ماذا ينتظر سوريا بعد فكّ عزلة الأسد الإقليمية؟
كرّست القمة العربية في جدة فكّ عزلة رأس النظام السوري بشار الأسد الإقليمية، بعد أكثر من عقد من نزاع مدمر، لكن هل من شأن ذلك أن يسهّل حصوله على مساعدات يحتاجها بشدّة في مرحلة إعادة الإعمار؟
فيما يعوّل الأسد على دعم عربي، تنتظر الدول العربية من دمشق إجراءات ملموسة في ما يتعلق بكبح تجارة الكبتاغون التي تشكّل الأسواق الخليجية، خصوصاً السعودية، وجهة رئيسية لها، وحلاً لأزمة اللاجئين التي تثقل كاهل دول عدة.
فما مصير الملفات العالقة، مع وجود مناطق خارجة عن سيطرة سلطات النظام السوري، وهل فكّ عزلة الأسد إقليمياً يسهّل طريق الحل السياسي المعلّق منذ سنوات؟
هل تفتح قمة جدة صفحة جديدة؟
بعد أكثر من عقد من عزلة دبلوماسية، وقطع دول عربية علاقاتها مع دمشق، رداً على قمعها احتجاجات شعبية بالقوة، شارك الأسد، الجمعة الماضي، في القمة العربية في جدة، للمرة الأولى منذ تجميد عضوية سوريا في الجامعة العام 2011.
ولقيت مشاركة الأسد ترحيباً واسعاً. وكانت دول عربية عدة، بينها السعودية، قدّمت دعماً للمعارضة السورية، خصوصاً في سنوات النزاع الأولى.
وأمل الأسد، الذي التقى ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان بن عبد العزيز، أن تشكّل القمة “بداية مرحلة جديدة للعمل العربي، للتضامن في ما بيننا للسلام في منطقتنا والتنمية والازدهار، بدلاً من الحرب والدمار”.
ويقول مدير مركز دمشق للدراسات الإستراتيجية بسام أبو عبدالله لوكالة فرانس برس: “ثمّة ارتياح في الشارع السوري بشكل عام، وتفاؤل أكبر في المستقبل، وإن كانت التحديات كثيرة”.
ويضيف: “طوينا صفحة ونكتب صفحة جديدة”.
رغم أن قوات النظام استطاعت، خلال السنوات الماضية، وبدعم من حليفين رئيسيين هما إيران وروسيا، السيطرة على الجزء الأكبر من مساحة البلاد، إلا أن مناطق واسعة، خصوصاً في شمال شرق وشمال غرب البلاد، لا تزال خارج سيطرتها. ويضمّ بعضها أبرز حقول النفط والغاز، ومساحات زراعية خصبة ومياه وفيرة.
وترى الباحثة لينا الخطيب، مديرة معهد الشرق الأوسط في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن، أنّ الأسد يرى في عودته إلى الجامعة العربية “اعترافاً بأنه ربح الحرب، وقبولاً رسمياً بشرعيته كرئيس“.
وأودت سنوات الحرب بحياة أكثر من نصف مليون شخص، ودمّرت البنى التحتية واستنزفت الاقتصاد ومقدراته.
ما هو مصير التسوية السياسية؟
في مقررات قمة جدّة، أكّد القادة العرب “ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرّج نحو حل الأزمة” السورية، التي أتمّت عامها الثاني عشر.
ورغم هدوء الجبهات، في السنوات القليلة الماضية. لكن الحرب لم تنته، خصوصاً مع وجود قوات أجنبية داخل البلاد تقدم الدعم لأطراف داخلية متنازعة، بينها القوات الأمريكية الداعمة للمقاتلين الأكراد، وتركيا الداعمة لفصائل معارضة منتشرة قرب حدودها، والتي بدأت تبدي، في الأشهر الأخيرة، مرونة أكبر تجاه دمشق.
وفشلت جولات تفاوض عدة بين ممثلي النظام والمعارضة قادتها الأمم المتحدة في جنيف، في إرساء تسوية سياسية للنزاع. ويتفاوض الطرفان منذ سنوات لصياغة دستور جديد، بلا جدوى.
وتقول الخطيب: “ثمة آمال أقل حالياً لناحية إحياء عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، وإمكانية أن تؤدي الى انتقال سياسي ذي مغزى”.
في السياق ذاته، يعتبر الباحث في معهد “نيولاينز” نيك هيراس أن الجامعة العربية “ابتعدت عن المعارضة السورية” وتدفع اليوم نحو “توازن بين إيران والدول العربية التي تنافسها”.
وتسارعت التحولات الدبلوماسية على الساحة العربية إثر إعلان اتفاق بين السعودية وإيران، أحد أبرز حلفاء دمشق، في آذار/مارس، في خطوة بدت انعكاساتها جلية على الخارطة السياسية الإقليمية في منطقة لطالما هزتها النزاعات بالوكالة.
ماذا عن اللاجئين والمخدرات؟
في قمة جدة، اتفق القادة العرب، في ما يتعلّق بسوريا، على “تعزيز التعاون العربي المشترك لمعالجة الآثار والتداعيات المرتبطة باللجوء والإرهاب وتهريب المخدرات”.
وتعدّ هذه القضايا أساسية بالنسبة إلى دول عربية عدّة، مع وجود أكثر من 5,5 مليون لاجىء سوري في دول الجوار، وفي وقت يشكّل تهريب المخدرات أحد أكبر مصادر قلق دول خليجية وخصوصاً السعودية التي باتت سوقاً رئيسية لحبوب الكبتاغون المصنّعة بشكل رئيسي في سوريا.
ويشدّد أبو عبدالله على ضرورة أن تقدّم الدول العربية “يد العون والمساعدة”، خصوصاً في ما يتعلق بملف اللاجئين، معتبراً أن الأمر “يحتاج إلى تمويل وبنى تحتية”.
وتشكّل العقوبات الغربية المفروضة على دمشق عائقاً أمام تمويل دولي شامل لإعادة الإعمار، بمعزل عن تسوية سياسية تدعمها الأمم المتحدة.
وتشكّك الخطيب بإمكانية عودة اللاجئين بشكل آمن إلى ديارهم. وتعتبر أنّ النظام “ليس راغباً ولا قادراً على تقديم مساعدة مفيدة” في قضايا مرتبطة بالسكن والتوظيف وتوفير الأمن.
وترجّح “أن تتباهى دمشق بعودة اللاجئين كورقة لاستقطاب التمويل للأسد وأعوانه”.
وفي ما بدا بمثابة تفعيل لتعاون عربي سوري في ملف مكافحة تهريب المخدرات، قُتل مهرّب مخدرات بارز مع عائلته، الشهر الحالي، جراء غارة على منزله في جنوب سوريا، نسب المرصد السوري لحقوق الإنسان تنفيذها الى الأردن الذي تحوّل إلى طريق عبور لتجارة الكبتاغون.
وترجّح الخطيب ألا توقف دمشق تجارة المخدرات المربحة لها بشكل غير مباشر، إذ تتحدث تقارير عن تورط مقربين من نظام الأسد بها، لكنها ستتظاهر بأنها “تقلّص بعض تدفّق الكبتاغون إلى الخليج مقابل حصولها على تعويض مالي من قنوات أخرى”.
وبينما يبدو النزاع “مجمداً”، يرى هيراس أن الدول العربية “تتعامل مع القضايا كافة، بما في ذلك إعادة إعمار المناطق تحت سيطرة الأسد، والمعتقلين السياسيين وتدفق المخدرات كما لو أنها أمور حصلت وانتهت”.
ويضيف: “يستطيع الأسد حالياً أن يتاجر بهذه القضايا كلّها مع الدول العربية”.
(أ ف ب)