مناورة “حزب الله”: لا داعي للهلع إلاّ في تل أبيب…كلفة كسرها باهظة!

أعادت بعض المواقف الداخلية التي رافقت المناورة العسكرية لـ»حزب الله»، ترسيخ خط الاستواء السياسي الذي يفصل بين مؤيّدي سلاح المقاومة ومعارضيه.

بهذا المعنى، لا جديد في محتوى الاصوات المعترضة ولا في هوية أصحابها المنخرطين اساساً في خندق مقابل، ولكن عرض القوة في عرمتى بدا كأنّه مناسبة إضافية لهم لينفّذوا بدورهم مناورة مضادة بالذخيرة السياسية الحية.

ولعلّ إجراء المناورة العسكرية، على رغم من معرفة الحزب بأنّ هناك من سيتحسس منها، يوحي بوجود منحى لديه للتخفيف من المسايرات عندما تقتضي الضرورة تظهير موقف حاسم وواضح، وذلك على قاعدة انّه لا يستحي بدوره ضدّ العدو الاسرائيلي ولا يخفيه بل يصرّ عليه ويجاهر به.

اما القوى الرافضة للسلاح، فتتهم الحزب بأنّه تعمّد الإمعان في استفزاز مشاعرها و»تهشيم آخر ما تبقّى من صورة الدولة، بسبب لجوئه إلى تنفيذ مناورة عسكرية لا مبرّر لها ولا تراعي ظروف لبنان وتحولات المنطقة، في حين انّه كان يمكن الاستغناء عنها والاستعداد لاستقبال الصيف والسياح بطريقة أخرى».

هذا المنطق يقابله منطق مضاد يقارب الأمور من زاوية مغايرة تماماً، الأمر الذي يعيد تظهير حقيقة وجود «ثقافتين» مختلفتين في مقاربة النزاع مع العدو الاسرائيلي، بما يتجاوز حدود الخلاف السياسي التقليدي إلى افتراق أعمق وأخطر بكثير.

بالنسبة إلى القريبين من «حزب الله»، لم يكن هناك من داعٍ لصراخ البعض في الداخل، بينما فوهات المناورة مصوّبة في الشكل والمضمون إلى الكيان الاسرائيلي. ويلفت هؤلاء، إلى انّه ولمزيد من الطمأنة ولتأكيد المؤكّد، تعمّد رئيس المجلس السياسي في «حزب الله» السيد هاشم صفي الدين ان يوجّه، على وقع الرسالة النارية إلى العدو الاسرائيلي، رسالة أخرى وإنما إيجابية إلى العمق اللبناني بقوله: «انّ المناورة تخيف أعداء لبنان ولا ينبغي للبناني ان يخاف لأن ليس لنا أعداء في الداخل».

وهذه إشارة شديدة الأهمية، وفق المحيطين بالحزب، كونها تُبيّن انّه يضع خلافاته مع الآخرين، بمن فيهم أشدّ معارضيه، في إطار الخصومة المشروعة التي تتفادى قطع خطوط الرجعة، انطلاقاً من اقتناعه بأنّ تركيبة لبنان لا تتحمّل وجود عداوات وتستوجب العودة إلى الحوار مهما طالت القطيعة.

ثم انّ طبيعة المناورة، في رأي هؤلاء، يجب أن تريح الذين كانوا قلقين من استعمال السلاح في غير وجهته الأساسية، لأنّها أعادت تثبيت او تظهير دوره الأصلي في مواجهة الكيان الاسرائيلي، الذي يُفترض انّ هناك إجماعاً على تصنيفه عدواً ومحتلاً، «الّا إذا كان موقف البعض هو للمجاملة فقط، علماً انّه سبقت المناورة وتخلّلتها وستليها خروق وتهديدات اسرائيلية متنوعة للسيادة اللبنانية، ما يشكّل دليلاً حسياً وبعيداً من التنظير على استمرار الحاجة إلى هذا السلاح الردعي، في انتظار ان يصبح الجيش قادراً على تحمّل هذه المسؤولية، والأهم في انتظار ان يغدو القرار السياسي الذي يحرّك الجيش على مستوى التحدّي المفروض».

اما في ما خصّ استنتاجات البعض بأنّ المناورة تخالف اتجاهات التهدئة والمصالحات في المنطقة، فإنّ القريبين من الحزب ينفون صحتها، لافتين إلى انّ المناورة ليست للتشويش على القمة العربية ولا على الاتفاق السعودي – الايراني او السوري – السعودي بل العكس هو الصحيح، «إذ انّ المقاومة تستفيد من البيئة الجديدة التي أفرزها التفاهم الاقليمي، من أجل أن تتفرّغ اكثر لمواجهة العدو، وبالتالي فإنّ الانفراج في المنطقة وإنهاء النزاعات الجانبية سيخففان من انشغالاتها بملفات طارئة فُرضت عليها خلال العقد الاخير، وسيسمحان لها مجدداً بتثبيت اولوية النزاع الوجودي مع «إسرائيل» على ما عداه، وتركيز كل الجهود في هذا الاتجاه، خصوصاً انّ تجفبف ينابيع التوتر المذهبي في الإقليم وصولاً إلى لبنان يخدم جوهر قضية مقاومة الاحتلال التي لا تزال الأقدر على جمع العرب».

ويشير المحيطون بالحزب، إلى انّ المناورة أثبتت انّ النزاع مع العدو الاسرائيلي يبقى الأصل مهما حاولت «الفروع» في بعض المراحل ان تطغى عليه في سياق السعي الاسرائيلي إلى الهاء المقاومة واستنزافها عبر الوكلاء، «علماً انّه يجدر التوقف عند غياب الحماسة للتطبيع عن القمة العربية، ما يصبّ في خانة تعزيز ثقافة المواجهة».

ويعتبر مناصرو الحزب، انّ المصالحات الإقليمية لم تتمّ اصلاً على حساب الخيار الاستراتيجي لمحور المقاومة المنتصر، «بل انّ مردوها الإجمالي يحصّن موقعه، وهو يترجم انتصاره هذا في الساحة الأصلية ضدّ الاحتلال وليس في ساحة تصفية الحسابات».

َ

وبعد الاجتهادات التي واكبت توقيع اتفاق الترسيم البحري، يلاحظ داعمو المقاومة انّ مناورتها في إقليم التفاح أسقطت فرضيات عامت أخيراً على سطح المياه، من قبيل الظن بأنّ توقيع الاتفاق أنهى النزاع العسكري مع تل أبيب وشكّل نوعاً من تطبيع غير معلن، «بل اكثر من ذلك، عكست المناورة تطوراً في معادلات الردع عبر العبور من الدفاع إلى الهجوم، في بروفة لاقتحام الجليل إذا وقعت الحرب الواسعة».

إلّا انّ تلك الحرب التي يستعد لها الحزب كما لو انّها ستحصل غداً، ربما باتت عقب المناورة أبعد من أي وقت مضى، وفق تقديرات العارفين، «وبالتالي لا بأس من حين إلى آخر في إعادة صيانة قواعد الاشتباك، لإفهام العدو انّ كلفة كسرها ستكون باهظة عليه، الأمر الذي يفيد في منعه من الشطط».

عماد مرمل- الجمهورية

مقالات ذات صلة