هل تعبر زيارة الأسد إلى السعودية عن شكل الشرق الأوسط الجديد؟
وصفت صحيفة “واشنطن بوست” مشاركة رئيس النظام السوري بشار الأسد في القمة العربية التي عقدت في جدة، بأنها تعكس الوضع الجديد في الشرق الأوسط الذي تريده السعودية.
وأضافت في تقرير للصحفي إيشان ثارور، أن “عودة الأسد إلى الحظيرة هي جزء من محاولة أوسع لتخفيف الاحتكاكات في الشرق الأوسط، بعد سنوات من الاستقطاب الجيوسياسي والحروب المدمرة والاضطرابات الاجتماعية. وعبر ولي العهد عن أمله يوم الجمعة في أن تؤدي عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية إلى إنهاء الأزمة”.
وفي ما يأتي نص التقرير الذي ترجمته “عربي21”:
المشاهد الكئيبة تمت على مرأى من الجميع. كان الرئيس السوري بشار الأسد يبتسم ابتسامة عريضة وهو يسير على أرض المطار بعد هبوطه في مدينة جدة السعودية. استقبله ممثلون حكوميون بمن فيهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رحبوا به بأحضان دافئة. هناك جلس الأسد في جلسة مع قادة الدول العربية الأخرى، ورُحب بعودته إلى الحظيرة.
كان ذلك يوم الجمعة بالنسبة للأسد، الذي مر بإعادة تأهيل يمكن القول إنها استغرقت سنوات، لكنها لم تكن أقل إثارة للجدل بالنسبة لمنتقديه وخصومه. قبل عقد من الزمن، كان المسؤولون في دول الخليج يتآمرون بطرق مختلفة للإطاحة بالأسد. لقد ضخوا الموارد والأسلحة في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، ودعموا مجموعة متنوعة من الثوار المناهضين للأسد. بينما وجه الأسد بنادقه إلى شعبه وقصف المدن السورية وأطلق العنان للأسلحة الكيماوية على المدنيين. جمدوا النظام وأخرجوه من جامعة الدول العربية، الكتلة الأخوية التي استوعبت منذ فترة طويلة الديماغوجيين والمستبدين من مختلف المشارب.
لكن الأسد يسيطر بحكم الواقع على غالبية بلاده، في حين أن الثوار السوريين وأنصارهم خاضعون للقمع والتشتت. لقد حولت القوى الإقليمية التي استثمرت ذات مرة في إقالته اهتمامها وأولوياتها في مكان آخر. وقالت الناشطة البريطانية السورية رزان صفور لزملائي، في معرض تعليقها على عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية: “لقد خذلنا المجتمع الدولي تماما”.
وقالت وفاء علي مصطفى، 32 عاما، وهي منفية سورية في ألمانيا، لصحيفة “واشنطن بوست”: “بدلا من تحميل الأسد المسؤولية عن جرائمه الشنيعة… يتم الترحيب به وحتى مكافأته، كما لو أن السنوات الاثنتي عشرة الماضية من المعاناة وإراقة الدماء لم تحدث أبدا”. وحذرت من عملية “تطبيع” نظام الأسد التي تبدو جارية بين جيرانه العرب.
استخدم الأسد ظهوره في جدة ليصور نفسه مرة أخرى على أنه دعامة للاستقرار في منطقة مضطربة. وقال في الاجتماع: “من المهم ترك الشؤون الداخلية لأبناء البلاد لأنهم هم الأقدر على إدارتها”، مكررا اللازمة التي لطالما تغنى بها.
ناهيك عن مقتل مئات الآلاف من السوريين تحت حكمه، واختفاء عشرات الآلاف في سجون النظام، وتشريد الملايين بينما لا يزال معظم البلد الذي مزقته الحرب بحاجة إلى المساعدة الإنسانية. قدم الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وأجزاء من شمال سوريا في شباط/ فبراير، للأسد طريقا جديدا لتسريع التقارب مع الجيران المتعاطفين.
طوال الوقت، أبرز الديكتاتور السوري خلافاته الأيديولوجية. وجه الأسد انتقادا قويا إلى تركيا المجاورة، التي يمثل وكلاؤها بعض المعاقل الرئيسية لحكم دمشق. حذر الأسد من “خطر الفكر العثماني التوسعي” – ما جعل نداء ضمنيا لكل من التضامن العربي بالإضافة إلى خطوة مناهضة للإسلاميين. هذا الخطاب، إلى حد ما، هو مخزون وتجارة بعض نظراء الأسد في جامعة الدول العربية. في الأشهر التي سبقت وصول الأسد إلى السعودية، قدم نظامه مبادرات ناجحة لبلدان مثل تونس ومصر، وكلاهما عزز قادتهما الاستبداديون قواعدهم من خلال حملات القمع ضد الإسلاميين.
بالنسبة للمضيفين السعوديين للجلسة، فإن عودة الأسد إلى الحظيرة هي جزء من محاولة أوسع لتخفيف الاحتكاكات في الشرق الأوسط، بعد سنوات من الاستقطاب الجيوسياسي والحروب المدمرة والاضطرابات الاجتماعية. وعبر ولي العهد عن أمله يوم الجمعة في أن تؤدي عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية “إلى إنهاء أزمتها”.
ما كان معروضا، بدلا من ذلك، كان بمثابة تذكير بالكراهية التي أججت ذلك: حضر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القمة في جدة كمحطة توقف في طريقه إلى اجتماع مجموعة السبع في اليابان. ودعا القادة العرب إلى “إلقاء نظرة صادقة” على الحرب التي تخوضها روسيا في بلاده، مع انتهاكاتها لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي.
وقال زيلينسكي: “للأسف هناك البعض في العالم، وهنا بينكم، يغضون الطرف عن تلك الأقفاص وعمليات الضم غير القانونية”. في غرفة مزدحمة بأصدقاء الكرملين وحلفائه، كان الأسد، الذي أنقذ نظامه بتدخل روسي في عام 2015، على رأس المجموعة.
ومع ذلك، فإن الحرب في أوكرانيا، والاضطرابات الواسعة النطاق للأسواق التي أثارتها، قد ركزت العقول في الشرق الأوسط على الحاجة إلى مزيد من الاستقرار في عصر من عدم اليقين.
تعمل السعودية على إصلاح العلاقات مع خصمها القديم إيران وتبحث عن مخرج من الحرب في اليمن، حيث تعطي الأولوية لخططها الطموحة للتنمية في الداخل.
غرد هـ. هيليير، الزميل في مركز الأبحاث “RUSI” في بريطانيا، مشيرا إلى مفاتحات قدمتها دول مثل الإمارات لسوريا في وقت سابق: “الرياض لم تبدأ حملة التطبيع مع نظام الأسد، لكنها جَرت معها، وبنشاط. وهذا كله جزء من حسابات الرياض بأن أجندتها المحلية تتطلب خفض التصعيد داخل المنطقة في أي ملف آخر، بحيث يتم تركيز الاهتمام الكامل داخلها”.
وقدم هيليير تحذيرا صارخا: “لكن إعادة دمج الأسد قد تعود لتطارد الرياض. لم يتغير الأسد، ولا يزال نظامه غير مستقر، حتى بدعم روسي وإيراني. هناك الملايين من السوريين الذين ينظرون إلى الأسد على أنه الأكثر وحشية في تاريخهم، وهذه ليست وصفة للأوقات السعيدة”.
نظر المسؤولون الأمريكيون والدبلوماسيون الغربيون بقلق إلى إعادة التأهيل السياسي للنظام السوري. مع دعوة دول مثل الأردن والجزائر والإمارات إلى تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، يكثف المشرعون الأمريكيون جهودهم لتمرير جولة جديدة من التشريعات التي تعاقب نظام الأسد وتتجنب المزيد من التطبيع.
وقال مصدر خليجي مقرب من الدوائر الحكومية لوكالة رويترز: “الأمريكيون فزعون. نحن (دول الخليج) أناس يعيشون في هذه المنطقة، نحاول حل مشاكلنا بقدر ما نستطيع بالأدوات المتاحة لنا في أيدينا”.
قد يعكس هذا التحول أيضا شهية الولايات المتحدة المتضائلة للتدخل في المنطقة، حيث تضع واشنطن أعينها على تحديات الشرق أكثر وتتخذ مقعدا خلفيا في الشؤون العربية. وقالت منى يعقوبيان، نائبة رئيس مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الأمريكي للسلام، لقناة الجزيرة: “ربما تكون إدارة بايدن قد أجرت حسابات تفاضلية مفادها: حسنا، المنطقة تمضي قدما في التطبيع. ربما تكون القضية إذن هي الحصول على شيء مقابل ذلك، والحصول على تنازلات”.
من غير الواضح مدى أهمية هذه التنازلات. يشير الخبراء إلى انتشار تجارة الكبتاغون غير المشروعة، وهي مخدرات أصبح يتم تصديرها بكميات ضخمة بشكل غير مشروع من سوريا الأسد والذي قد يكون تأثيره الخطير على المنطقة مصدر ضغط لدمشق.
ونقل الكاتب عن تشارلز ليستر، الزميل في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: “من أجل جذب انتباه المنطقة، من الممكن تماما أن يمنح النظام بعض التنازلات الدنيا في الأشهر المقبلة: معلومات استخبارية عن حركات الكبتاغون بالتنقيط وإبقاء وصول المساعدات عبر الحدود مفتوحا وربما يمنح العفو لعدد ضئيل من المسجونين. لكن ليس التنازل بأي شكل مهم من طبيعة الأسد، لذلك سيأتي وقت تصل فيه إعادة الارتباط إلى انسداد طبيعي، حيث تصبح الخطوة التالية، الاستثمار الاقتصادي الكبير، غير مقبولة دبلوماسيا أو تمنعها العقوبات الغربية”.
قال ويليام ويشسلر، المسؤول السابق في البنتاغون الذي يرأس برامج الشرق الأوسط في “أتلانتك كاونسل”، لزملائي إن التطبيع مع سوريا يسير بخطى سريعة في الوقت الحالي. وتحكم الدول العربية “بدقة على موقف الولايات المتحدة من التطبيع، وهو أن الولايات المتحدة لا تريد أن يكون لها بصماتها، ولا تريد دعمه، لكن الولايات المتحدة لن تفعل أي شيء.
عربي 21