرب إلا من خلال الضمان الحقيقي أنّ الحزب لن يشكّل قوّة عسكرية في لبنان وفي المنطقة، والأكيد أنّ هناك وصاية دولية لتنفيذ هذا القرار الدولي من قبل الحزب.

3 ـ الثابت والأكيد أنّ الحزب الذي بدأ هذه الحرب من خلال إسناد غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 صار ينتظر ورقة وقف إطلاق النار، وبالتالي انفصل لبنان عمليّاً عن غزة.

4 ـ الحزب الذي نادى في بداية حرب المساندة بـ”وحدة الساحات” أصبح اليوم يقول: أنا أوافق على أيّ حلّ له علاقة بالوضع الداخلي اللبناني.

5 ـ الحزب الذي كان يقول: “الكلام للميدان”، و”الكلام لموازين القوّة”، صار اليوم يقول: “أنا أشتغل بالسياسة تحت سقف اتفاق الطائف”.

هذا التدرّج في موقف الحزب لا يعني أنّه لا توجد مجالات كثيرة لتتعقّد الأمور معه على المستويين الخارجي والداخلي… بل العكس. هو الصواب السياسي لأنّه يوجد أطراف ممكن أن تربك السير والمسار.

هل يقرّ البرلمان اللّبنانيّ الاتّفاق؟

يمكن لهذا المسار أن يتعقّد أكثر إن طلبت إسرائيل أن يقرّ البرلمان اللبناني مقترح الإدارة الأميركية لتصبح هناك ضمانة لبنانية إلى جانب الضمانة العربية والضمانة الدولية لضبط الحزب. التعب الذي أصاب الحزب في الداخل والتعب الذي أصاب جميع اللبنانيين معه، وَضَعَ البلد كلّه في سياق التكامل مع الإرادة الإيرانية.

الآن المشهد الواقعي للبلد مفاده أنّ لبنان انفصل عن غزة عمليّاً. وافق الحزب على التفاوض، ولهذا تناول أمينه العامّ الشيخ نعيم قاسم لفظيّاً اتفاق الطائف وأعلن احترامه لهذا الاتفاق. فقد وافق الجانب اللبناني على الوصاية على تنفيذ الاتفاق وعلى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية. قدّم الإيرانيون ورقة مصالحة مع الإدارة الأميركية الجديدة. يبقى أنّ هذه الورقة تنتظر ردّاً إسرائيلياً لن يأتي في القريب العاجل ما دام هوكستين قد عاد إلى واشنطن من دون أيّ إعلان.

طبعاً كلّ القوى السياسية اللبنانية قوى شكليّة، ذلك أنّ البلد لجأ إلى إيران حتى تصوغ الردّ وتتدبّر أحوال بلاد الأرز. أمام هذا الواقع توجد ملاحظات كثيرة على مجلس النواب، وملاحظات أكبر على أداء الحكومة، أولاها سياق المفاوضات المُستترة وبنود الورقة الأميركية غير المُعلنة، لكنّ هذا هو الوضع الذي نعيش فيه.

مفاوضات إسرائيليّة – إيرانيّة

صارت هناك ورقة. وهذه مفاوضات إسرائيلية – إيرانية بلبنان وعليه. حتى الأطراف والأحزاب السيادية في لبنان لم يكن لها وجود في زمن مضى ولا الآن. وفقط الأطراف التي تلعب دوراً هي التي تكتفي بدور الوساطة، أي “دور صندوق البريد” بين إسرائيل وإيران.

تحدث المفاوضات الآن بخشونة استثنائية من جانب إسرائيل. حتى قبول الحزب بالبنود الموجودة في هذه الورقة ومعنى خضوعه لموازين القوّة لن يوقفا هذه الخشونة المُفرطة بأيّ شكل من الأشكال إلا بعد إنجاز مهمّة ضربه وتدميره، حتى لا يقوم لهذا الحزب أيّة قيامة سياسية.

عاد الجميع للكلام عن الدستور وتطبيق بنوده، بمعنى أنّه يجب أن يُنتخب رئيس الجمهورية وفقاً للدستور. يجب المحافظة على العيش المشترك في لبنان وفقاً للدستور. ويجب بسط سيادة الدولة على كامل التراب اللبناني وفقاً للدستور. حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية واجبة ووفقاً للدستور. صار موضوع الدستور مادّة حقيقية يمكن الاتّكال على فعّاليّتها وعلى إجماع اللبنانيين عليها.

ايمن جزيني-اساس

مقالات ذات صلة