من هم المقاتلون الروس المعارضون لبوتين الذين توغلوا داخل الأراضي الروسية؟
أدت عملية توغل جنود داخل الأراضي الروسية انطلاقا من أوكرانيا الإثنين إلى ظهور اسم “فيلق حرية روسيا”. الجماعة العسكرية التي نفذت التوغل في منطقة بيلغورود الحدودية مكونة أساسا من معارضين روس للرئيس فلاديمير بوتين. فما هي خلفياتها وكيف يمكن لأوكرانيا الاستفادة منها؟
لا معلومات محددة عن عددهم، معداتهم، أماكن تواجدهم أو هوياتهم… المؤكد إلى الآن: “فيلق حرية روسيا” تمكن من عبور الحدود وتنفيذ، في 22 أيار/مايو الجاري، أخطر توغل في الأراضي الروسية منذ بدء غزو موسكو لأوكرانيا (من شمال خاركيف إلى الداخل الروسي، تحديدا في منطقة بيلغورود).
السلطات الروسية سارعت في حينه لشجب اختراق حدودها وإدانة “المخربين” و”الإرهابيين” الذين، وفقا لبياناتها، تسببوا بسقوط عدد من الجرحى في منطقة غريفورون بالقرب من بيلغورود. كما عادت وأعلنت الثلاثاء 23 أيار/مايو “القضاء على الجماعة” بعد أن نجحت باختراق الحدود.
جزء من فيلق المتطوعين الأجانب
“المخربون” أو “الإرهابيون” أو “الجماعة”، صفات استخدمتها موسكو بحق هذا الفصيل، حيث أنه من غير الوارد أن تذكر بشكل مباشر وعلني “فيلق حرية روسيا”، الذي يقدم نفسه على أنه مكون من جنود روس معارضين لفلاديمير بوتين.
وفقا لحسين علييف، المتخصص في الصراع فيأوكرانيا في جامعة غلاسكو، اعتبر أن نجاح الفيلق بنقل المعركة إلى داخل الأراضي الروسية سيكون “ضربة قاسية جدا لدعاية الكرملين”.
أما غلين غرانت، كبير المحللين في مؤسسة البلطيق الأمنية والمتخصص في القضايا العسكرية الروسية، فاعتبر أن مجرد وجود هذه الوحدة في صفوف الجيش الأوكراني، “هو طريقة لتوجيه ضربة إعلامية كبيرة لإعلام الرأي العام الروسي بشأن وجود معارضة لبوتين، مسلحة ومستعدة للقتال من أجل فكرة أخرى عن روسيا”.
وتم إنشاء “فيلق حرية روسيا” عقب دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المتطوعين الأجانب في أواخر شباط/فبراير للقتال إلى جانب قواته. ويوضح غرانت “إنهم يقاتلون إلى جانب الجنود الأوكرانيين، تماما مثل الأعضاء الآخرين في الفيلق الدولي للدفاع عن أوكرانيا”.
غموض يحيط بالفيلق
ولطالما أحاطت “حالة من الغموض هذه الوحدة بالذات”، حسب صحيفة موسكو تايمز، لكن ليس بنفس القدر حول بعض أعضائها. حول هذا يقول حسين علييف “تحدث عدد كبير منهم في وسائل إعلام أوكرانية أو للمعارضة الروسية”. وأشار إلى أن “بعضهم يقدم نفسه كأسرى حرب سابقين منذ بداية الصراع، قرروا تغيير موقفهم لاحقا. لكن ربما لم يكونوا جنودا في الأصل”.
لا يبخل الفيلق بإظهار رموزه الخاصة، إما قبعات جنوده الروسية والتي تحمل شعارات أوكرانية، أو العلم الأبيض والأزرق والأبيض على جانب قمصانهم، والذي يرمز إلى قوى المقاومة لفلاديمير بوتين في روسيا، وعلى الجانب الآخر من القميص علم أوكرانيا.
كما اختار مقاتلو الفيلق علامة مميزة، على غرار الجيش الروسي الذي اعتمد الحرف “Z” على آلياته. وجعل جنود الفيلق من الحرف “L” شعارهم، والذي يرمز لكلمتي فيلق وحرية باللغة الإنكليزية (Legion – Liberty).
كم يبلغ عدد جنود الفيلق؟
عندما يصل الأمر إلى تقييم أعداد جنود الفيلق، تصبح المعلومات قليلة وغير دقيقة. المعروف هو أنه تم تشكيل الفيلق في البداية بنحو 100 مقاتل، لكن أعداده تعاظمت من ذلك الحين.
ستيفن هول، المتخصص في روسيا في جامعة باث، قال “نحن نتحدث عن كتيبتين، يمكن أن تضمان حوالي ألفي جندي”. ما يضيف إلى الهالة حول أعدادهم، إصرار معظم جنود الفيلق على إخفاء هوياتهم قدر المستطاع عندما يتحدثون، لكنهم يؤكدون أن أعدادهم تقدر بالمئات ولهم تواجد في معظم المدن الروسية الكبرى، حسب صحيفة موسكو تايمز.
عنصر آخر يصعب البحث فيه أو قراءته، وهو ما إذا كان أعضاء هذه الجماعة مدفوعين بأيديولوجية مشتركة.
حول هذا يشير ستيفن هول “هذه المجموعة لا تنتمي لليمين المتطرف مثل فيلق المتطوعين الروسي، وهو ميليشيا قومية متطرفة تقاتل أيضا فلاديمير بوتين، ويبدو أنها شاركت في التوغل في بيلغورود”. من جهته يضيف حسين علييف “يدعو فيلق حرية روسيا إلى روسيا أكثر ديمقراطية مما هي عليه في عهد بوتين، ولكن بدون تحديد معالم هذه الديمقراطية”.
هالة الغموض تحوم حول أماكن انتشار أعضاء الجماعة أيضا. من المفترض أنهم قاتلوا في الدونباس وباخموت، لكننا “لا نعرف كم من الوقت مكثوا في باخموت، أو أين تمركزوا في دونباس”، وفقا لحسين علييف.
صحيفة موسكو تايمز أشارت إلى أن كم الغموض المحيط بهذه الجماعة جعل البعض يشك في وجودها أصلا.
حسب ستيفن هول “من وجهة نظر دعائية، فإن وجود مثل هذه الوحدة يمثل رصيدا قويا للغاية بالنسبة لأوكرانيا، لإظهار حدود الدعم لفلاديمير بوتين بين السكان الروس. هذا هو السبب وراء فرضية أن كييف أنشأت فيلقا نواته من أقلية من المواطنين الروس، ثم ألحقت بهم جنودا من دول أخرى، بإشراف أوكراني”.
لكن معظم الخبراء الذين تحدثت معهم فرانس24، أبدوا قناعتهم بأنهم مقاتلون روس بالفعل. بالنسبة لحسين علييف، بين نشاط أعضاء هذا الفيلق على الشبكات الاجتماعية وحقيقة أن “أوكرانيا قد استثمرت الكثير بالفعل في تدريب مقاتلي هذه الوحدة حتى يتمكنوا من العمل جنبا إلى جنب مع بقية الجيش”، ستسقط فرضية “الفيلق الوهمي من الجنود الروس”.
“أداة دعائية”
ويضيف علييف “من ناحية أخرى، أعتقد أن كييف لم تعرف حقا كيفية استخدام مثل هذه الوحدة في القتال. هذا هو السبب في أنه لا يوجد معلومات كافية عنها”. إنه فيلق ثمين للغاية من الناحية الدعائية ليتم إرساله إلى جحيم معركة باخموت، حيث تعرض لخطر التدمير، كما كان من الصعب دمجه بالكامل في التسلسل القيادي للعمليات في دونباس.
وفقا لسيم تاك، المحلل العسكري في شركة “فورس أناليسيس” المتخصصة بمراقبة الصراع، تتمتع هذه الوحدة “بدرجة معينة من الاستقلالية تسمح لها بشن عملياتها الخاصة، على الرغم من أنه يجب أن يكون هناك دائما شخص ما داخل هيئة الأركان العامة الأوكرانية مطلع على ما يحدث”.
في هذا الإطار، خدم “فيلق حرية روسيا” كمرشح مثالي لـ “غارات” على أراضي العدو. قال ستيفن هول “بإمكان كييف الاختباء وراء استقلالية المقاتلين الروس لإنكار مسؤوليتها عن الهجمات على الأراضي الروسية”، وهذا هو الخط الأحمر الذي وضعته واشنطن ودول الناتو لأوكرانيا، إذ إنها لا تريد لدعمها اللوجستي لكييف أن يدفعها للتحول إلى موقع المعتدي، وأن تكون على استعداد لعبور الحدود الروسية.
لكن من ناحية أخرى، يمكن أن يساعد هذا النوع من العمليات داخل الأراضي الروسية في التحضيرات للهجوم المضاد الأوكراني الذي طال انتظاره. واعتبر سيم تاك “خطر عبور مقاتلين معادين للحدود سيجبر الجيش الروسي على نشر قوات في هذه المنطقة، في وقت يمكن لهذه القوات أن تؤدي دورا مهما في الدفاع عن الأراضي المحتلة عند بدء الهجوم المضاد”.