“الباسبورات” متوافرة… لا داعي للهلع!
إنها الثانية بعد منتصف الليل. ريمون واقف على عتبة بوابة أحد مراكز الأمن العام، آملاً في الحصول على رقم لحجز مقعده لليوم التالي لتقديم المستندات وإتمام الإجراءات التي تخوّله الإستحصال على جواز سفر كونه مضطراً للمغادرة إلى إحدى الدول العربية بحثاً عن عمل.
معاناة ريمون، إبن السابعة والعشرين، العاطل عن العمل، تشبه معاناة كثيرين.حاول مراراً إيجاد عمل في لبنان من دون جدوى، لذا لم يجد أمامه سوى طريق السفر… والوقوف في طابور الإنتظار المذلّ ليومين وبعد ذلك يضم الباسبور إلى صدره كأغلى ما يملك.
مع بداية الأزمة الاقتصادية الكبيرة المتزامنة مع جائحة «كورونا»، عاش اللبنانيون حالة من القلق المرَضي في ما خص موضوع جوازات السفر، فشهدت مراكز الأمن العام «عجقة» تمت معالجتها من خلال منصة تحدد عليها مواعيد تقديم الطلبات، وبعض المواعيد كان يحدد بعد أشهر وأحياناً بعد سنة. ساهمت هذه الطريقة في اختفاء الإزدحام، وتسريع إنجاز المعاملات، وكان المواطن يستلم جواز سفره عقب شهر من تقديم الطلب أو شهرونصف على أبعد حد.
في 6 آذار الماضي، عقب إعلان المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس ابراهيم انتهاء أزمة جوازات السفر وعدم الحاجة للمنصة الإلكترونية، أُلغيت المنصة وجرى تقريب المواعيد ولكن بقي تقديم الطلبات المستعجلة سارياً للطلبات الملحّة. وعادت المراكز إلى سابق عهدها وفتحت أبوابها أمام كافة المواطنين، التي كانت تستقبل سابقاً، أي قبل الأزمة، من 2000 إلى 2500 طلب يومياً. فصارت تستقبل خمسة آلاف! في حين أن القدرة اليومية لإنجاز الجوازات هي ثلاثة آلاف كحدّ أقصى!
ودّعنا المنصة واستقبلنا مشهد الزحمة والتجمّع منذ ساعات الفجر الأولى وقد عمد البعض إلى تمضية ليلتهم أمام الأبواب الموصدة، وبعد فتحها، يوزّع أحد العسكريين أرقاماً عليهم، ليعودوا في اليوم التالي، ويدخلون بالدور إلى المركز للقيام بمعاملاتهم، غير عابئين بالكلفة التي تبلغ أربعة ملايين ليرة لجواز صالح لعشر سنين، ومليوني ليرة لباسبور الخمسة أعوام.
المُستغرب في الموضوع بحسب احد المسؤولين، أن 80% من جوازات السفر التي استلمها أصحابها، لم يتم استخدامها، بل هي موضوعة في الجوارير والخزائن و50% من الطلبات المسجّلة على المنصة قبل إلغائها، تغيّب أصحابها عن مراكز الأمن العام لتقديم مستنداتهم.
الحرب على الأبواب؟
تزامن الهجوم المجنون على طلب الباسبورات مع الإنهيار المالي/الإقتصادي في الربع الأخير من العام 2019 وصار جواز السفر من الأولوليات قبل تأمين رغيف الخبز وتنكة المازوت. هناك شعور جماعي أن قرار الخروج من البلد ممكن اتخاذه في أي لحظة. إنه القلق على المصير وهو السبب الرئيسي لاستمرار التهافت غير المبرّر على مراكز الأمن العام… الحرب على الأبواب يُقال. وللحرب عدة وجوه.
في المقابل، يفضل عدد كبير من المغتربين تجديد جوازاتهم في لبنان هرباً من الرسوم العالية التي فرضتها السفارات اللبنانية في دول الاغتراب والإنتشار، فكلفة الباسبورات في لبنان هي الأقل في العالم، إذ لا تتخطى الـ40 دولاراً وهو مبلغ متدنٍ جداً بالنسبة إلى الدول الأخرى، وهكذا يغتنم السائح زيارته إلى لبنان ويجدد الباسبور في وطنه بسعر تشجيعي.
أنسى موضوع الباسبورات اللبنانيين، أزماتهم المعيشية المتناسلة من هم الأجور المتآكلة إلى أزمة الفراغ الرئاسي،خصوصاً بعد الكلام عن إعادة تفعيل المنصة كحلّ لمشكلة الإزدحام. وبعد البلبلة والمخاوف من أزمة باسبور، أكدت المديرية العامة للأمن العام في بيان أصدرته أن لديها ما يكفي من جوازات السفر لتلبية كل الطلبات في الداخل وفي بلاد الاغتراب، فلا داعي للهلع. وطلبت من الذين ليسوا بحاجة فورية لتقديم طلب جواز سفر، افساح المجال أمام المضطرين منهم للحصول عليه. كما دعتهم لعدم الأخذ بالشائعات التي يتم تناقلها من وقت لآخر.
وناشدت المديرية العامة للأمن العام المواطنين أنه «بقدر ما تتحمل المديرية مسؤولية تأمين الحقوق للمواطنين وتسهيل اجراءاتها، بقدر ما تطلب منهم مشاركتها هذه المسؤولية»، خصوصاً لجهة عدم التهافت على المراكز للحصول على جوازات السفر، إلا لمن هم بحاجة ماسة اليها.
لكن وجود الباسبور تحت المخدة حاجة نفسية وتجعل المواطن مطمئناّ إلى غده خارج الوطن.
المنصة والعودة
مع الزحمة الكبيرة والفوضى المتجددة أمام مراكز الأمن العام، يتم التداول بأخبار تفيد بإعادة تفعيل المنصّة وحصر تقديم الطلبات عبرها لتنظيم العمل، على أن تعطى مواعيد تقديم الطلبات بعد أسبوع من التسجيل، ومن دون شروط كتلك التي وُضعت سابقاً (حيازة حجز فندقي أو إقامة أو مستندات تفيد بأن السفر غايته العمل أو الطبابة أو التعليم) طالما أن الجوازات متوافرة.
ينطلق المستشار في الأمن العام العميد المتقاعد منير عقيقي من بيان الأمن العام الذي وُزّع بتاريخ 18/5/2023، ويؤكد أنه إذا التزم المواطن به، بكل صراحة، سيشكل ذلك ارتياحاً كبيراً من هذه الزحمة الجنونية على أبواب المراكز، فالعناصر الأمنية تشعر بحزن لرؤية المواطنين ينتظرون لساعات طوال بهدف الاستحصال على جواز سفر، وهناك من يستعجلون الأمر لخوفهم من رفع أسعارها أو لأن هناك من أوهمهم بأن لا جوازات تكفي وأنهم لن يستحصلوا عليه على الإطلاق.
الأسباب غير مبرّرة للتهافت، لأنه في المقابل هناك عدد كبير أيضاً بحاجة إلى باسبور فوراً، فمنهم من يريدون السفر والبعض الآخر لديه فرصة عمل وهو مضطر للسفر ومنهم من يريد زيارة أولاده في الخارج أيضاً.
فالمطلوب من الناس أنهم إذا كانوا بحاجة للباسبور في أيار، ليتقدّموا بالطلب في آذار أو نيسان، أي قبل شهر أو شهرين كأقصى حدّ.
ويوضح عقيقي في اتصال مع صحيفة «نداء الوطن» أن الهدف من المنصة هو تنظيم العمل وألا ينام المواطن أمام المركز، وهذا هو الهدف من كل المنصات حول العالم، ولكن في لبنان للأسف، هناك عدد كبير من الناس تقدّموا بطلبات مزورة، فضخّموا المنصة.
فقامت المديرية بتجربة دامت لشهرين، واعتبرت أنه طالما يأتي 50% من عدد المسجلين على المنصة فقط إلى مراكزنا فهذا يعني أنها قادرة على إلغاء المنصة، لذلك ألغيت المنصة، ولكن الناس تضغط على المراكز، على الرغم من أن الباسبورات متوافرة ولا أزمة فيها على الإطلاق.
نداء نداء
ويكرّر عقيقي دعوة المواطنين إلى عدم التهافت على المراكز فالباسبورات مؤمنة لكل المواطنين، ففي السابق كان الخوف من أن تنفد ولكن اليوم لا خوف من ذلك، إنما هناك تحضير مسبق لمرحلة جديدة من الطباعة.
وعن خوف المواطنين من رفع الأسعار، يقول «إن الباسبور اللبناني من الأرخص، وقرار رفع كلفته قانوني والمديرية العامة للأمن العام ليست معنية في هذا الموضوع بل تأتي من ضمن الموازنة، بحسب عقيقي، ومن يريد أن يسافر عليه تأمين باسبوره مهما كلّفه.
ويأسف «العميد» لكثرة الشائعات التي تُكتب ولا ضوابط تمنع تفشّيها، لذلك على المواطن أن يتشارك المسؤولية مع الأمن العام، فمسؤوليتنا نقوم بها من خلال فتح المراكز وتأمين الباسبورات والعناصر موجودة، أما المطلوب من المواطن أن يأتي إلى المركز في حال كان بحاجة إلى الجواز وليس لأنه بحاجة إلى حجزه للضرورة.
«المنصة ليست بُعبعاً» وليست حلاً أيضاً، يقول عقيقي، بل إذا أردنا السير بها كما يجب، يتم وضع شروط معينة على المواطنين لضبط الأمورأكثر فأكثر.
خيار المنصة لا يزال موجوداً بحسب عقيقي، شرط أن يعطي الفائدة المطلوبة، ولكن لم يتم البتّ به بعد فالنقاش لا يزال مفتوحاً في موضوع عودة المنصة أم لا، فهناك أخبار كثيرة نُشرت عبر الإعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وكلها غير صحيحة لأنه لم يُبتّ بعد بأي قرار، ولكن الهدف الأول والأخير في الوقت الحاضر تنظيم هذه المعضلة، ولا يمكن للعناصر في المراكز تقدير أي من الطلبات ملحة أكثر فهناك سبل عديدة لتبرير الاستعجال.
ويشدد على أنه من ليس بحاجة إلى جواز السفر حالياً لينتظر الوقت الذي يحتاج إليه، وهذا كل ما هو متاح الآن، وأي جديد سيطرأ المديرية العامة للأمن العام ستُطلع المواطنين.
السوري الأغلى ثمناً
– جواز السفر السوري، تكلفته 300 دولار أميركي لـ6 سنوات فقط، أما جواز السفر الأسترالي، فتكلفته 220 دولاراً أميركياً.
– جواز السفر المكسيكي، تكلفته 170 دولاراً أميركياً.
– جواز السفر الأميركي، تكلفته 165 دولاراً أميركياً.
– جواز السفر الياباني، تكلفته 125 دولاراً أميركياً.
– جواز السفر النيوزيلندي، تكلفته 125 دولاراً أميركياً.
– جواز السفر الكوبي، تكلفته 106 دولارات.
– جواز السفر البريطاني، تكلفته 95 دولاراً ولمدة عشر سنوات.
إذا عُرف السبب…
أسباب تهافت اللبنانيين، المبررة وغير المبررة تُختصر بحال القلق والخوف من المستقبل في بلد كلبنان قاعد على أكفّ العفاريت.
وفي حديث لـ «نداء الوطن»، تقسّم الاختصاصية في علم الاجتماع الدكتورة مي مارون المتهافتين إلى 4 فئات:
-الفئة الأولى هي الشباب الذين تسجلوا على مواقع مثل «لينكد إن» لإيجاد فرصة عمل في أي بلد حول العالم، لذلك فهم بحاجة إلى جواز سفر بجعبتهم ليستطيعوا الالتحاق بالعمل فور قبولهم.
-الفئة الثانية تضم اللبنانيين الأكبر سناً والذين لا يعرفون متى تتسنى لهم الفرصة للسفر إلى خارج البلد.
-الفئة الثالثة تتشكل من مجموع الأهالي الذين يعيشون بعيداً عن أولادهم وقد اختاروا الغربة اضطراراً، وهم بشوق إلى زيارتهم وقد يكون وراء السفر مشروع «سحب» الأهل إلى البلاد الجديدة، كي يستقروا إلى جانب أولادهم.
-أما الفئة الرابعة فهي تتألف من الذين يعيشون بحالة قلق دائمة من انطلاق أي شرارة حرب داخلية أو خارجية لذلك يضعون «باسبورهم» في جيبهم وفي حال حصول أي هزة أمنية يهربون إلى تركيا أو إلى قبرص، لذلك يعتبرون أنه بسبب عدم الاستقرار الذي يعيشه البلد، من الملحّ أن يكون لديهم جواز سفر.
نداء الوطن