سين – سين جديدة في لبنان: هذا هو خطرها مع الأسد الذي لا يحل بل يدمر؟
قالت بعض الأوساط الإعلامية السعودية إن الملف اللبناني “كان في أولوية أجندة لقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس السوري بشار الأسد خلال قمة جدة”، وإنه في مرحلة قادمة سيكون هناك تحرك سعودي – سوري لحلحلة الأزمة اللبنانية، أي أن لبنان أصبح موعوداً بسين – سين جديدة.
وكان تمني لبنان أن تتدخل السعودية وحدها لحلحلة الأمور فيه، كونها لعبت في الماضي وما زالت دور القوة المعتدلة الرصينة التي تمنت باستمرار استقرار البلد، لكن إشراك الرئيس السوري في حلحلة الأمور في لبنان هو أمر مقلق للغاية وخطير.
طلبت المملكة من سوريا إيقاف صناعة الكبتاغون وتصديره، وكثير منه يهرّب عن طريق لبنان إلى الدول العربية. ثم طلبت إيران من السعودية التطبيع مع الأسد واستقباله في القمة، وقد تطلب إيران من السعودية لاحقاً، كمقايضة، تنفيذ أمور لحل حرب اليمن، مثلاً أن تترك لبنان تحت وصاية “حزب الله” والأسد. يعني ذلك وصاية إيران، بما أن الدولة الفارسية هي العنصر المهيمن في الثلاثي: إيران وسوريا و”حزب الله”.
وما دام اليمن هو أولوية السعودية، لم يعد هناك مجال واسع لتكريس اهتمام كبير لبلد أصبح عبئاً مع خلافاته الداخلية العقيمة. ولولي العهد السعودي اهتمامات أكبر وأهم من الخلافات اللبنانية وانتخاب رئيس فيه وتشكيل حكومة. ليست صدفة أن مناورة “حزب الله” وعرضه سلاحه الثقيل وقواته العسكرية جاءا بعد القمة. هي رسالة إلى رئيس القمة العربية ولي العهد السعودي أن الحزب هو الأقوى على الأرض، وأن القرار السياسي في يده كما قرار الحرب والسلم، كما أثبت في قراره التابع لإيران بإيقاف إذاعة الحوثي التي كانت تبث من الضاحية الجنوبية في بيروت.
الحزب، عبر هذه المناورة العسكرية، أراد أيضاً أن يقول إن قائد الجيش جوزف عون ليس مرشحه للرئاسة، وإنه لن يكون رئيساً إلا بإرادته، كما حصل مع الرئيس السابق. ثم إن السين – سين لا معنى لها ما دام الحزب وإيران يحميان نظام الأسد. فالقرار لم يعد في يد النظام السوري المدين ببقائه إلى مقاتلي “حزب الله” وإيران وللسلاح الجوي الروسي.
لا شك في أن لبنان بحاجة ماسة إلى دور سعودي فعال وكبير. فالسعودية دولة كبرى وأساسية ومعتدلة في المنطقة، لها وزن يتيح لها التدخل بقوة من أجل استقرار لبنان وإخراجه من أزمته، ولكن وحدها وليس مع النظام السوري. لذا تعول فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون على دور المملكة في المنطقة، وخصوصاً في لبنان. وماكرون يتحاور مع المملكة حول ملفات عدة كونه يعرف وزن السعودية. وليس صحيحاً ما كُتب في بعض الوسائل الإعلامية اللبنانية من أن فرنسا لعبت دور الوسيط بين “حزب الله” والسعودية، كما أنه غير صحيح أن فرنسا أيدت خيار سليمان فرنجية – نواف سلام في إطار صفقة مع “حزب الله”. فرنسا تريد دفع الخيارات الأخرى والأحزاب المسيحية لم تتفق على مرشح.
رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي زار العاصمة الفرنسية يبدو أنه زاد الغموض في اتصالاته في باريس، لأن المسؤولين في العاصمة الفرنسية لم يفهموا منه ما هو فعلاً موقفه من الرئاسة. أما الذين انهالوا بانتقاداتهم على دعم فرنسا خيار فرنجية – سلام فلم يُسمع منهم أي كلام عن تطبيع الأسد مع الدول العربية الصديقة فيما الصحف السعودية تعد اللبنانيين بسين – سين جديدة.
الأمل اليوم أن تعاود المملكة اهتمامها بلبنان، ولكن ليس بإشراك الأسد لأنه لم يأت إلا بالكوارث على بلده وعلى لبنان وعلى المنطقة وهو لا يحل بل يدمر. إن انتخاب رئيس في المستقبل القريب ليس متوقعاً ما دام رئيسا الحزبين المسيحيين الرئيسيين سمير جعجع وجبران باسيل فشلا في التوصل إلى اتفاق على مرشح مشترك. خطورة سين – سين جديدة في مرحلة ما بعد المصالحة العربية الإيرانية تحمل في طياتها تسليم لبنان والعراق وسوريا إلى الهيمنة والنفوذ الإيرانيين إلى أن يحدث تغيير أو انقلاب في النظام الإيراني.
رندة تقي الدين